سوره انبياء











سوره انبياء



(وفيها سبع آيات)

1 ـ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ / 7.

2 ـ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا / 44.

3 ـ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ / 89.

4 ـ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَي (إلي) الَّذِي کُنْتُمْ تُوعَدُونَ / 101 ـ 103.

5 ـ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتَاعٌ إِلَي حِينٍ / 111.

«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ »

الأنبياء/ 7

روي أحمد بن محمد بن إبراهيم المحدّث النيسابوري المعروف بـ (الثعلبي) صاحب التفسير الکبير، في تفسيره، عند قوله تعالي:

«فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».

قال: جابر الجعفي: لمّا نزلت هذه الآية، قال علي:

(نحن أهل الذکر)[1] .

(أقول): قد مرّ في سورة النحل في نظير هذه الآية الرواية التي تقول: (بأنّ يهودياً سأل عمر بن الخطاب ـ علي عهد النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ شيئاً فلم يقدر علي الجواب، ثم سأل علياً عن ذلک الشيء فأجابه علي، فأخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) بذلک فنزل قوله تعالي: «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ».

«... أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها)

الأنبياء/ 44.

روي العلاّمة البحراني (قُدِّس سرُّه) قال:

روي الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي، عن مالک، عن سمي، عن أبي صالح، قال: لمّا قتل علي بن أبي طالب، قال ابن عباس:

(هذا اليوم نَقُصَ العلم من أرض المدينة، ثم إنّ نقصان الأرض نقصان علمائها، وخيار أهلها، إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولکن يقبض العلم بقبض العلماء، حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساء جهالاً، فيسألوا فيُفتوا بغير علم فضلًّوا وأضلُّوا)[2] .

(أقول): إنّما ذکر ذلک ابن عباس، لعلمه بأنّ نقصان الأرض ـ في التفسير أو التأويل ـ المقصود به موت الإمام، أو موت علي (عليه السلام) خاصةَ، باعتباره الفرد الأکمل للعالم.

وقال: (هذا اليوم نَقُصَ العلم من أرض المدينة) إمّا باعتبار أنّ المدينة المنوّرة حيث کانت مرکز العلم، ومنبثق الإسلام، فنقص العلم منها معناه نقص العلم عن معينه وأساسه، (وإمّا) باعتبار أنّ علياً ما دام موجوداً ولو في خارج المدينة ـ فالعلم غير منقطع عن المدينة لترشح الآثار إلي المدينة من علي (عليه السلام)، أينما کان، فإذا مات علي (عليه السلام) فقد نقص العلم من المدينة يوم موته، لا يوم خروجه من المدينة.

وقوله: (نقص العلم) ولم يقل انقطع، لعلّه باعتبار تخلف مثل ولديه الحسن، والحسين ـ الإمامان قاما أو قعدا ـ محله، فلم ينقطع العلم بل نقص، أو باعتبار الملاءمة مع ظاهر الآية الکريمة (ننقصها من أطرافها).

(ولا يخفي) أنّه قد مرَّ نظيرُ هذه الآية في سورة الرعد، ونقلنا هناک حديثاً يشبه حديث ابن عباس ـ عن عبد الله بن عمر ـ قاله في موت علي (عليه السلام).

«رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ»

الأنبياء/ 89.

قال ابن أبي الحديد (المعتزلي) في شرح نهج البلاغة:

وجدنا في السير والأخبار من إشفاق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وحذره علي أمير المؤمنين (کرّم الله وجه) ودعاءه له بالحفظ والسلامة، ما قاله (صلي الله عليه وآله وسلّم) يوم الخندق وقد برز علي إلي عمرو ورفع (صلي الله عليه وآله وسلم) يديه إلي السماء بمحضر من أصحابه:

(اللّهم، إنّک أخذت مني حمزة يوم أحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم عليّ علياً).

(ثم تلا (صلي الله عليه وآله وسلّم) قوله تعالي):

«رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ»[3] .

وأخرج عبد الرحمن بن أبي بکر (السّيوطي) الشافعي نظير هذا الحديث في کتابه (القول الجلي في فضائل علي) عن الديلمي عن علي (عليه السلام)[4] .

