الاعتدال النفسي والعضوي











الاعتدال النفسي والعضوي



المراد بالاعتدال النفسي للقاضي هو ان تکون نفسيته مرتاحه ومعتدله او طبيعيه اثناء المرافعه، بحيث لا يعکر صفوها غضب، وقد المحنا الي ان الرسول الکريم قد منع القضاء عند الغضب، کما ان الامام علي اوصي شريح بالامر نفسه، واضاف قائلا: (لا تعقد في مجلس القضاء حتي تطعم)، کما جاء في الوسائل.

والذي نستنبطه، من سنه الرسول الکريم، وسيره ابن عمه الامام القضائيه، هو وجوب ابتعاد القاضي عن کل ما يثير فيه الانفعالات النفسيه من غضب او جوع او فرح الخ...، والا فعليه ترک مجلس القضاء وتاجيل المرافعه لان من شان تلک الانفعالات التي تودي به الي الهياج النفسي التاثير علي متطلبات العداله والمساس بقراره لجهه انحرافه عن مساره المعتدل.

والمعلوم ان مقومات النفس البشريه المعتدله تعتمد الاطمئنان والثقه وسيطره عوامل الخير والرضي علي عوامل الشر والانهيار، ذلک لان النفس البشريه هي واحده عند العلماء، ولکن الصور التي تظهر في سلوکها متعدده، وتضم جوانب مختلفه. وقد ذهب بعضهم الي ان علاماتها سبق ذکرهما الاماره واللوامه والملهمه والمطمئنه والراضيه والمرضيه والکامله.[1] فکلما کانت علامات الخير فيها غالبه کان صاحبها اکثر اعتدالا واصح.

اما الاعتدال العضوي فهو اعتدال في اعضاء الجسم وحواسه، اذ لا يصح للقاضي القضاء في وقت يکون فيه مريضا يتالم. ولعل في مقدمه الاعتدال النفسي والعضوي للقاضي هو ان يتخذ قراره بالسرعه البديهيه او الوقت المناسب، فقد سئل الامام علي (ع) ذات مره عن العباده التي تستحق العقوبه، في حالتي الترک والفعل معا، فکان جوابه الدقيق الذي ينم علي سرعه بديهه وثقه عاليه هو: انها صلاه السکران،[2] فالصلاه لا يجوز ترکها ولکن اتيانها في موعدها من قبل السکران لا يجوز ايضا. ومن السوابق الاخري نذکر حادثه الرجل الذي اشتکي من آخر امام الامام علي (ع)، مدعيا ان خصمه هذا قد افتري عليه بقوله انه احتلم بامه فکان جوابه الذي اتسم بفوريه المعالجه لمثل هذه الشکوي القلقه -من دون الخوض في کنهها وما اذا کانت تدخل في باب المخادعات القوليه- قوله: (ان شئت اقمته لک في الشمس فاجلد ظله فان الحلم مثل الظل)، واضاف: (ولکنا سنضربه حتي لا يعود يوذي المسلمين)[3] وهذا ينم علي ان المشتکي کان من البسطاء السذج، وکان مثار مزاح المشکو منه المتسبب بايذائه بمثل هذا النوع من المزاح، لهذا عزره الامام وحسم القضيه بهذا الحکم السليم.

ومن دلائل السرعه في الحسم والصحه، او الاعتدال النفسي بابهي صوره، نذکر محاولته الستر لذات البين وعدم توسيع الشقه بينهم، ففي قضيه الامراه التي جاءت اليه (ع) مدعيه ان زوجها ياتي جاريتها، کان جوابه لها: ان کنت صادقه رجمناه، وان کنت کاذبه جلدناک، فلم يکن منها سوي القول: ردوني الي اهلي.[4] .

ومن قضائه الطريف نذکر، في هذا المجال، قضيه الرجل الذي ابصر طائرا فتبعه حتي سقط علي شجره، فجاء آخر فاخذه فقضي (ع) ان للعين ما رات ولليد ما اخذت.[5] .









  1. للتوسع، راجع: النراقي، جامع السعادات، والغزالي في احياء علوم الدين، سبق ذکرهما.
  2. التستري، قضاء امير المومنين، ص 105.
  3. المصدر نفسه، ص 303.
  4. المصدر نفسه، ص 189.
  5. من لا يحضره الفقيه، ص 65ج 3وعنه انتقي التستري القضيه، ص 57.