الصرامه عند اتضاح الحق











الصرامه عند اتضاح الحق



واخيرا، لا بد من اضافه لما يقتضي ان يکون عليه القاضي من فطنه وحلم وصبر ان يکون صاحب راي صارم بالحق وقول فاصل ثابت: (واصرمهم عند اتضاح الحکم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء) فالصرامه في الراي مظهر لقوه الشخصيه واستقلاليتها، لذا علي القاضي ان يوازن في الادله بروح محايده[1] کي يصدر قراره الحاسم الصارم بکل دقه وقناعه. والحياديه هنا لا تعني وقوفه کالاله الصماء امام الخصوم انما عليه موازره الحق والميل نحوه حيثما مال، وقد جاء في وصيه الامام علي لولديه الحسنين قوله: (وقولا بالحق واعملا للاجر وکونوا للظالمين خصما وللمظلوم عونا).[2] .

ولعل من المناسب، اخيرا، الاشاره الي قول الامام علي في (ان بين الحق والباطل اربعه اصابع). وعندما سئل عن معني ذلک وضع اصابعه بين اذنه وعينه[3] فقلما ينطوي السماع علي دقه في القول او مصداقيه کتلک التي في العين، فالعين لا تکذب قطعا.

وليس من شک في ان عباره (اصبرهم علي تکشف الامور) متداخله مع العباره التي تليها وهي (واصرمهم عند اتضاح الحکم) الوارده في عهد الامام المذکور ومترابطه معها ايضا من حيث المعني، ولا عجب في ذلک ما دام قائلها هو ابلغ البلغاء وافصحهم، فالصرامه في قول الحق بعد کشف مواقعه دليل علي کفاءه القاضي وقوه شخصيته التي لا تتاثر باي ترغيب او ترهيب، وان ثباته علي هذه الروحيه النقيه وصلابه موقفه ليس الا خصيصه طبيعيه للقاضي الملتزم الذي لا تهمه او تهزه المفاجات ولا يوثر فيه حسد الحاسدين، وقد قال الرسول الکريم: (لا حسد الا في اثنين: رجل اتاه اللّه مالا فسلط علي هلکته الحق، ورجل اتاه اللّه الحکمه فهو يقضي بها ويعمل بها)،[4] فغدا بصلابته هذه متحسسا بان ابتلاءه بالقضاء يعني تحمله وزره علي ثقله، الا وهو التنقيب عن الحق بکل ما اوتي من قوه وجهد وصبر وتجسيد العداله من اوسع ابوابها، وقليل من يوفق الي ادائها الاداء المطلوب او المامول.[5] .









  1. العلامه الحلي، تبصره المتعلمين، ص 11طبعه 1353ه.
  2. محمد عبده، شرح النهج، ج 3ص 76.
  3. ابن ابي الحديد في شرح النهج، المجلد الثالث، ص 177بيروت، 1983.
  4. دليل القضاء الشرعي، ج 1ص 12.
  5. اشار الخطيب البغدادي، في تاريخه، عند ذکر من ولي القضاء ببغداد بعد ابي بشر عمرفبن اکثم قائلا: (کان الصاحب بن عباد يقول: کنت اشتهي ان ازور بغداد لاشهد جراه محمدفبن عمر العلوي وتنسک ابي محمد الموسوي).