عرض الصلح











عرض الصلح



بعد ان يعمل القاضي جهده في فهم الدعوي ويتوصل الي حقيقه الامر فيها، عليه الا يسارع في اصدار حکمه فيها انما عليه التاکد من نوع الحق المتنازع فيه، فان کان يدخل في قائمه الحقوق التي يصح التنازل والصلح فيها فعليه حسم القضيه صلحا ما امکنه جهده ذلک، لان الصلح يزيل الاحقاد ويرفع الضغائن،[1] فالقاضي ليس کالاله الصماء انما عليه المبادره في جعل الخصم ازاء غريمه ودودا لا لدودا، اذ انه هاد للمسلمين وناصح قبل ان يکون حاکما فيهم وحکما بينهم، اذ ليس له افضل من تذکير الخصوم بقوله تعالي (لا تستو الحسنه ولا السيئه... ادفع بالتي هي احسن، فاذا الذي بينک وبينه عداوه کانه ولي حميم)، وقد جاء في سوره آل عمران قوله تعالي: (انما المومنون اخوه فاصلحوا بين اخويکم) ويقول الحق ايضا: (وان طائفتان من المومنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما) فجاءت هاتين الايتين بصيغه الامر لان الصلح، في المنظور القرآني، خير.

ولنا في سنه الرسول الکريم (ص) خير دليل علي ذلک، ونذکر علي سبيل المثال صلحه في دعوي دين بين کعب بن مالک وابن ابي حدره -کما جاء في سنن ابي داود- وما يروي عنه قوله الشريف: (ان الاعمال تعرض علي اللّه يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لکل امري لا يشرک باللّه شيئا الا امرا کانت بينه وبين اخيه شحناء فيقول: اترکوا هذين حتي يصطلحا).[2] .

ومنهج الامام علي بن ابي طالب (ع) واضح في هذا السبيل، فهناک العديد من سوابقه التي دعا فيها الخصوم الي التصالح، ونذکر منها قضيه الرجلين اللذين تخاصما بشان الدراهم الثمانيه التي وهبها لهما الضيف الذي استضافاه لمشارکتهما طعام الغداء، لاختلافهما في حصه کل منهما من ارغفه التي تناولاها معا.[3] فالصلح خير من الحکم، ويروي عن الرسول قوله انه: (ما اهدي المسلم لاخيه هديه افضل من کلمه حکمه تزيده هدي او ترد عما رده).[4] .

ولعل من الطريف ان نذکر اخيرا ان القاضي مهاجربن نوفل القرشي کان عندما يجلس للقضاء يبدا بالنصيحه والارشاد للتصالح، ثم يذکر ما يلزم القاضي من الحساب بما يجب عليه من التحري والاجتهاد وبعدها يجنح الي التطرف الظريف حيث (ياخذ في النوح حتي ينصرف عنه الخصوم وقد تعاطوا الحقوق بينهم).[5] .









  1. ذهب صاحب الجواهر، في باب القضاء، الي القول: اذا ترافع الخصمان، وکان الحکم واضحا لزمه القضاء، ولکن يستحب ترغيبهما في الصلح الذي هو خير، ولا ينافي ذلک فوريه القضاء عرفا حتي لو طلب المحکوم له بتنجيز الحکم عاجلا.
  2. ابن الاثير، المثل السائر، ج 1ص 135.
  3. في تفاصيل القضيه هذه، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 23وابن حجر في صواعقه، ص 129سبق ذکرهما.
  4. الديلمي، ارشاد القلوب، ج 1ص 13بيروت 1978.
  5. الحافظ الخشني، قضاه قرطبه، ص 3مصر 1966.