سوره حجرات











سوره حجرات



(وفيها ست آيات)

1 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ / 1

2 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ / 2.

3 ـ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ / 3.

4 ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَکُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ / 6.

5 ـ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا / 9.

6 ـ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ / 15.

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»

الحجرات/ 1

أخرج العالم (الحنفي) الشيخ محمد الصبّان المصري في کتابه (إسعاف الراغبين في سيرة المصطفي وأهل البيت الطاهرين) بسنده عن ابن عباس قال:

(ما أنزل الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ في غير مکان، وما ذکر علياً إلاّ بخير[1] .

(أقول): لا تنافي بين کون هذه الآية نهياً وبين کونه فضيلة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لما مرّ غير مرة من أنّ علياً هو المنتهي عن نواهي الله، قبل أن يرد النهي عنها، ولذا کان نص الحديث (فإنّ لعلي سابقة ذلک وفضيلته) يعني: (السبق إلي العمل بالأمر الوارد، أو السبق إلي الانتهاء عن المنهي الوارد، وفضيلة ذلک السبق لعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ»

الحجرات/ 2

أخرج العالم الحنفي، محمد بن يوسف الزرندي، في نظم درر السمطين، عن ابن عباس قال: ما نزل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير آي من القرآن، وما ذکر علياً إلاّ بخير[2] .

(أقول): لم يکن علي (عليه السلام) ليرفع صوته فوق صوت النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) من قبل نزول هذه الآية، فهو منتهي عن ذلک قبل النهي عنه، ولذا کان في هذا الحديث وغيره (وما ذکر علياً إلاّ بخير).

وقد ذکرنا في الآية السابقة ما ينفع المقام، فراجع.

«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِکَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»

الحجرات/ 3

روي العلاّمة البحراني عن (الجمع بين الصحاح الستة) لرزين العبدري، من الجزء الثالث من آخره في ذکر غزوة الحديبية عن سنن أبي داود، وصحيح الترمذي قال: عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال:

لمّا کان يوم الحديبية، خرج إلينا أناس من المشرکين من رؤسائهم، فقالوا لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): قد خرج إليکم من أبنائنا وأرقائنا وإنما خرجوا فراراً من خدمتنا، فأرددهم إلينا.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(يا معشر قريش، لتنتهُن عن مخالفة أمر الله، أو ليبعثُن إليکم من يضرب رقابکم بالسيف «الذين امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي»).

قال بعض أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): ومن أولئک يا رسول الله؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): منهم خاصف النعل، وکان قد أعطي علياً نعله يخصفها[3] .

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»

الحجرات/ 6

أخرج مفسّر الشوافع، جلال الدين، بن أبي بکر السّيوطي في تفسيره (بإسناده المذکور) عن مجاهد عن ابن عباس (قال): ما أنزل الله آية فيها: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها[4] .

(أقول): هذا حکم من أحکام الإسلام وهو وجوب التبين عند خبر الفاسق، ولا بأس في أنْ يتعلم أحکام الإسلام من الله، ومن رسول الله؛ فهو تلميذ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

والقطعة الثانية من الآية: (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» الخ فهو ممّا انتفي عن علي (عليه السلام) انتفاء المحمول بانتفاء موضوعه کما لا يخفي علي ذوي البصائر.

«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِي ءَ إِلي أَمْرِ اللهِ»

الحجرات/ 9

علي وأصحابه أولي بالحق

روي الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) عن الحاکم في المستدرک بين الصحيحين، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال في الخوارج ـ في حديث ـ:

أما أنّه ستمرق مارقة، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون إليه حتي يرجع السهم علي قوسه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل، فمن لقيهم، فليقاتلهم، فمن قتلهم، فله أفضل الأجر، ومن قتلوه، فله أفضل الشهادة، هم شرّ البرية، بريء الله منهم، يقتلهم أولي الطائفتين بالحق).

وفي صحيح البخاري بإسناده عن أبي سعيد الخدري (أنّه قال: فأشهد أنّي سمعتُ هذا الحديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) وأشهد أنّ علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه[5] .

وفي کتاب (الخلافة والملک) لأبي الأعلي المودودي جاء: (وإنّه لأمر واقع أيضاً: إنّ کلّ الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين يتفقون علي صواب سيّدنا علي في قتاله أصحاب الجمل وصفين والخوارج وذلک في حديثهم عن الآية «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَي الأُخْري فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِي ءَ إِلي أَمْرِ اللهِ» لأنّهم يرون أنّه کان إمام أهل العدل، وکان الخروج عليه غير جائز. وعلي حدّ علمي ومعرفتي: ليس ثمة فقيه أو محدّث أو مفسّر قال برأي يخالف هذا)[6] .

«... وَجَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاکُمْ».

الحجرات/ 13.

أخرج الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الکنجي (الشافعي) في کفايته بسنده المذکور عن ابن عباس قال:

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(قسم الله الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً...).

إلي أنْ قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

ثم جعل البيوت قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، فذلک قوله تعالي:

«شعوباً وقبائل».

فأنا أتقي وُلد آدم، وأنا أکرمکم علي الله عزّ وجلّ ولا فخر...[7] .

(أقول): وقبيلة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) أهل بيته، أو إنّ أهل البيت في طليعة القبيلة، وعلي (عليه السلام) هو سيّد أهل بيته، ـ کما مرّ غير مرة ـ فالآية نازلة في حق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) مع شمولها لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ»

الحجرات/ 15

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل بن الحسين، (بإسناده المذکور) عن ابن عباس (في قوله تعالي):

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا» (يعني): صدقوا بالله ورسوله ثم لم يشکوا في إيمانهم. نزلت في علي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وجعفر الطيار.

ثم قال (تعالي): «وجاهدوا) الأعداء

«بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ» في طاعته.

«أُولئِکَ هُمُ الصَّادِقُونَ» يعني: في إيمانهم فشهد الله لهم بالصدق والوفاء[8] .









  1. إسعاف الراغبين/ ص161.
  2. نظم درر السمطين/ ص89.
  3. غاية المرام/ ص651.
  4. الدر المنثور/ ج1/ ص104.
  5. البداية والنهاية/ ج6/ ص216.
  6. الخلافة والملک/ ص231.
  7. کفاية الطالب/ ص377.
  8. شواهد التنزيل/ ج2/ ص186 ـ 187.