سوره تحريم











سوره تحريم



(وفيها ثلاث آيات)

1 ـ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ / 4.

2 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِيکُمْ نَاراً / 6.

3 ـ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ / 8.

«وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِکَةُ بَعْدَ ذلِکَ ظَهِيرٌ»

التحريم/ 4

روي جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بکر السّيوطي (الشافعي) في تفسيره قال: وأخرج ابن مردويه، عن أسماء بنت عميس: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) يقول (في قوله تعالي):

«وصالح المؤمنين».

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): علي بن أبي طالب[1] .

وروي هو أيضاً عن ابن عساکر، عن ابن عباس في قوله (تعالي):

«وصالح المؤمنين».

قال: هو علي بن أبي طالب[2] .

وأخرج الثعلبي النيسابوري في تفسيره (الکشف والبيان) المخطوط بسنده المذکور عن أسماء بنت عميس قالت:

سمعت النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) يقول: «وصالح المؤمنين» علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)[3] .

(أقول): قوله تعالي: «وإن تظاهرا عليه» أي تتظاهران بالعداوة ضد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، والمقصود من ضمير المثني اثنتان من زوجات الرسول (صلي الله عليه وآله وسلّم) تعاقدتا للقيام ضد رسول الله في قصة (المغافر) المذکور في التفاسير، وهما عائشة وحفصة.

وأخرج مفتي العراقين أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن محمد القرشي الکنجي (الشافعي) في کفاية الطالب عن ابن عباس قال في قوله تعالي:

«وصالح المؤمنين».

سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) يقول:

صالح المؤمنين علي بن أبي طالب[4] .

وأخرج هذا المعني بتعبيرات مختلفة في بعض ألفاظها، الکثير من أئمّة الحديث، والحفّاظ، والمؤرخين والمفسّرين في کتبهم.

(منهم): المتقي الهندي الحنفي في کنز العمال[5] .

(ومنهم): ابن حجر الشافعي في صواعقه[6] وکذلک الهيثمي في مجمع الزوائد[7] .

(ومنهم): ابن حجر الشافعي العسقلاني في شرحه علي صحيح البخاري[8] .

(ومنهم): الحافظ أبو الحسن بن المغازلي في مناقب علي بن أبي طالب[9] .

(ومنهم): الحافظ ابن کثير الدمشقي في تفسيره، وکلاهما روي ذلک بسندهما عن ليث عن مجاهد[10] .

(ومنهم): العلاّمة الأندلسي أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط)[11] .

وآخرون کثيرون...

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَأَهْلِيکُمْ ناراً...»

التحريم/ 6

أخرج المفسّر (الشافعي) جلال الدين بن أبي بکر السّيوطي في تفسيره بإسناده المذکور عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(وما أنزل الله آية فيها (يا أيها الذين أمنوا) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها)[12] .

(أقول): لتوضيح أنّ ما ورد في القرآن مکرراً بالألفاظ فليس مکرراً بالمعني نورد الحقيقة التالية الجديرة بالتأمل والتدقيق، کشاهد لذکر الآيات المتکررة في فضل علي (عليه الصلاة والسلام):

يقول المؤلفون عن (علوم القرآن):

التکرار اللفظي، موجود في القرآن.

أمّا التکرار الحقيقي ـ والمعنوي فلا يوجد في القرآن.

(وذلک)؛ لأنّ المقصود من کل کلمة (تکرر لفظها) في القرآن غير نفس تلک الکلمة في مکان آخر.

فإذا کُرّرت لفظة في القرآن مرتين، فاللفظ واحد، لکنّ المعني والمقصود اثنان.

وإنْ کُرّرت لفظة أو آية في القرآن خمس مرات، فاللفظ واحد، لکنّ المعاني والمقاصد خمسة.

وهکذا داوليک.

ويسمّون ذلک بعلم الأحکام والتفصيل[13] .

