رحابه الصدر











رحابه الصدر



علي القاضي، اثناء المرافعه، ان يکون رحب الصدر بحيث (لا تضيق به الامور) عند تنوع الخصومات وتضارب اوجه القول فيها وتعدد موضوعاتها التي ربما لا يعثر بشانها علي نص في المصادر الاساسيه من کتاب او سنه، اذ هنا عليه ولوج باب الاجتهاد بکل انفتاح ورحابه ومن دون اي تردد. وعليه، في الوقت نفسه، ان لا ينهر الخصوم، او يزجرهم بحجه کثره دعاويهم او غموضها، لانه بنهره لهم وزجره اياهم يکون قد استنکف عن احقاق الحق، وفي هذا تعسف عليه الابتعاد عنه ما دام هو مرجع الفصل في خصومات الناس ومکلف بوزرها.

ومساله عدم وجود النص لا يصح للقاضي ان يقف منها موقف الصامت الحائر، انما عليه التعامل معها وفقا لقاعده: (لا تخلو الواقعه من حکم)[1] اذ عليه هنا انتهاج طريقه الاصوليين الذين يمارسون التفريع الفقهي في اوسع نطاقه[2] ما دامت الدعوي لديه معلومه وواضحه وصحيحه، فاستنباط الاحکام النظريه لا بد من ان يتم من ظواهر الکتاب الذي فيه تبيان کل شي ء، والسنه او من بواطنهما.[3] وقد خطب الامام علي ذات يوم فقال: (ان اللّه حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسکت عن اشياء لم يسکت عنها نسيانا فلا تکلفوها رحمه من اللّه بکم فاقبلوها). ثم اضاف:

(حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلک فمن ترک ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له.. والمعاصي حمي اللّه فمن يرتع حولهن يوشک ان يدخلها)، کما جاء في الوسائل.[4] .

فبهذه الروحيه الرحبه، وبهذه الذهنيه المتقده، يستطيع القاضي ان يجد الحکم المناسب، اما التبرم بالخصوم بحجه زخم مراجعيه او عويصات مشاکلهم، وبالتالي طردهم او افحامهم او مجادلتهم بما هو خارج عن مقتضيات کشف الحقيقه، فذلک امر مخل بواجبات وظيفته، اذ لا بد له من سعه البال کما عليه تجنب التلقين[5] الذي من شانه حتما الاضرار بطرف من اطراف الدعوي، فيکون قد رکب الشطط وغفل عن قوله تعالي: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو کره المجرمون)،[6] وقد علل امير المومنين (ع) بان مرجع الغفله عموما هو الهوي،[7] لذلک امر رضوان اللّه عليه قائلا: (جاهدوا اهواءکم کما تجاهدون اعداءکم).[8] .

فرحابه الصدر والانفتاح للخصوم والسماح لهم بتقديم ما يودون عرضه في المرافعه، کشفا للحقيقه، يعزز فيهم الثقه بعداله القضاء ويبعد عنهم الياس، وقد قال عز جلاله: (ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض) وفي آيه اخري: (يا داود انا جعلناک خليفه في الارض فاحکم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي) فجاءت هذه الايه بصيغه الامر حيث لا يصح الحکم بالهوي لانه بعيد عن الحق واحقاقه وقد قال تعالي ايضا: (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم) ما داموا بعيدين عن الهوي (الا ان اولياء اللّه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) کما جاء في سوره يونس.

فالتحلي بالصبر وانفتاح الصدر يقرب صاحبه الي نور الحق ويبعده عن الهوي والخوف والضلاله، ويروي عن الرسول (ص) قوله: (الدنيا حلوه خضره، وان اللّه مستخلفکم فيها فينظر کيف تعملون).[9] .









  1. بتفضيل اکثر يمکن الرجوع الي بحثنا (فن القضاء في الاسلام)، سالف الذکر.
  2. الدکتور حسن عيسي الحکيم، الشيخ الطوسي، رساله ماجستير، ص 319النجف، 1975.
  3. وهذا ما يذکرنا باهميه الکفاءه العلميه للقاضي ووجوب تفقهه في الدين وتعمقه في الشريعه.
  4. ويروي عن الرسول (ص) قوله: (حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلک فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلک من حيث لا يعلم)، فرائد الاصول، ص 173.
  5. جواهر الکلام، باب القضاء، وظائف الحاکم بمجلس قضائه، مصدر سبق ذکره.
  6. سوره الانفال، آيه: 9.
  7. ابن ابي الربيع، سلوک المالک، ص 123بغداد، تحقيق الدکتور ناجي التکريتي.
  8. ابن ابي الحديد، شرح النهج، المجلد الخامس، ص 945طبعه،1983بيروت.
  9. سلوک المالک، ص 123مصدر سبق ذکره.