القرينه











القرينه



القرينه، لغه من المصاحبه، وقد قيل، في المثل: قرين الشي ء، اوشبيهه، منجذب اليه، لانه صاحبه. اما في مصلح الفقهاء فهي الاماره البالغه حد اليقين او التي تجعل الامر في حيز المقطوع به[1] عاده. فهي -والحاله هذه- ما يحصل منها العلم باللزوم العقلي، فمن يدعي بان هذه الغزاله ملک له، منذ مده سنه، وتبين من ظاهر حالها ان عمرها شهران او ثلاثه امر يلزم العقل بعدم قبوله، بينما لو کان عمرها اکثر من سنه لدلت قرينه وجودها بحيازته علي کونها مملوکه له. ومن له يد علي الشي ء الذي يدعيه فان ذلک يشکل قرينه علي ملکيته، کما تبين لنا من قضاء الامام في مساله الدابه المتنازع عليها.[2] .

والقرينه، في حقيقتها، من طرق الاثبات التي يعتد بها الشارع الاسلامي، وهي اما ان تکون موضوعيه او تکون شرعيه، والقرائن الموضوعيه يطلق عليها ايضا القرائن القضائيه وهي تلک الامارات التي تدل علي امر مجهول هو المعني نفسه الذي يقول به رجال القانون، حيث يعرفونها بانها: استنباط القاضي لامر مجهول من امر معلوم،[3] فوجود سوابق للمتهم مثلا، او وجود عداء سابق بينه وبين المجني عليه، يشکل قرينه في احيان کثيره[4] علي ارتکابه الجريمه ضد المجني عليه.

اما القرائن الشرعيه فهي وقائع ثابته جعلها الشارع داله علي وقائع اخري،[5] ومثالها قوله تعالي: (وجاءوا اباهم عشاء يبکون. قالوا: يا ابانا انا ذهبنا نستبق وترکنا يوسف عند متاعنا فاکله الذئب (...) وجاءوا علي قميصه بدم کذب)،[6] فهذا النص المقدس حکم بالامارات، اذ ان اخوه يوسف (ع) وضعوا اخاهم الصغير يوسف، في بئر وعادوا الي ابيهم يعقوب، وادعوا امامه بان الذئب قد اکله، ولاثبات دعواهم هذه قدموا له قميصه الملطخ بالدم وهم يبکون تالما علي فقده. فهم هنا قد قدموا واقعه ثابته هي الدم الذي لوحظ علي قميص يوسف وارادوا منها اقناع والدهم بواقعه اخري هي اکل الذئب ليوسف، ولکن هذا الاستدلال ابطل باستدلال اقوي، اذ قال لهم يعقوب: (ما کان اشد غضب ذلک الذئب علي يوسف واشفقه علي قميصه حيث اکل يوسف ولم يمزق قميصه)،[7] فاستدل بهذه القرينه الاقوي علي کذبهم.

وفي نص قرآني آخر، قال سبحانه وتعالي: (وشهد شاهد من اهلها ان کان قميصه قد قد من قبل فصدقت وهو من الکاذبين وان کان قميصه قد قد من دبر فکذبت وهو من الصادقين) کما جاء في قصه يوسف (ع) مع زوجه فرعون مصر، فالقصه تدلنا علي ان فرعون مصر عندما اجري التحقيق في دعوي زوجته بان يوسف راودها عن نفسها، فان احد وزرائه عرض عليه فکره ملاحظه موضع الشق في قميص يوسف، ولما تبين انه شق من الخلف توصل، من خلال هذه القرينه، الي انها قد اضمرت الحقد له شان مثيلاتها وکيدهن لعظيم[8] فاستدل بواقعه شق القميص من الخلف علي صدق يوسف.

ويروي عن الرسول الکريم، عندما سئل ذات يوم عن اللقطه، انه قال: (اعرف وکاءها[9] وعفاصها[10] ثم عرفها سنه، ولتکن وديعه عندک فان جاء صاحبها فعرف عفاصها ووکاءها فاعطها اياه،[11] فمثل هذا التعريف اذا ما طابق الحقيقه فانه يمثل قرينه موضوعيه علي کونه مالکها فعلا.

ومن خلال استقراء قضايا امير المومنين (ع)، في جزئيات المسائل، نجد انه اعتمد القرينه ايضا طريقا للاثبات في بعض شذراته القضائيه، فکان يستنبط من وقائع الدعوي احيانا قرائن يتوصل بها الي کشف الحقيقه.

ففي المجال الجنائي هناک عدد، من السوابق القضائيه الموروثه عنه، حکم فيها استنادا الي القرينه نذکر منها قضاءه بقبول القي ء قرينه داله علي شرب الخمر -کما ذکرنا في مبحث الشهاده- کما قضي بان واقعه الحمل تشکل قرينه علي حصول واقعه الزني.[12] .

اما في المجال المدني فلقد قضي بان حيازه الشي ء تمثل قرينه علي ملکيه من بيده ذلک الشي ء.[13] .

ولا بد من القول بان للقرائن صورا عديده من المناسب التطرق الي ما عثرنا عليه منها في درر سوابقه القضائيه، وذلک في الفقرات التاليه:









  1. الدکتور احمد البهي، من طرق الاثبات، ص 73سبق ذکره.
  2. المحقق الحلي، شرائع الاسلام، ج 4ص 111.
  3. راجع نص الماده 102من قانون الاثبات العراقي وکذا الدکتور صلاح الدين الناهي، الوجيز من مبادي الاثبات، ص 54 وما بعدها، طف 1985.
  4. وعدم الاطلاق هنا يرجع الي کون القرائن القضائيه قابله لاثبات العکس.
  5. فقه الامام الصادق، ج 6ص 94والدکتور احمد البهي، ص 73فو،74سبق ذکره.
  6. سوره يوسف، الايات: 16 18.
  7. السيد نعمه اللّه الجزائري، قصص الانبياء، ص 185النجف، ط 6.
  8. راجع الايات من 26الي 28من سوره يوسف.
  9. الوکاء ما يربط به الوعاء الذي توضع فيه.
  10. العفاص اي الوعاء الذي توضع فيه.
  11. راجع: الوسائل وجواهر الکلام، وفي روايه اخري: (احفظ عفاصها ووکاءها)، مختار الصحاح، ص 735.
  12. مغني ابن قدامه، ج 1ص 193.
  13. للمزيد، راجع جواهر الکلام: سبق ذکره.