اليمين











اليمين



اليمين، في اللغه، تعني القوه، اذ يتقوي به احد الطرفين، کون الادعاء مثار ايه دعوي يتردد اصلا بين الصدق والکذب، فيقوي باليمين، وهي الحلف باليمين او باسمائه تعالي الجليله.[1] وقد ورد ذکرها في القرآن الکريم، حيث يقول تعالي: (واوفوا بعهد اللّه اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توکيدها وقد جعلتم اللّه عليکم کفيلا).[2] .

فتحليف اليمين يقتضي ان يکون، فيما بين المسلمين، باللّه تعالي، او باحد اسمائه الجليله، اما فيما بين غيرهم من الکتابيين فان قضاء الامام يشير الي جواز الحلف بغير اللّه بما يستحلفون به، اذ انه (ع) استحلف يهوديا بالتوراه[3] لان ذلک لا يشکل ايه مخالفه لقواعد الاسلام ما دام يقر بالتوراه کونه من الکتب السماويه المقدسه.

والاصل، في اليمين، ان توجه الي المدعي عليه، ذلک لان المدعي ليس عليه غير تقديم دليله او بينته لاثبات ما يدعيه في مجلس القضاء، فان لم تکن له بينه الزم المدعي عليه، عند الانکار، او السکوت، باليمين بناء لطلب المدعي او رضاه.

وهذا ما ينص عليه الحديث الشريف (البينه علي المدعي واليمين علي من انکر)[4] فان حلف، حسمت الدعوي بالرد، وان نکل عنه، فهنا علي القاضي ان يرد الحلف علي المدعي، فان حلف حکم له.[5] وقد روي عن الرسول (ص) قوله: (من حلف لکم باللّه علي حق فصدقوه، ومن سالکم باللّه فاعطوه، ذهبت اليمين بدعوي المدعي ولا دعوي له)، فالمدعي اذا ما طلب يمين المدعي عليه، فليس له والحاله هذه بعد ذلک تقديم البينه.[6] .

اما بصدد الاخرس، ففي احدي قضايا الامام روي انه کتب للاخرس عباره: واللّه الذي لا اله الا هو -الي آخر الصيغه المراد تحليفه بها في القضيه عنها- وغسلها، ثم امر الاخرس ان يشرب الماء الذي غسلت به صيغه اليمين، فان امتنع عن الشرب عد امتناعه نکولا والزمه بالحق وکان موضوع هذه السابقه متعلقا بدين.[7] .

واليمين قضي بها الرسول الکريم والامام علي مع الشاهد، کما سلف القول في مبحث الشهاده، حيث ان اليمين في هذه الحاله هي يمين متممه، اذ تقوي الشهاده الواحده، وهناک اکثر من سابقه للامام في مسائل الدين وغيره من الحقوق الشخصيه قضي فيها باليمين مع الشاهد الواحد.[8] .

هذا مع ملاحظه ان اليمين اما ان تکون علي النفي، وهي وظيفه المنکر المشار اليها في الحديث النبوي: (اليمين علي من انکر) واما علي الاثبات علي اختلاف صورها، سواء اکانت لعانا او قسامه من المدعي او مع الشاهد الواحد او يمينا مردوده علي المدعي بالرد او النکور او يمين استظهار، ولکل من هذه الانواع احکامها التي سردت الموسوعات الفقهيه تفاصيلها.ومجمل القول هنا هو ان موضوع اليمين ينصب علي الحق المحلوف من اجله، وبه تحسم الدعوي اثباتا او نفيا، ويشمل موضوع اليمين کافه الحقوق عدا حقوق اللّه المتعلقه بالحدود والقصاص المتعلق بالعظم، اذ يروي ان الامام عليا (ع) اتاه رجل ومعه آخر متهما اياه انه قد قذفه من دون ان تکون له بينه، وطلب من امير المومنين استحلافه فاجابه انه لا يمکن في حد ولا قصاص في عظم.[9] .