ولا بأس لبيان ذلک من نقل کلمات عن کتب کُتبت بهذا الصدد، لبيان هذا الموضوع المهم.

نصوص العلماء:

قال الأستاذ العفيفي المعاصر في کتابه (القرآن القول الفصل) ـ بصدد هذا المعني وهو عدم التکرار المعنوي في القرآن، وإنّما التکرار لفظي فقط:

(فإذا تعدّدت المواضع في القرآن کله بآية، أو جملة أصغر من آية، أو کلمة، أو حرف[14] کان کلٌّ من ذلک ثابتاً في نصه بلا تبديل، وإنّما لکلّ مفردة منه عمل جديد، بکلّ موضع جديد، حتي إذا احتاج أيُّ إنسان منّا بأيّ زمان أو مکان إلي النظر فيما تصلنا به کل مفردة من هذه المفردات في سياقها من أي موضع، وجدنا لها حساباً، فيه تعميم إلهي معجز، من حيث تقدير جملة مواضع کل مفردة، ومن حيث جملة ما تربطنا به من المقاصد.

کما أنّ في هذا الحساب تخصيصاً معجزاً من حيث ربط کل مفردة في سياقها من کل موضع نحتاج إليها به، بالمقصد المتفرد الذي يعمل معه الفارق بينه وبين أي مقصد آخر نحتاج إليه في القرآن کله، فننظر بکل موضع لکل مفردة، تتفق مع نوع حاجتنا إلي القرآن کأنْ ننظر بمواضع کلمة (الغيب) لنعرف المقاصد القرآنية المرتبطة بالغيب!

وهکذا يکون الأمر مع کل حرف، أو کلمة، أو جملة نحتاج إليها في القرآن کلّه، فنحصل علي مقاصدها القرآنية، التي لا مثيل لها في کلام البشر.

وهذا من أعظم الحدود الفاصلة بين کلام الخالق وکلام المخلوقين، إذ البشر عاجزون عن (التعميم)، حتي يستطيعوا تثبيت القدر المطلوب من الکلام، بلا زيادة ولا نقصان.

(کما أنّهم عاجزون عن تخصيص عدد مواضع أي مفردة من مفردات کلامهم کلّه أو بعضه، علي نحو ثابت لا زيادة فيه ولا نقصان فضلاً عن عجزهم عن تقدير جملة المقاصد التي يحتاجون إليها في کلامهم أو علمهم بذلک[15] .

وقال الخطيب الإسکافي في کتابه (درّة التنزيل وغرّة التأويل) في بيان مثل لاختصاص کل مفردة قرآنية بجديد من العلم وجديد من المعني:

(إنّ قوله تعالي في سورة النبأ: «کَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ کَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» 4 ـ 5 النبأ ـ يدلّ علي اختصاص الآية الرابعة من سورة النبأ بالعلم في الدنيا، ثم اختصاص الآية الخامسة من هذه السورة بالعلم في الآخرة، فهو إذاً ليس بتکرار، ولم يرد بالثاني ما أراد بالأول...)[16] .

وقال تاج القراء الکرماني في کتابه (أسرار التکرار في القرآن) في مقام إعطاء مثل آخر لعدم التکرار المعنوي في القرآن، ما مؤدّاه:

(إنّ قوله تعالي في سورة الفاتحة (عليهم) في موضعين بهذه الآية «صراط الذين أنعمت (عليهم) غير المغضوب (عليهم) ولا الضالين» لا تکرار فيه، لأنّ المراد بالأول الارتباط بمعني الأنعام، أمّا المراد بالثاني فهو الارتباط بمعني الغضب[17] .

