سوره نور











سوره نور



(وفيها تسع آيات)

1 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِکُمْ / 27.

2 ـ اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکَاةٍ (إلي) وَاللهُ بِکُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ / 35.

3و4 ـ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ (إلي) الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ / 36 ـ 37.

5 ـ وَإِذَا دُعُوا إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْکُمَ / 48.

6 ـ إِنَّمَا کَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ / 51.

7 ـ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ / 52.

8 ـ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ / 55.

9 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِينَ مَلَکَتْ / 58.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِکُمْ»

النور/ 27

أخرج ابن أبي حاتم، محمد بن إدريس الحنظلي، المعروف بـ (حافظ المشرق) في کتابه (الجرح والتعديل)، بسنده عن عکرمة، عن ابن عباس، قال: ما نزلت آية فيها «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله عزّ وجلّ أصحاب محمد ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ في غير آية من القرآن وما ذکر علياً إلاّ بخير[1] .

(أقول): لا مانع من ورود النهي في آية، يکون علي (عليه السلام) رأس المؤمنين فيها وأميرهم وشريفهم، لعدم توجه النهي إلي مثله (أولاً)، وعدم الإشکال في توجهه إليه (ثانياً)، نظير توجه النهي في غير آية إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) کما ذکرنا ذلک غير مرة.

«اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَکادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمتَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِکُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»

النور/ 35

روي في کتاب (المناقب)، لابن المغازلي (الشافعي)، يرفعه إلي علي بن جعفر (وهو من أهل البيت)، قال: سألت أبا الحسن (يعني) أخاه موسي بن جعفر، عن قول الله عزّ وجلّ: «کَمِشْکاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ» (الآية).

قال: المشکاة فاطمة، والمصباح الحسن والحسين. و.

«الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّيٌّ» قال: کانت فاطمة کوکباً درياً بين نساء العالمين.

«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ» إبراهيم (عليه السلام).

«لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» لا يهودية ولا نصرانية..

«يَکادُ زَيْتُها يُضِي ءُ» قال: کاد العلم ينطق بالحق «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلي نُورٍ» قال: منها إمام بعد إمام «يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» ويهدي لولايتنا من يشاء[2] وممّن رواه أيضاً، علاّمة الشوافع، أبو بکر شهاب الدين الحضرمي، (الشافعي)، في رشفته[3] .

(أقول): قوله (عليه السلام): (يهدي لولايتنا من يشاء) يعني لولاية علي والأئمّة من ولده، إذ: جزء الولاية هو ولاية علي، بل هو الجزء الرئيسي والأهم، الذي به تقبل الطاعات، وبدونه ترد الأعمال ـ کما دلّت روايات کثيرة.

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْکَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّکاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصارُ»

النّور/ 36 ـ 37

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (قال): حدثني أبو الحسن الصيدلاني، وأبو القاسم بن أبي الوفاء العدناني (بإسنادهما المذکور) عن أنس بن مالک، وعن بريدة (قالا):

قرأ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية:

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ ـ والأبصار».

فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أيّ بيوت هذه؟

قال: بيوت الأنبياء.

فقام إليه أبو بکر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة ـ قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

نعم من أفاضلهما[4] .

(أقول): کون بيت علي وفاطمة من أفاضلها، مع قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) قبل ذلک (بيوت الأنبياء) ولا شکّ أنّ علياً وفاطمة ليسا من الأنبياء، يتصور علي وجهين:

(أحدهما): کون بيت علي وفاطمة هو بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، کما أنّ أهل بيت رسول الله هم علي وفاطمة وأبناؤهما، وکما أنّ أولاد علي وفاطمة أولاد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

(ثانيهما): باعتبار کون علي وفاطمة هما أفضل من جميع الأنبياء ـ باستثناء نبي الإسلام ـ ولذا کان لهما من الشرف والفضيلة ما للأنبياء وزيادة.

والکل محتمل.

وروي العلاّمة البحراني عن تفسير مجاهد، وأبي يوسف يعقوب بن سفيان، عن ابن عباس أنّه قال: إنّ دحية الکبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة فنزل عند أحجار الزيت، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه، فنفر الناس إليه، (وانفضوا من حول النبي) إلاّ علياً، والحسن، والحسين وفاطمة، وسلمان، وأبا ذر، والمقداد، وصهيب، وترکوا النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) قائماً يخطب علي المنبر.

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم): لقد نظر الله إلي مسجدي يوم الجمعة، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي، لأُضرمت المدينة علي أهلها ناراً، وحصبوا بالحجارة کقوم لوط.

ونزل فيهم (أي: في الثمانية):

«رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ»[5] .