(أقول): هذا الآية وإنْ کانت واردة في القرآن الحکيم علي لسان (زکريا) النبي (عليه السلام)، إلاّ أنّ تلاوة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) لها في مثل هذا المورد لا تخلو من دلالة علي تفسير، أو تأويل بالمورد، فرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، هو الذي قال فيه القرآن «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحي»[5] ، وهذا ممّا نطق به النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم): فلابدّ أنّه أوحي إليه أن ينطق به.

«إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْني أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَکْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ هذا يَوْمُکُمُ الَّذِي کُنْتُمْ تُوعَدُونَ»

الأنبياء/ 101 ـ 103.

روي الحافظ الحسکاني (الحنفي) قال: حدثني أبو الحسن الفارسي (بإسناده المذکور) عن علي (بن أبي طالب) قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

يا علي، فيکم نزلت هذه الآية: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْني أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ»[6] .

(أقول): (فيکم)! معناه: فيکم أهل البيت، أو معناه: فيک أنت وشيعتک، وعلي کل واحد من المعنيين شواهد تقف عليها في موارد عديدة من هذا الکتاب.

وروي هو أيضاً قال: حدّثونا عن أبي بکر السبيعي (بإسناده المذکور) عن أبي عمر النعمان بن بشير ـ وکان من سمار علي.

(أنّ علياً قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): يا علي، فيکم نزلت)[7] : «لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها»:[8] .

وروي هو أيضاً عن أبي الحسن الفارسي، بإسناده المذکور عن علي أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): ياعلي، فيکم نزلت: «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَکْبَرُ»

الناس يُطلبون في الموقف، وأنتم في الجنان تتنعمون[9] .

(أقول): إمّا المراد بالجنان جنان المحشر، وهي ظل عرش الله، ولواء الحمد، وعند حوض الکوثر، ونحوها.

وإمّا المراد: أن الشيعة يدخلون الجنة، ويبقي غيرهم بعد في المحشر يطالبون بما لم يعتقدوه في أهل البيت في الدنيا.

«وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتاعٌ إِلي حِينٍ»

الأنبياء/ 111

أخرج الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، (الشافعي)، المعروف بابن عساکر في کتابه الکبير (تاريخ مدينة دمشق)، في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، بسنده المذکور، عن جمع من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) (ذکرهم بأسمائهم) أنّهم قالوا: قال علي بن أبي طالب يوم الشوري: والله، لأحتجن عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولاعربيهم ولاعجميهم ردّه، ولا يقول خلافه، ثم قال لهم أنشدکم الله، أنشدکم الله، وجعل يذکر فضائله التي تفرد بها دون سائر الصحابة، إلي أنْ قال:

وقد قال الله عزّ وجلّ:

«وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتاعٌ إِلي حِينٍ»[10] .

(أقول): ذکر الإمام هذه الآية الکريمة بعد مناشداته للصحابة وتصديقهم إياه في جميعها بدون تردد، دليلٌ علي أنّ هذه الآية في علي (عليه السلام) تنزيلاً، أو تأويلاً أو تفسيراً، أو تطبيقاً.









  1. تفسير الثعلبي المخطوط/ ج2/ الورقة30/ الصفحةالأولي.
  2. غاية المرام/ ص444.
  3. شرح نهج البلاغة/ ج/ ص250.
  4. القول الجلي للسّيوطي (المخطوط) الحديث (26).
  5. سورة النجم/ آية 3 ـ 4.
  6. شواهد التنزيل/ ج1/ ص384/384 ـ 385.
  7. بين المعقوفين فراغ في (شواهد التنزيل) والظاهر أن الساقط هو ما أثبتناه إما بلفظه أو بمعناه، بقرينة الأخبار الأخري.
  8. شواهد التنزيل/ ج1/ ص384 ـ 385.
  9. شواهد التنزيل/ ج1/ ص384.
  10. ترجمة الإمام علي بن أبي طالب، من تاريخ مدينة دمشق، لابن عساکر/ ج3/ ص87 ـ 91.