سوره مجادله











سوره مجادله



(وفيها ست آيات)

1 ـ مَا يَکُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ / 7

2 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ / 9.

3 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ / 11

4 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ (إلي) خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ / 12 ـ 13.

5 ـ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ / 22.

6 ـ أُولَئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ / 22.

«... ما يَکُونُ مِنْ نَجْوي ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْني مِنْ ذلِکَ وَلا أَکْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما کانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِکُلِّ شَيْ ءٍ عِليمٌ»:

المجادلة/ 7

روي العلاّمة البحراني قال: أسند أبو جعفر الطبري إلي ابن عباس:

أنّ سادات قريش کتبت صحيفة تعاهدوا فيها علي قتل علي، ودفعوها إلي أبي عبيدة بن الجراح أمين قريش، فنزلت:

«ما يَکُونُ مِنْ نَجْوي ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ» الآية.

فطلبها النبي منه فدفعها إليه[1] .

(أقول): فالمقصود بـ (نجوي)، نجواهم لقتل علي (عليه السلام).

والمقصود (بما عملوا)، کتابتهم الصحيفة، وتعاهدهم علي قتل علي (عليه السلام).

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوي وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»

المجادلة/ 9

أخرج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في حليته بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): ما أنزل الله آية فيها (يا أيها الذين آمنوا) إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها[2] .

(أقول): معني ذلک أنّ علياً (عليه السلام) هو السباق إلي العمل بأوامر الله ونواهيه للمؤمنين، وعلي بن أبي طالب خالص المؤمنين، في الإيمان والعمل الصالح، وتوجه النهي إلي المؤمنين وفي رأسهم وليهم علي بن أبي طالب، ليس ممّا ينکر، فقد توجه النهي في القرآن إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) في قوله تعالي:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْکافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ» الأحزاب/ 1.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قيل: لَکُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَکُمْ...»

المجادلة/ 11

أخرج الحافظ (الحنفي) القندوزي بسنده عن الأعمش عن أصحاب ابن عباس قال:

ما أنزل الله في القرآن آية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ کان علي أميرها، وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد (صلي الله عليه وآله وسلّم) وما ذکر علياً إلاّ بخير[3] .

(أقول): قوله (أميرها وشريفها) إمّا يعني: أمير المؤمنين، وشريف المؤمنين، وإرجاع الضمير المؤنث المفردة إليهم باعتبارهم جماعة مثل (قالت الأعراب آمنا) (وإمّا) يعني: أمير تلک الآية وشريف تلک الآية، باعتبارها آية نازلة في المؤمنين.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواکُمْ صَدَقَةً ذلِکَ خَيْرٌ لَکُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواکُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْکُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»

المجادلة/ 12 ـ 13

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: الحبري (بإسناده المذکور) عن مجاهد، قال: قال علي (رضي الله عنه):

آية في القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولم يعمل بها أحد بعدي، أنزلت آية النجوي، فکان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فکنتُ إذا أردت أنْ أناجي النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) تصدّقت بدرهم، حتي فنيت، ثم نسخته الآية التي بعدها[4] .

وروي أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، في تفسيره روايات عديدة في ذلک، (ومنها) عن مجاهد في قوله تعالي:

«فقدموا بين يدي نجواکم».

قال: نهوا عن مناجاة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) حتي يتصدقوا، فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب، قدم ديناراً فتصدّق به[5] .

وروي العلاّمة البحراني، عن العالم الشافعي (محمد بن إبراهيم الحمويني) (بإسناده المذکور) عن الإمام حسام الدين، محمد بن عثمان بن محمد، قال:

روي عن علي (رضي الله عنه) عشر مرات بعشر کلمات، قدّمها عشر صدقات ـ وهي الکلمات التي ناجي بها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

1 ـ فسأل (في الأولي) ما الوفاء؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): التوحيد وشهادة أنْ لا إله إلا الله.

2 ـ ثم قال: وما الفساد؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): الکفر والشرک بالله عزّ وجلّ.

3 ـ قال: وما الحق؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): الإسلام، والقرآن، والولاية إذ انتهت إليک.

4 ـ قال: وما الحيلة؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): ترک الحيلة.

5 ـ قال: وما عليَّ؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): طاعة الله، وطاعة رسوله[6] .

6 ـ قال: وکيف أدعو الله تعالي؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): بالصدق واليقين.

7 ـ قال: وما أسأل الله تعالي؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): العافية.

8 ـ قال: وماذا أصنع لنجاة نفسي؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): کُلْ حلالاً، وقُلْ صدقاً.

9 ـ قال: وما السرور؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): الجنة.

10 ـ قال: ما الراحة؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): لقاء الله تعالي.

فلمّا فرغ نسخ حکم الآية[7] .

وروي الحافظ الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أبو بکر السکري (بإسناده المذکور) عن علي قال:

لمّا نزلت: «فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواکُمْ صَدَقَةً».

دعاني رسول الله فقال:

ما تقول؟ دينار؟

قلت: لا يطيقونه.

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): فکم؟

قلت: أدي شعيرة.

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): إنک لزهيد.

فنزلت: «أشفقتم» الآية.

قال (علي): فبيّ خفف الله عن هذه الأُمّة[8] .

وأخرج هذه الأحاديث وأشباهها معظم علماء التفسير والحديث والتاريخ، (کفقيه الشافعي) جلال الدين السّيوطي في تفسيره، وفي کتابه لباب النقول[9] .

وکالفقيه الحنفي أخطب خطباء خوارزم الموفّق بن أحمد في مناقب علي بن أبي طالب[10] .

والفقيه الشافعي أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه[11] .

(والحافظ) النسائي في خصائص أمير المؤمنين[12] .

