مدلول الدعوي











مدلول الدعوي



المعني اللغوي للدعوي ماخوذ من الدعاء، اذ يقول تعالي في سوره يونس، الايه: 25 (واللّه يدعو الي دار السلام) وفي سوره الانفال، الايه: 24، جاء قوله المقدس: (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول اذا دعاکم).

والدعاء ماخوذ من الفعل دعا يدعو بمعني الطلب،[1] ومنه استقي العلماء الافاضل المعني الاصطلاحي للدعوي، حيث عرفها بعضهم بانها (مطالبه شخص بحق يدعيه علي آخر) وقد يکون هذا الحق عينيا او شخصيا معنويا[2] او جنايه ماسه باحدي الضرورات الخمس،[3] وقد يستعمل الفعل (دعا) بمعني الزعم او القول المقبول الذي يوجب حقا علي الغير،[4] وهناک من عرف الدعوي بانها (اخبار عن وجوب حق للمخبر علي غيره عند حاکم ليلزمه به).[5] .

ومهما يکن من اختلاف التعابير في تعريف الدعوي الا ان مدلولها الاصطلاحي، من حيث النتيجه، واحد، اذ تعني الدعوي مطالبه شخص لاخر بحق يدعيه عليه في مجلس القضاء. واذا کانت النظريه القديمه، في فقه القانون الغربي، تري ان الدعوي ليست الا الحق متحرکا الي القضاء، وليس ثمه فرق بينهما، فان الاتجاه المعاصر يري ان الدعوي ليست هي الحق نفسه وانما هي وسيله للحصول عليه او حمايته،[6] وهذا هو عين الاتجاه الذي ذهبت اليه الشريعه الاسلاميه منذ بزوغ شمسها علي هذه الارض -کما المحنا- وبهذا تکون هذه الشريعه بفقهها المعمق اکثر اصاله ودقه وعمقا في تفريقها بين الحق والدعوي، وهو ما اخذ به التشريع الوضعي المقارن حاليا.

وکما اوضحنا لا بد من ان تکون الدعوي صحيحه لازمه، ولکي تکون کذلک يلزم ان تکون معلومه غير مجهوله او مبهمه، وان يکون ادعاء المدعي قد بني علي اليقين لا الظن او التخمين، اذ (ان الظن لا يغني عن الحق شيئا)، کما يقول جلت قدرته، کما يشترط في الدعوي خلوها من التناقض. وقد فصل الفقهاء المسلمين ما يشترط من عناصر الدعوي المتمثله في المدعي والمدعي عليه والمدعي به من شروط في موسوعاتهم الفقهيه التي يخرجنا بحثها هنا عن موضوعنا، فيمکن لمن اراد التوسع مراجعتها.

ومن خلال مراجعه سريعه للعمليه القضائيه لامير المومنين علي بن ابي طالب (ع)، لم نجد في سوابقه ما ينم علي وجوب اتباع شکل معين في رفع الدعوي او الطلب القضائي موضوع الدعوي، لان الشريعه الاسلاميه اساسا لم تعرف او تقر ايه شکليه غير منطقيه او قيود تضفي التعقيدات في اجراءات الدعوي، فالقاضي عليه ان يدور مع الحق ويتقصي الحقيقه من خلال الاجراءات التي يراها مفيده في هذا الصدد، من دون ان تاخذه لومه لائم ما دام رائده الحق، اذ عليه فور وضوحه اقراره علي نحو ملزم بطريق الحکم من دون ان تعترض سبيله ايه عثرات او قيود ومن دون اي تردد، بغيه ايصال الحق الي صاحبه باقرب وقت.

اما في مجال سير الدعوي، فقد روي العاملي في وسائله عن الامام علي (ع) ان ابن عمه خاتم النبيين (کان يدعو الخصوم الي الصلح فلا يزال بهم حتي يصطلحوا)، ويذکر ان الرسول الامين (ص) قال للامام علي (ع) يوما: (يا علي، اذا تقاضي اليک رجلان فلا تقف للاول حتي تسمع من الاخر فانک اذا فعلت ذلک تبين لک القضاء)،[7] کما روي عن الرسول قوله: (اذا اتاک احد الخصمين وقد فقئت عينه فلا تحکم له فربما اتي خصمه وقد فقئت عيناه).[8] .

ومقتضي اقوال الرسول (ص) هذه تدلنا علي وجوب ان يراعي القاضي ابتداء جانبين عندما تطرح امامه دعوي ما: الاول فهم الدعوي اما الجانب الثاني فهو عرض الصلح، وهذا ما سنبحثه في المطلبين ادناه:









  1. وقد ياتي بمعني التمني کما في قوله تعالي: (به الذي هو ترغيب فيه وزجر عن ترکه رغم ان کلاهما طلب، ولهم ما يدعون) والدعاء الي الفعل يختلف عن الامر للتوسع راجع الطوسي، التبيان، المجلد الخامس، ص 100و 343و 364والمجلد الثامن ص 429طبعه عام 1965.
  2. راجع بحثنا، التکييف القانوني لحق المولف، مجله القضاء، العددان الثالث والرابع، عام 1988.
  3. وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض او النسل، ينظر بشانها مثلا الامام محمدفبن مکي، القواعد والفوائد، ج 1ص 226النجف 1980.
  4. الدکتور محيي هلال السرحان في رسالته للدکتوراه المنوه عنها سابقا، ج 1ص 152.
  5. الدکتور آدم وهيب النداوي في رسالته للدکتوراه المنوه عنها سابقا ص 35وما بعدها.
  6. سناء شريف خطاب، الوجيز في شرح قانون المرافعات، ص 65.
  7. من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 7طبعه 1390ه، سبق ذکره.
  8. المثل السائر، ج 1ص 135سبق ذکره.