فاليمين، في قضاء الامام، انما هي من الوسائل التي توثق من ادعاء الحالف لفصل الخصومات وانهاء المنازعات. ونختم هذا المبحث بسابقتين من قضاء الامام علي بن ابي طالب (ع)، الاولي تخص ادعاء الانصاريه التي طلقها زوجها المتوفي کون الوفاه حصلت في عدتها واقامت البينه عند الخليفه عثمان بميراثها، فعرض قضيتها علي الامام فقضي بان عليها ان (تحلف انها لم تحض بعد ان طلقها ثلاث طلقات وترثه)[10] وذلک توثيقا لادعائها.

اما السابقه الثانيه للامام فتنصب علي قضيه الرجلين اللذين اختصما اليه في دابه في ايديهما، واقام کل منهما البينه بالتکافو، فحلفهما فحلف احدهما وابي الاخر ان يحلف فقضي بها للحالف، فقيل له: فلو لم تکن في يد واحد منهما واقاما البينه، فقال: احلفهما، فايهما حلف ونکل الاخر جعلتها للحالف، فان حلفا جميعا جعلتها لهما مناصفه، قيل: فان کانت في يد احدهما واقاما جميعا البينه -اي تعادل الطرفان في ما بينهما- قال: اقضي بها للحالف الذي هي في يده.[11] .

وبناء علي ما تقدم فان اليمين، في حقيقته، لم يشرع لاثبات الواقع او الکشف عن حقيقه، انما شرع لتوثيق الادعاء بغيه الفصل في الخصومات وحسم الدعاوي والا لتابدت المنازعات.

لهذا نجد الامام عندما ياتيه الخصمان بادله متقابله ومتکافئه في قوتها الاثباتيه فانه يلجا الي طريق القرعه بينهما علي ايهما يصير اليمين وکان يقول: (اللهم رب السموات السبع والارضين السبع ايهما کان له الحق فاداه اليه ثم يجعل للذي يصير عليه اليمين اذا حلف).[12] .

ويروي عنه قوله: حلفوا الظالم اذا اردتم يمينه بانه بري ء من حول اللّه وقوته فانه اذا حلف بها کاذبا عوجل العقوبه، واذا حلف باللّه الذي لا اله الا هو لم يعاجل لانه قد وحد اللّه تعالي.[13] ذلک لان اليمين -کما المحنا- يلجا اليها، بوصفها وسيله اخيره عند عدم توفر الدليل العادي من البينات، لهذا نجد الرسول الکريم يقول: (انما اقضي بينکم بالبينات والايمان)،[14] فان لم تتوفر البينه التي تبين الحق وتکشفه يصار الي اليمين، وهي دائما علي القطع وکل ما جازت به الشهاده جاز الحلف عليه.[15] .









  1. مباني تکمله المنهاج، ج 1ص 25سبق ذکره.
  2. سوره النحل، الايه: 91.
  3. مباني تکمله المنهاج، ج 1ص 25.
  4. الشهيد الاول، القواعد والفوائد، ج 1ص 416وج 2ص 194.
  5. مباني تکمله المنهاج، ج 1ص 17.
  6. من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 37وکذا جواهر الکلام سالفي الذکر.
  7. لغرض المزيد راجع تفاصيل القضيه في الوسائل وجواهر الکلام.
  8. امالي الصدوق، ص 324طبعه،1970وشرائع الاسلام، ج 4ص 137.
  9. فروع الکافي وکذا الوسائل، سبق ذکرهما.
  10. الساروي، الحق المبين، ص 39والتستري، قضاء امير المومنين، ص 49.
  11. جواهر الکلام، القضاء، مساله تعارض الشهادات.
  12. الوسائل، کتاب القضاء، سبق ذکره.
  13. التستري، ص 163سبق ذکره.
  14. جواهر الکلام.
  15. الشهيد الاول، القواعد والفوائد، ج 1ص 419و422.