وقال العلاّمة الزرکشي في کتابه (البيان في علوم القرآن) بصدد توضيح للاصطلاح المعروف (أحکام القرآن وتفصيله) ومعناه:

(إنّ أحکام القرآن وتفصيله) هو العلم الذي يضمن لنا أنّنا کلّما احتجنا إلي أي مفردة قرآنية، وجدناها بأي موضع من مواضعها کالحرف الواحد في الکلمة التي تجمع حروفها جميعاً في جملتها، فإذا کل حرف بموضعه الخاص، به تفصيلاً وإذاً الحروف جميعاً تامة الارتباط بها کلّها إجمالاً، وليس کذلک کلام البشر: الذي نري کيف أننا لا نعلم له جملة، کما نقل مثل ذلک عن القاضي أبي بکر بن العربي، حيث يقول:

(إنّ ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتي تکون کالکلمة الواحدة، علم عظيم فتح الله لنا فيه، فلمّا لم نجد له حملة، ووجدنا الخلق بأوصاف المبطلة، ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله، ورددنا إليه)[18] .

وقال الإمام أبو حامد الغزالي في کتابه المعروف (إحياء علوم الدين) لبيان تعميم هذا المصطلح:

(يقول بعض العارفين[19] : إنّ القرآن يحوي سبعمائة وسبعين ألف علم ومائتي علم؛ إذ کل کلمة علم)[20] .

وقال ابن القيم، أبو عبد الله، محمد بن أبي بکر في کتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) نقلاً عن بعض الصحابة.

(حيث سُئل عن (الکلالة)، فتوقف عن إبداء رأيه في ذلک، حتي رجع إلي کلمة (کلالة)، وکلمة (الکلالة)، ليجدهما في موضعين قرآنيين)[21] .

(أولهما): بقوله تعالي:

«وَإِنْ کانَ رَجُلٌ يُورَثُ (کَلالَةً) أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِکُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ کانُوا أَکْثَرَ مِنْ ذلِکَ فَهُمْ شُرَکاءُ فِي الثُّلُثِ» النساء ـ 12.

(وثانيهما): قوله تعالي:

«يَسْتَفْتُونَکَ قُلِ اللهُ يُفْتِيکُمْ فِي (الْکَلالَةِ) إِنِ امْرُؤٌ هَلَکَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَکَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَکُنْ لَها وَلَدٌ» النساء/ 176[22] .

ثم قال العفيفي تعقيباً علي ذلک.

فها نحن نري أنّ النظر في کل موضع من الموضعين المخصصين لکلمة (الکلالة) وکلمة (کلالة) قد وصلنا بمقصد جديد، من مقاصد القرآن، وهذا هو الشأن دائماً في ارتباط أي قارئ للقرآن بأي قول قرآني ينظر إليه بسياقه من موضعه الذي يجده به[23] .

وقال القاضي أبو بکر (الباقلاني) في کتابه (إعجاز القرآن) بعد تفصيل من نقل أقوال الأشاعرة والمعتزلة في المسائل المرتبطة بهذا الموضوع من قريب وبعيد، ومسألة خلق القرآن بالذات، إلي أنْ قال رأيه الأخير بذلک ـ:

(لقد علمنا أنّ الله تحدّي المعارضين بالسور کلّها ولم يخص، فعلم أنّ جميع ذلک معجز)[24] .

وذلک: لأنّ الکلمات المکررة لفظاً، هي ذات معانٍ جديدة بعدد تکرارها.

وقال السيد رشيد الرضا في کتابه (الوحي المحمدي):

(لو أنّ عقائد الإسلام المُنزلة في القرآن من الإيمان بالله، وصفاته، وملائکته، وکتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما فيه من الحساب، والجزاء، ودار الثواب، ودار العقاب، جمعت مرتبة في ثلاث سور، أو أربع أو خمس ـ مثلاً ـ لکتب العقائد المدونة:

ولو أنّ عبادته من الطهارة، والصلاة، والزکاة، والصيام، والحج، والدعاء والأذکار، وضع کل منها في بضع سور أيضاً مبوّبة ذات فصول لکتب (الفقه) المصنفة.

