المساواه بين الخصوم











المساواه بين الخصوم



ذکر الفقهاء، في باب آداب القضاء، ان علي القاضي ان يسوي بين الخصوم في مجلس قضائه، وذلک استنادا الي قول الرسول الکريم الذي جاء فيه: (من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليسو بينهم في المجلس والاشاره والنظر ولا يرفع صوته علي احد الخصمين)،[1] وقد استلهم الامام امير المومنين علي (ع) هذا المعني وطبقه نظريا وعمليا، واکده في وصيته لشريح،[2] فالقاضي عليه الالتزام بمبدا المساواه بين الخصوم اثناء المرافعه، تحقيقا لمبدا العداله، اذ لا تلقي العداله القضائيه حضورا في مجلس القضاء الا اذا نظر الي الخصوم بالدرجه نفسها في الرويه والمحاکمه والمناقشه، من دون ميل لهذا او ذاک، انما يقتضي الموازنه بين الطرفين المتخاصمين بکل حياد وترو.

واذا کان مفهوم الحياد لا يحتاج الي توضيح، اذ علي القاضي ان لا يتحيز الي اي طرف دون الاخر انما عليه ان يناقش الادله والدفوع المقدمه اليه وصولا الي الحقيقه لا غير، ومن مستلزمات الحياد ان يعلل حکمه في القضيه مستندا فيه الي موضوعيه الاثبات والقناعه، فان مفهوم التروي ينصرف الي وجوب الاستماع الي اقوال اطراف الدعوي، ابتداء بالمشتکي وانتهاء بالمشکو منه بکل تان واتزان، وان يستحضر رجل القضاء دائما في ذهنه ما جاء في وصيه الرسول لابن عمه علي (ع) من انه (اذا جلس بين يديک خصمان فلا تقض بينهما حتي تسمع من الاخر مثل ما سمعت منه فانک ان فعلت ذلک تبين لک القضاء).[3] .

فالمساواه بين الخصوم في المرافعه، انطلاقا من مبدا العداله،[4] شرط لازم للقاضي لغرس الثقه بين المتخاصمين في کونهم امام قاض ملتزم بالحق ونصير للعدل، وقد جسد الامام علي (ع) هذا المبدا حتي مع نفسه، کما يستفاد من الروايه التي تشير الي تغير وجهه الشريف عندما خاطبه الخليفه عمربن الخطاب، في قضيه کيديه مثاره ضده، بعباره: قم يا ابا الحسن واجلس مع خصمک، اذ خاطبه بکنيته في مجلس القضاء بدلا عن اسمه[5] وهذا فيه ما يدل علي عدم تسويته مع خصمه فتامل!

هکذا کان منهج الامام علي حتي مع نفسه باستثناء حادثه مقاضاته مع اليهودي عند القاضي شريح بن الحارث -ان صحت الروايه- عندما کان في الکوفه حيث لم يستو مع خصمه في مجلس قضاء شريح، وذلک اهتداء بحديث الرسول الامين الذي قال بخصوص اليهود: (اصغروهم حيث اصغرهم اللّه)[6] .

فالامام حسب هذه الروايه- کان قد فقد درعه ووجده عند اليهودي المذکور، فخاصمه في مجلس شريح، وکان الاخير ان قضي بالدرع لليهودي بعد ان سال الامام عن بينته، فضحک امير المومنين وقال: مالي بينه، الا ان الکتابي المذکور لم يخط خطوات حتي عاد وهو يشهد بالشهادتين بعد ان قال: اما انا فاشهد واعترف بان الدرع هو درع امير المومنين علي بن ابي طالب.[7] .









  1. راجع العاملي في وسائله، باب القضاء، سالف الذکر، وابن ابي الحديد، ج 1ص 24والزيلعي في نصب الرايه، والجواهري في جواهره، واضرابهم.
  2. ورد نصها في الفقره الرابعه من الباب التمهيدي لهذا الکتاب.
  3. سبط ابن الجوزي، تذکره الخواص، ص 44طبعه،64والماوردي في الاحکام السلطانيه، ص 67.
  4. ذهب المحقق النراقي الي القول بان العداله جامعه لکل الفضائل، لا بل انه يري انها تشکل کمالا لقوي الانسان العقليه النظريه والعمليه، راجع: کتابه جامع السعادات، ج 1ص 73تحقيق العلامه السيد محمد کلانتر، الطبعه الرابعه، دار النعمان، النجف.
  5. الخوارزمي، المناقب، ص 52النجف، 1965.
  6. السيوط ي، تاريخ الخلفاء، ص 184سبق ذکره.
  7. الدکتوره سعاد ماهر، مشهد الامام، ص 28وابن حجر في صواعقه، ص 130سبق ذکرهما.