وأخرج العلاّمة الطبرسي في تفسيره عن (المقاتلين): أنّ ذلک کان قبل أن يسلم دحية الکلبي.

قال أيضاً: وقيل: إنهم فعلوا ذلک ثلاث مرات، في کل يوم مرة لعير تقدم من الشام، وکل ذلک يوافق يوم الجمعة ـ عن قتادة ومقاتل[6] .

«وَإِذا دُعُوا إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْکُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ»

النور/ 48

روي العلاّمة (النيسابوري) في تفسيره بإسناده عن الضحاک في قوله تعالي:

«وَإِذا دُعُوا إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْکُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ» أنّه قال: نزلت هذه الآية في المغيرة بن وائل، کان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما[7] .

(أقول): يعني: أنّ علي بن أبي طالب هو الداعي إلي الله ورسوله، وأنّ المغيرة بن وائل هو الفريق المُعرض.

«إِنَّما کانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْکُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

النور/ 51.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (قال) حدثنا أبو بکر الحافظ بقراءته علينا من أصله (بإسناده المذکور) عن علي بن أبي طالب، قال: قال لي سلمان:

قلّما اطلعت علي رسول الله ـ يا أبا الحسن ـ وأنا معه إلاّ ضرب بين کتفي وقال:

(يا سلمان، هذا وحزبه المفلحون)[8] .

(أقول): ذکر علماء الأدب وعلماء البلاغة أنّ تعريف الجزء بـ (أل) يفيد الحصر، مثلاً إذا قلت (هذا العالم) کان معناه: هذا وحده هو العالم، وليس عالم غيره.

وحديث النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) هکذا: هذا وحزبه المفلحون، يعني الفلاح في المسلمين منحصر في علي وشيعته، ووجود نفس هذا الحصر في هذه الآية الکريمة، تعطي توارد الحصر بني علي مورد واحد.

«وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ»

النور/ 52.

روي الحافظ الحسکاني عن تفسير فرات بن إبراهيم الکوفي (بإسناده المذکور) عن ابن عباس في قوله الله تعالي:

«وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ ـ فيما بقي ـ فَأُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ».

(قال): أنزلت في علي بن أبي طالب[9] .

(أقول): کلمة (فيما بقي) ليس من القرآن، وإنّما هو من المعني والتفسير، ولذا وضعناها بين خطين عرضيين.

«وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِکُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ»

النور/ 55

روي العلاّمة البحراني عن تفسير (أبي عبيدة) و (علي بن حرب الطائي) (قالا): قال عبد الله بن مسعود:

الخلفاء أربعة: 1) آدم (لقوله تعالي): «إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً»[10] .

2) وداود (لقوله تعالي): «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ»[11] يعني: بيت المقدس[12] .

3) وهارون (لقوله تعالي نقلاً عن موسي لأخيه هارون): «وَقالَ مُوسي لأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي»[13] .

4) وعلي: (لقوله تعالي): «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» يعني: علي بن أبي طالب.

«لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»[14] .

(يعني): آدم، وداود، وهارون.

«وَلَيُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ».

يعني: الإسلام.

«يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِکُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ» بولاية علي بن أبي طالب «فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ».

يعني: العاصين لله ورسوله[15] .

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِينَ مَلَکَتْ أَيْمانُکُمْ».

النور/ 58

أخرج علاّمة الشافعية، محمد بن أحمد بن عثمان، المعروف بـ (الذهبي) في ميزانه بسنده عن علي بن بزيمة، عن عکرمة، عن ابن عباس قال:

(ما نزلت آية فيها «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها وشريفها)[16] .









  1. الجرح والتعديل/ ج3/ القسم الأول/ ص275.
  2. مناقب علي بن أبي طالب/ ص317.
  3. رشفة الصادي/ ص29.
  4. شواهد التنزيل/ ج1/ ص410.
  5. غاية المرام/ ص412.
  6. مجمع البيان/ ج5/ ص287.
  7. تفسير النيسابوري/ سورة النور.
  8. شواهد التنزيل/ ج1/ ص70.
  9. شواهد التنزيل/ ج1/ ص411.
  10. سورة البقرة/ آية (30).
  11. سورة ص/26.
  12. يعني: المقصود من الکلمة (في الأرض) هو بيت المقدس لا کل الأرض، لأنّ داود لم يبعث إلي کل الأرض، وإنما بعث لبيت المقدس وأطرافها فحسب حيث مسکن اليهود.
  13. سورة الأعراف/142.
  14. سورة النور/55.
  15. غاية المرام/ ص376.
  16. ميزان الاعتدال/ ج3/ ص311.