ـ إلي أنْ قال ـ:

ولو أنّ قواعده التشريعية وأحکامه الشخصية، والسياسية، والحربية، والمالية، والمدنية، وحدوده وعقوباته التأديبية، رُتبت في عدّة سور خاصة بها کأسفار (القوانين الوضعية).

ثم لو أنّ قصص النبيين والمرسلين، وما فيها من العبر والمواعظ والسنن الإلهية، سردت في سورها مرتبة (کدواوين التاريخ).

لو أنّ کلّ مقاصد القرآن التي أراد الله بها إصلاح شؤون البشر، جُمع کلُّ نوعٍ منها وحده کترتيب أسفار (التوراة) التاريخ الذي لا يعلم أحد مرتبها، أو کتب العلم والفقه، والقوانين البشرية (لفقد) القرآن بذلک أعظم مزايا هدايته المقصودة من التشريع وحکمة التنزيل، وهو التعبد به واستفادة کل حافظ للکثير أو للقليل من سورة، حتي القصيرة منها، کثيراً من مسائل الإيمان، والفضائل والأحکام والحکم المنبئة في جميع السور، لأنّ السورة الواحدة لا تحوي في هذا الترتيب المفروض إلاّ مقصداً واحداً من تلک المقاصد، وقد يکون (أحکام الطلاق) أو (الحيض) فمن لم يحفظ إلاّ سورة طويلة في موضع واحد، يتعبد بها وحدها فلا شکّ أنّه يمُلها.

وأمّا السورة المنزلة بهذا الأسلوب الغريب، والنظم العجيب، فقد يکون في الآية الواحدة الطويلة، والسورة الواحدة القصيرة، عدة ألوان من الهداية وإنْ کانت في موضع واحد[25] .

وقال العلاّمة مصطفي صادق الرافعي في کتابه (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) ـ بعد بحث طويل يذکر فيه نصوص المفردات القرآنية التي تحمل الإعجاز في مجموعها کمجموع فيقول ـ: (إنّها هي الحروف، والکلمات، والجمل)[26] ويقول أيضاً في أوائل کتابه:

(نزل القرآن الکريم بهذه اللغة علي نمط يعجز قليله وکثيره معاً، فکان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه، إذ النور جملة واحدة، وإنّما يتجزأ باعتبارٍ لا يخرجه من طبيعته)[27] .

وقال الشيخ محمد عبد الله دارز في کتابه (دستور الأخلاق في القرآن) ـ ملخصاً بعض جوانب الإعجاز القرآني ـ بعد تفصيلها ـ في إيجاز فيقول ـ:

(استطاعت الشريعة القرآنية أنْ تبلغ کمالاً مزدوجاً لا يمکن لغيرها أنْ يحقق التوافق بين شِقّيه، لطف في حزم، وتقدّم في ثبات، وتنوّع في وحدة)[28] .

وللتوسع الأکثر في هذا الموضوع، يمکن الاستفادة من کتابين مهمّين من العلماء السابقين، وکتابين حديثين للمتأخرين، وهي الکتب التالية:

1 ـ أحکام القرآن، تأليف أبي بکر أحمد بن علي الرازي (الجصّاص)، الذي کان إماماً للمذهب الحنفي في زمانه[29] .

2 ـ الإتقان في علوم القرآن، تأليف عبد الرحمن بن أبي بکر (السّيوطي)، الذي کان إماماً للمذهب الشافعي في عصره[30] .

3 ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، للأستاذ مصطفي صادق الرافعي.

4 ـ القرآن القول الفصل، للأستاذ محمد العفيفي.

(أقول): إنما ذکرنا هذا ـ الموجز ـ في هذا البحث العميق الطويل، لکي يتضح أنّ کلّ واحدة ممّا ورد في القرآن من جملة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» هي غير الثانية، وغير الثالثة، وغير الرابعة.. وهکذا دواليک...

فجملة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لم تتکرر في القرآن في الواقع والمغزي، وإنمّا المتکرّر فقط وفقط ألفاظ هذه الجملة، وحروفها.

