تكييف الدعوي











تکييف الدعوي



التکييف لغه يعني التعويد. يقال کيف الشي ء، اي عوده علي سلوک معين ونهج معلوم. اما في الاصطلاح الثانوي فيقوم مفهومه علي تحديد طبيعه موضوع النزاع واعطائه الوصف القانوني الملائم، تمهيدا لاسناده الي النص القانوني المحدد.

فتکييف الدعوي يقصد به اذن وصفها الشرعي الذي يسبغ او يضفي الحياه القانونيه علي النزاع مثار الدعوي، لتعيين النص القانوني واجب التطبيق[1] هذا في فقه القانون الوضعي.

اما في الفقه الاسلامي فقد جاء، في کتاب اعلام الموقعين، لابن قيم الجوزيه انه (لا يتمکن المفتي ولا الحاکم من الفتوي والحکم الا بنوعين من الفهم احدهما فهم الواقع واستنباط حقيقه ما وقع بالقرائن والامارات حتي يحيط به علما، والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حکم اللّه في کتابه او لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق احدهما علي الاخر وان المطلوب من کل من يحکم بين اثنين ان يعلم ما يقع، ثم يحکم فيه بما يجب). ومضمون هذا النص يعطينا معني تکييف القاضي لوقائع الدعوي واعطائه الوصف الذي ينص عليه المشرع الاسلامي في حاصل فهم الواقع في الدعوي المرفوعه امامه، فيرد هذا الواقع الي نص الحکم الشرعي ليطبقه عليه من دون ان يتقيد بالوصف الذي اضفاه الخصوم علي تلک الوقائع. فاذا کانت واقعه الدعوي تمثل عقدا معترفا به من لدن المتداعيين فان ثبوت العقد لوحده لا يکفي لغرض الحکم بل يلزم معرفه نوع هذا العقد هل هو عقد بيع ام هبه ام اجاره، وما اليه من العقود التي وضع المشرع الاسلامي لکل نوع منها احکامه التي فصلها الفقهاء، فعمله الفني هذا هو ما يطلق عليه ب (التکييف الشرعي للعقد)، والعبره في العقود من حيث التکييف بالمقاصد والمعاني لا بالالفاظ والمباني[2] وهذه القاعده الفقهيه مستمده من حديث الرسول الکريم: (انما الاعمال بالنيات وان لکل امري ء ما نوي).[3] .

فالتکييف الذي يقوم به القاضي اذن عباره عن تطبيق القاعده الشرعيه وارسائها علي ما يثبت لديه من وقائع، وهي مساله تلقي حضورها الرحب لديه بفعل الکفاءه العلميه اذ لا بد من کونه قد علم علما مسبقا، فان للدعوي عده اوصاف، فقد تکيف علي اساس انها دعوي استرداد الحق حاله استيلاء شخص علي عقار آخر، فيرفع صاحب العقار دعوي امام القضاء ليسترد، بوساطتها، عقاره، او دعوي منع التعرض کان يکون الملک في يد حائزه وهکذا.

وفي نطاق المسائل الجزائيه يمکن ان نورد المثال بواقعه اخذ المال، فقد تکيف هذه الواقعه علي انها غضب اذا ما تم اخذه بالقوه والمجاهره، وقد تکيف سرقه اذا تم اخذه بخفه، وکان المال هذا محرزا.[4] .

ومساله التکييف هذه يمکن استظهارها في قضاء الامام علي (ع) من خلال بعض قضاياه في جزئيات المسائل التي حکم فيها، وعلي سبيل المثال نذکر حادث السکاري الاربعه الذين تباعجوا بالسکاکين ونال کل واحد منهم من الجراح مناله، اذ قضي (ع) بحبسهم حتي يفيقوا، فمات منهم في السجن اثنان، وعلي اثر ذلک جاء قوم المتوفين اليه قائلين له: اقدنا، اي احکم لنا من الاثنين الباقيين بالقصاص بدعوي انهما قتلا صاحبيهما، فاجاب قائلا: وما علمکم بذلک، فلعل کل واحد منهما قتل صاحبه! فقالوا: لا ندري فاحکم في هذه القضيه بما علمک اللّه، فقال (ع): (ديه المقتولين علي قبائل الاربعه بعد مقاصه الحيين منهما بديه جراحهما)،[5] فوقائع هذه القضيه فيها اکثر من وصف شرعي، ففيها الجراح وفيها القتل، وهذا قد يکون عمدا او بغير عمد، ولکن تعمق الامام في مجريات الحادث وظروفه اوصله الي القناعه بان التخاصم الذي حصل بين الجناه الاربعه وتباعجهم بالسکاکين لم يکن عن قصد القتل، خصوصا وان وعيهم غير سليم بسبب السکر، وانما حصلت الوفاه لاثنين منهم نتيجه النزف وشده الجراح، لهذا کيف امير المومنين الفعل الذي اسفر عنه موت الاثنين علي انه قتل خطا يوجب الديه وليس قتل عمد يوجب القود.

ومن السوابق الاخري نذکر قضيه الصبيان الذين کانوا يلعبون باخطار لهم، فرمي احدهم بخطره، فاصاب رباعيه صاحبه فرفع ذووه شکواهم الي الامام علي (ع)، وعندما اقام الرامي -المشکو منه- البينه بانه قال: حذار -اي نبه وحذر صاحبه- فادرا عنه الامام القصاص، ثم قال: قد اعذر من حذر[6] .

حيث لم يتبين للامام اي قصد جنائي خاص لدي المشکو منهم، بل حصل القتل نتيجه خطا المجني عليه بالذات لعدم اکتراثه بتحذير زميله له.[7] .









  1. محمد صالح القويزي، التکييف دراسه فقهيه قانونيه، مجله القضاء، العدد الثاني، 1966.
  2. الدکتور عبد المجيد الحکيم، مصادر الالتزام، ص 332سبق ذکره والشيخ محمد کاشف الغطاء، تحرير المجله، ج 1ص 18طبعه اولي في النجف.
  3. وقد عد هذا الحديث من الاحاديث الجامعه للاحکام الشرعيه، کما يقول ابن الاثير في المثل السائر، ج 1ص 118.
  4. لقد فصل الفقهاء، في موسوعاتهم، هذه الاحکام بشکل واف.
  5. الشيخ المفيد، الارشاد، ص 129و130.
  6. هناک روايات تشير الي ان عليا کان يقول: (عمد الصبيان خطا يحمل علي العاقله)، ينظر السيد الخوئي، مباني تکمله المنهاج، ج 2ص 66.
  7. ينظر الشيخ يحيي بن سعيد، نزهه الناظر، ص 158النجف 1976.