المعاينه والكشف











المعاينه والکشف



الکشف علي الشخص، او الشي ء، ومعاينته من قبل القاضي او الخبير المعين من قبل المحکمه او الخصوم لبيان خبرته -علميه کانت ام فنيه ام ادبيه- في الواقعه وما يستشفه من معلومات علي ضوء خبرته ودرايته بهدف التثبت من ادعاء معين او حقيقه ما، امر نستلهمه من قضاء الامام علي من خلال بعض سوابقه[1] فهذه الوسيله اعتمدها طريقه من طرق الاثبات. ولناخذ مثلا القيافه فهي في حقيقتها تعتمد علي المعاينه والکشف من قبل خبير مختص في هذا الحقل، لا بل ان القاضي الاسلامي يحتاج الي ان يعاين اثناء سير الدعوي الواقعه الماديه المتنازع عليها وان يکشفها بنفسه، کما ان له ان يعين خبيرا لتقديم خبرته التي يصح للقاضي لا قبولها فحسب بل رفضها اذا ما وجد ما يسوغ ذلک،[2] وهذا هو الاتجاه المعمول به في التشريعات المعاصره، ويويده الفقه والقضاء.[3] .

فاذا کان المنطق يقضي بوجوب الکشف علي مکان الحادث المتنازع عليه او الذي تمت فيه الواقعه موضوع الدعوي، ولتکن جريمه القتل مثلا کي تضبط الاله المستعمله، او تصوير بصمات الاصابع التي ترکها الجاني لعرضها علي خبير البصمات، او ضبط المقذوف الناري او الحشوه الفارغه للسلاح المستعمل، بغيه فحصها من قبل خبير الاسلحه الناريه بغرض مطابقتها مع ما يکتشفه الطبيب العدلي في جسم القتيل، وهو من مستلزمات التحقيق، بغيه جمع الادله وصولا الي کشف حقيقه الحادث، فکيف يتم کل ذلک اذا لم يتم الانتقال الي المکان المذکور ومعاينته؟

واذا کانت مثل تلک الوقائع تحصل في الحياه اليوميه لبني البشر واخذت تزداد مع الايام، فان توجه الامام علي الي الفحص والاختبار والمعاينه من قبل خبير معين لبيان خبرته ودرايته في مساله معينه، امر لا غبار عليه. فلقد حدثنا التاريخ عن قضيه اخذت من شريح منتهي عجبه واستغرابه، وذلک عندما جاء اليه احد الاشخاص قائلا: زوجني ابي علي اني انثي، وابتعت جاريه تخدمني، فافضيت اليها فحملت مني. فعرض شريح القضيه علي امير المومنين علي بن ابي طالب، فقرر (ع) تعيين عدلين من المسلمين، وامرهما بالحضور في بيت خال من السکن، واحضر امراتين للکشف عن عوره ذلک الشخص، وطلب من العدلين مراقبه الامراتين في مدي تنفيذ ما طلب منهما. وبعد التيقن من ان ذلک الشخص يحمل اعضاء الجنسين وخصائصهما الحقه بمراتب الرجال کون صفه الذکوريه غالبه فيه وجعل حمل الجاريه منه والحقه به.[4] .

وفي قضيه اخري[5] مجملها ان امراه اتهمت بالزنا، وجي ء بها الي امير المومنين (ع)، فامر النساء بالکشف عليها للوقوف علي حقيقه الاتهام المسند اليها، فقلن بعد الکشف والمعاينه انها عذراء لسلامه غشاء بکارتها وهن اعرف بامور جنسنهن وخصائصه. فهذه المعاينه التي توجه الي تقريرها الامام علي (ع) تمثل دليلا في قضائه اعتمده في اثبات براءه تلک المراه من الاتهام الذي نسب اليها.

فالمشاهده اذن تعد من اصول الاثبات عند الامام علي (ع) سواء اکانت من قبل طبيب شرعي او من غيره من الخبراء، وذلک تبعا لاختلاف الواقعه المراد معاينتها، ولکل خبره خبيرها،[6] حيث ان مجال الخبره يظهر في عده صور، ففي المسائل الجزائيه نذکر بصمات الاصابع وآثار الاقدام والبقع وآثار الاسلحه ووسائط النقل[7] وقد يشترک بعضها مع المسائل المدنيه وقد لا يشترک، ومن هذه المسائل الاخيره نذکر آثار تجاوز البناء او شق الترع والمرور، وما اليها، مما يتنازع في صدده.









  1. رغم ما يذکره بعضهم من ان هذه الوسيله الاثباتيه هي من مستحدثات الفکر القانوني المعاصر وان ادراجها ضمن طرق الاثبات في القضاء العربي الاسلامي ادراج لا سابقه له من الواقع بشي ء.
  2. فقه الامام الصادق، ج 6ص 134و،136سبق ذکره.
  3. ومساله الخبره ورد ذکرها في سوره الفرقان (فاسال به خبيرا) اي اسال عنه خبيرا، ابن قتيبه، ص 397.
  4. ورد ذکر تفاصيل القضيه في ارشاد المفيد، ص 126ومناقب الخوارزمي، ص 55.
  5. التستري، قضاء امير المومنين، ص 39.
  6. فقه الامام الصادق، ج 6ص 134 138ان وددت التوسع.
  7. اصول التحقيق الاجرامي، ص 56 62سبق ذکره.