وما دام في القرآن عشرات من «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا».

وما دام تکررت الأحاديث الشريفة (بأنّ کلّ ما في القرآن يا أيّها الذين آمنوا، فإنّ علياً أميرها وشريفها، ورأسها).

وما دام أنّ التکرار ليس في القرآن في المعني.

(إذاً) فبعدد ورود «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» في القرآن، يکون بنفس العدد آيات في فضل علي بن أبي طالب ـ (عليه الصلاة والسلام) ـ.

فلا يعتبر کلّ ما في القرآن من «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» آية واحدة في فضل علي أمير المؤمنين، بل عشرات الآيات من فضله.

(وهکذا) الأمر بالنسبة إلي ما ورد في القرآن من جملة «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ».

فبعدد تکرارها، يکون عدد الآيات في فضل علي (عليه السلام).

فلا يُؤخذ علينا أنّا لماذا کرّرنا ذکر «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» و «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ».

لأنّ کلّ واحدة منهما في محليهما، غيرهما في محل آخر، وثالث، ورابع، وهکذا...

(مثلاً) ورد «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» مرةً في مقام بيان عبادة الله[31] ، وثانيةً في مقام الاستعانة بالصبر والصلاة[32] ، وثالثةً عند الردّ علي علماء الزور[33] ، ورابعةً لبيان أحکام الصوم[34] وخامسة للدخول في السلم[35] وهکذا دواليک.

ومعني الحديث المتکرّر نقله من (أنّ علياً سيّدها وشريفها ورأسها) هو أنّ علياً (عليه الصلاة والسلام) سيد المؤمنين بالله العابدين بتوحيد الله.. وفي مقدمتهم.

وعلي سيّد المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة.. وفي طليعة الصابرين والمصلين.

وعلي شريف المؤمنين بردّ علماء الزور.. وأول معارضيهم.

وعلي رأس المؤمنين بأحکام الصوم.. والصوام عملاً.

وعلي أمير المؤمنين بالسلم.. وهو أول مطبق له.

... وهلُم جرّاً...

(ومثل ذلک) في قوله تعالي: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ».

فتارةً ذکرت هذا الجملة لبيان «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ کَبِيرٌ»[36] .

وثانيةً لبيان «إنّهم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ»[37] .

وثالثةً لبيان «يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ»[38] .

ورابعةً لبيان: «سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا»[39] .

وخامسةً لبيان: «وَقَلِيلٌ ما هُمْ»[40] .

ففي کل ذلک، علي بن أبي طالب سيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات... وفي قمتها، ففي بعض «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» واحدة من هذا النتائج، وفي بعضهم اثنتان منها، وفي بعضهم ثلاث.. وهکذا.

أمّا علي بن أبي طالب، فکل النتائج فيه وله، وبأرقامها الأولي:

فلعلي المغفرة والأجر الکبير، وأرقامها.

وعلي في جنات النعيم، وأفضل درجاتها.

وعلي يهديه ربه بإيمانه، وبأکمل الهداية.

وعلي يجعل الرحمن له وداً، وبأوفر الود.

وعلي من (القليل)، وهو أفضل القليل، بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وهکذا في بقية الموارد..

وبهذا البيان هنا نکتفي عن تکرار هذا الموضوع، عند تکرار ألفاظ جملتي: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» و «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ».

«يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّکَ عَلي کُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»

التحريم/ 8

روي العلاّمة البحراني، عن ابن شهر آشوب، عن تفسير مقاتل، أنّه روي عن عطاء، عن ابن عباس أنّه قال:

«يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ» لا يعذّب الله محمداً.

«وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» لا يعذِّب علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن والحسين، وحمزة وجعفراً.

«نُورُهُمْ يَسْعي» يضيء علي الصراط بعلي وفاطمة مثل الدنيا سبعين مرة، فيسعي نورهم.

«بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» ويسعي.

