القضاء في فكر الامام علي











القضاء في فکر الامام علي



اولي الاسلام القضاء اهميه کبري، فعده من ارفع المناصب واسماها، فهو اماره شرعيه يمارسها ولي امر المسلمين وخليفتهم بنفسه لانه من الوظائف الداخله تحت الخلافه والمندرجه في عمومها،[1] لا بل انه غصن من شجره الرئاسه العامه للنبي وخلفائه، وهو المراد من الخليفه في قوله تعالي: (يا داود انا جعلناک خليفه في الارض فاحکم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلک عن سبيل اللّه)[2] وسمي القضاء قضاء لان القاضي يتم الامر المتنازع فيه بالفصل والحسم، وقد جاء قوله تعالي: (واللّه يقضي بالحق).

فالقضاء، اذن، منصب حساس ومهامه حيويه ودقيقه لتعلقها بحقوق الناس وحرياتهم، اضافه الي حقوق الباري تعالي، وحسبه درجه ان يکون بادي ء ذي بدء من حقوق الرسول الکريم، اذ انه اول قاض في الاسلام، ثم اناط امر القضاء لبعض اصحابه ممن توسم فيهم الکفاءه في مرکز ولايته وغيرها من الامصار.

وسلک نهجه المقدس خلفاوه من بعده، مع ملاحظه ان الامام عليا (ع) کان قد قضي بين الناس في خصوماتهم علي عهد النبي الامين وفي عهود من تولي الخلافه من بعده، وحسبه منزله ان وصفه نبي الامه بانه اقضي الامه، کما اسلفنا.

وعندما آلت الخلافه اليه، واتخذ من الکوفه مرکزا لخلافته وولايته الميمونه، اشترط علي قاضيه شريح بن الحارث فيها ان لا ينفذ القضاء في ما يخص الحدود وبقيه حقوق اللّه تعالي حتي يعرضه عليه ولقد قال له يوما: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي او وصي او شقي.[3] .

واذا کانت مهمه القاضي تنصب اساسا علي الزام احد المتخاصمين بقول ملزم بما عليه للاخر حاله ثبوته والا فترد دعواه، فان القول الملزم هذا هو ما يعبر عنه بالحکم او قرار الحکم -بتعبير ادق الذي به تحسم الدعوي وينقطع التخاصم فيه.

ومن هنا يبدو واضحا مدي خطوره امر الفصل في المنازعات وحيويته واهميته، ومن يظن بان مهمه الفصل في الخصومات بين الناس، حسما للتداعي وقطعا للتنازع، سهله او يسيره واهم بالتاکيد.

ولما کان القضاه هم الجهه المختصه في القضاء والموکله اليهم مهمه ادارته فلا بد والحاله هذه من ان تتحقق في اشخاصهم موهلات وضوابط معينه توهلهم للعمل القضائي بجداره.

وبالرغم من اختفاء الکثير من آثار الامام علي (ع) في هذا الجانب، بفعل الظروف المعروفه التي اعقبت استشهاده،[4] الا ان ما بقي منها فيه ما يکفي للوقوف علي خصوصيته الفذه في فقه القضاء وفنه، فقد اظفرتنا اقواله الشريفه وسوابقه الفريده في جزئيات المسائل، الخاصه بمفردات الحياه اليوميه للانسان، بکنوز نفيد منها في معرفه ما ينبغي ان يکون عليه القاضي من ضوابط ومواصفات، سواء في شخصه ام في سيرته داخل مجلس القضاء او خارجه، وزودت المتتبع باحجار يتيمه من جواهره، وهذا ما سنتناول بحثه في الفصلين التاليين.









  1. ابن خلدون، المقدمه، ص 220دار احياء التراث العربي، بيروت.
  2. سوره ص، آيه: 26.
  3. الحر العاملي، الوسائل، باب القضاء، طبعه حجريه غير مرقمه، وکذا المحقق الشيخ يوسف البحراني، الدرر النجفيه، ص 49طبعه حجريه، عام 1314ه.
  4. يراجع الشيخ محمد ابو زهره، الامام الصادق، ص 162المطبعه الحيدريه في النجف، وعباس محمود العقاد، عبقريه الامام علي، ص 9و،195بيروت،1970وکتب التاريخ التي تناولت سيره الامام علي فبن ابي طالب، عليه السلام، مليئه بشرح تفاصيل تلک الظروف.