(والحافظ) الترمذي في جامعه الصحيح[13] .

(والحافظ) الذهبي في ميزان الاعتدال[14] .

(والحافظ) الکنجي في کفاية المطالب[15] .

(والحافظ) الدمشقي ابن کثير الشافعي في تفسيره[16] .

(والحافظ) في أحکام القرآن[17] .

(والحاکم) في مستدرکه[18] .

وآخرون کثيرون...

«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِکَ کَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.»

المجادلة/ 22

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: حدثونا عن أبي العباس بن عقدة (بإسناده المذکور) عن حسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، في قوله تعالي:

«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» إلي آخر القصة.

قال: نزلت في علي بن أبي طالب[19] .

(أقول): يعني: علي بن أبي طالب هو الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، وهو الذي لا يواد من حاد الله ورسوله ولو کانوا من أقربائه وهو الذي کتب الله في قلبه الإيمان، وهو الذي أيّده الله بروح منه وهو الذي يدخله الله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وهو الذي (رضي الله عنه)، ورضي هو عن الله.

فهو المصداق الأتمّ، والفرد الأکمل لهذه الآية.

«أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

المجادلة/ 22

أخرج الحافظ (الحنفي) سليمان القندوزي في ينابيعه (بسنده المذکور) عن جابر بن عبد الله الأنصاري (إلي أنْ قالوا) قال: جندل بن جنادة بن خيبر اليهودي بعدما أسلم علي يد النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم):

أخبرني يا رسول الله عن أوصيائک من بعدک لأتمسک بهم؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

أوصيائي الاثنا عشر.

قال جندل: هکذا وجدناهم في التوراة، وقال: يا رسول الله، سمّهم لي.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

أوّلهم سيّد الأوصياء أبو الأئمّة علي، ثم ابناه الحسن والحسين فاستمسک بهم، ولا يغرنّک جهل الجاهلين، فإذا ولد علي بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليک، ويکون آخر زادک من الدنيا شربة لبن تشربه.

فقال جندل: وجدنا في التوراة وفي کتب الأنبياء (عليهم السلام) (أيليا) (وشبر) و (شبير) فهذه الأسماء علي والحسن والحسين، فمن بعد الحسين، وما أساميهم؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

إذا انقضت مدّة الحسين، فالإمام ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فبعده ابنه محمد يلقب الباقر، فبعده ابنه جعفر يدعي بالصادق، فبعد ابنه موسي يدعي بالکاظم، فبعده ابنه علي يدعي بالرضا، فبعده ابنه محمد يدعي بالتقي والزکي، فبعده ابنه علي يدعي بالتقي والهادي، فبعده ابنه الحسن يدعي بالعسکري، فبعده ابنه محمد يدعي بالمهدي والقائم والحجة، فيغيب ثم يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً، طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للمقيمين علي محبّتهم، أولئک الذي وصفهم الله في کتابه وقال:

«هُديً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ».

ثم قال تعالي:

«أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».

فقال جندل: الحمد لله الذي وفقني بمعرفتهم[20] .

(أقول): معني هذا الحديث هو أن تنزيل هذه الآية الکريمة في أتباع علي وأهل بيته، وأنهم هم حزب الله، وأنهم هم المفلحون.

وأخرج (المسعودي) في مروجه، خطبة للإمام الحسن بن علي في أيام خلافته وفيها أنّه قال:

(نحن حزب الله المفلحون، وعترة الله الأقربون)[21] .

وأخرج إمام الحنابلة، أحمد بن حنبل، عن علي (عليه السلام) أنّه قال:

(نحن النجباء، وإفراطنا إفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله)[22] .

وأخرجه أيضاً ابن عساکر في ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تاريخه الکبير[23] .

وهکذا أخرجه الفقير العيني في (مناقب سيدنا علي) عنه (عليه السلام)[24] .

وأخرجه غيره أيضاً.









  1. غاية المرام/ ص439.
  2. حلية الأولياء/ ج1/ ص64.
  3. ينابيع المودّة/ ص126.
  4. شواهد التنزيل/ ج2/ ص232.
  5. جامع البيان في تفسير القرآن/ ج28/ ص14.
  6. هذا يدل علي أنّ علياً هو (ولي الأمر)؛ لأنّ الله يقول في القرآن «أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منکم» فأوجب الله علي المسلمين ثلاث طاعات، وحيث إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي (عليه السلام): (طاعة الله، وطاعة رسوله، ولم يرد فيهما بطاعة أولي الأمر، ظهر منه أنه هو الثالث کما لا يخفي).
  7. غاية المرام/ ص349.
  8. شواهد التنزيل/ ج2/ ص234 ـ 235.
  9. تفسير الدر المنثور/ ج6/ ص185 وکتاب لباب النقول/ ج2/ ص81.
  10. المناقب للخوارزمي/ ص195 ـ 196.
  11. المناقب لابن المغازلي/ ص325 ـ 326.
  12. خصائص أمير المؤمنين، ص39.
  13. صحيح الترمذي/ ج5/ ص80 رقم الحديث (3355).
  14. ميزان الاعتدال/ ج3/ ص146.
  15. کفاية الطالب/ ص135.
  16. تفسير القرآن العظيم/ ج4/ ص324.
  17. أحکام القرآن/ ج3/ ص526.
  18. المستدرک علي الصحيحين/ ج2/ ص481.
  19. شواهد التنزيل/ ج2/ ص245.
  20. ينابيع المودّة/ ص442 ـ 443.
  21. مروج الذهب/ ج3/ ص9.
  22. مسند ابن حنبل/ کتاب الفضائل/ الحديث 282.
  23. تاريخ دمشق/ ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) / الحديث (1190).
  24. مناقب سيدنا علي (عليه السلام) ص64.