«وَبِأَيْمانِهِمْ» وهم يتبعونه، فيمضي أهلُ بيت محمدٌ أول الزُّمرة علي الصراط مثل البرق الخاطف، ثم يمضي قوم مثل عدو الفرس، ثم قوم مثل شدّ الرجل، ثم قوم مثل الحبو، ثم قوم مثل الزحف، ويجعله الله علي المؤمنين عريضاً، وعلي المذنبين دقيقاً، قال الله تعالي:

«يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» حتي نجتاز به علي الصراط.

قال: فيجوز أمير المؤمنين في هودج من الزّمرد الأخضر، ومعه فاطمة علي نجيب من الياقوت الأحمر، حولها سبعون ألف حوراء کالبرق اللامع[41] .

وأخرج علاّمة الحنفية المير محمد صالح الکشفي الترمذي في مناقبه عن المحدّث الحنبلي وابن عباس، نزول هذا الآية في علي وشيعته[42] .









  1. شواهد التنزيل/ ج1/ ص21.
  2. و (3) الدر المنثور/ ج6/ ص244.
  3. الکشف والبيان في تفسير القرآن مخطوط/ الصفحة الأولي/ الورقة 269.
  4. کفاية الطالب/ ص53.
  5. کنز العمال/ ج1/ ص237.
  6. الصواعق المحرقة/ ص144.
  7. مجمع الزوائد/ ج9/ ص194.
  8. فتح الباري/ ج13/ ص27.
  9. المناقب لابن المغازلي/ ص269.
  10. تفسير القرآن العظيم/ ج4/ ص389.
  11. تفسير البحر المحيط/ ج8/ ص291.
  12. الدر المنثور/ ج1/ ص104.
  13. انظر تقديم (الشيخ عطية صقر) الأمين بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، علي کتاب (القرآن القول الفصل) تأليف الأستاذ المعاصر الصحفي المحقق (محمد العفيفي) ص7.
  14. (بآية) مثل «فبأي آلاء ربکما تکذبان» المکررة في سورة (الرحمن) عدة مرات (أو جملة أصغر من آية) مثل تکرار جملة «فاسئلوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون» في سورة (النحل) آية (43) وسورة (الأنبياء) آية (7). (أو کلمة) مثل تکرار کلمة (عليهم) في سورة الفاتحة «صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم» (أو حرف) مثل واو العطف المتکررة في سورة الفاتحة في آيتي «إياک نعبد وإياک نستعين» و «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» وهکذا أشباههما.
  15. القرآن القول الفصل/ ص16.
  16. درة التنزيل وغرة التأويل/516.
  17. أسرار التکرار في القرآن/ ص21.
  18. البيان في علوم القرآن/ ج1/ ص36.
  19. العارف: يقال للذين ادعوا معرفة أکثر بالله وبکونه ـ صدقاً أو کذباً ـ.
  20. إحياء علوم الدين/ ج1/ ص523.
  21. إعلام الموقعين عن رب العالمين/ ج1/ 82.
  22. إعلام الموقعين عن رب العالمين/ ج1/ 82.
  23. القرآن القول الفصل/ ص214.
  24. إعجاز القرآن ـ بهامش الإتقان للسيوطي/ ج2/ ص152.
  25. الوحي المحمدي/ ص142.
  26. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية/ ص211/ وص47.
  27. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية/ ص211/ وص47.
  28. دستور الأخلاق في القرآن/ ص11.
  29. المجلد الثاني/ ص280 وما بعدها.
  30. المجلد الثاني/ ص2 وما بعدها.
  31. البقرة/ 21.
  32. البقرة/ 153.
  33. التوبة/ 34.
  34. البقرة/ 183.
  35. البقرة/ 208.
  36. فاطر/ 7.
  37. الحج/56.
  38. يونس (عليه السلام) / 9.
  39. مريم/ 96.
  40. ص/ 24.
  41. غاية المرام/ ص436.
  42. المناقب للکشفي/ الباب الآول.