سوره فتح











سوره فتح



(وفيها أربع آيات)

1 ـ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَکَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ / 10.

2 ـ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ / 18.

3 ـ فَأَنْزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلَي رَسُولِهِ / 26.

4 ـ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَي الْکُفَّارِ / 29.

5 ـ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ / 29.

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِيناً ً»

الفتح/ 1

أخرج العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان)، عن مجاهد والعوفي، أنّهما قالا: إنّ المراد بالفتح هنا فتح خيبر[1] .

وروي (سيد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن) قال: وروي الإمام أحمد ـ بإسناده ـ عن مجمع بن حارثة الأنصاري ـ (رضي الله عنه) ـ وکان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن قال: شهدنا الحديبية، فلمّا انصرفنا عنها، إذا الناس ينفرون الأباعر، فقال الناسُ بعضُهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فخرجنا مع الناس نوجف فإذا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) علي راحلته عند (کراع الغميم) فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم: «إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِيناً» قال: فقال رجلٌ من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): أي رسول الله، أَوَ فتحٌ هو؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): (أي والذي نفس محمد بيده، إنّه لفتحٌ)[2] (ففتحت خيبر علي أهل الحديبية لم يدخل فيها أحد إلاّ من شهدها)[3] .

أخرج أحمد بن عبد الله، أبو نعيم الأصهباني في موسوعته الکبيرة (حلية الأولياء) قال: حدثنا أبو بکر بن خلاد (بسنده المذکور) عن سلمة بن الأکوع قال:

(بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) أبا بکر الصديق برايته إلي حصون خيبر يقاتل، فرجع ولم يکن فتح وقد جهد).

ثم بعث عمر الغد فقاتل فرجع ولم يکن الفتح وقد جهد.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(لأُعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله علي يديه ليس بفرّارِ).

قال سلمة: فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(هذه الراية أمضِ بها حتي يفتح الله علي يديک).

قال سلمة: فخرج بها ـ والله ـ يهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره... فما رجع حتي فتح الله علي يديه[4] .

«إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَکَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما يَنْکُثُ عَلي نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»

الفتح/ 10

نقل العلاّمة القبيسي، عن الإمام محمد بن جرير (الطبري) في خطبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير، وأنّه قال فيما قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(معاشر الناس: سلّموا علي علي بإمرة المؤمنين)، ثم تلا قوله تعالي:

«فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما يَنْکُثُ عَلي نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»[5] .

«لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَکَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّکِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»

الفتح/ 18

روي الفقيه الشافعي (السّيوطي) في تفسيره قال:

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عکرمة (في قوله تعالي):

«وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً».

قال: خيبر حيث رجعوا من صلح الحديبية[6] .

وروي موفّق بن أحمد الخوارزمي (الحنفي) قال: قال (جابر بن عبد الله الأنصاري): کنّا يوم الحديبيه ألفاً وأربعمائة، فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(أنتم اليوم خيار أهل الأرض).

فبايعنا تحت الشجرة علي الموت، فما نکث أصلاً أحدٌ إلاّ ابن قيس، ـ وکان منافقاً ـ.

وأولي الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لأنه (تعالي) قال: «وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً».

يعني: خبير، وکان ذلک علي يد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)[7] .

(أقول): إذاً فهذه الآية فضيلة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، لأنّ الفتح القريب الذي جعله الله ثواباً وجزاءً للمسلمين، جعله الله بيد علي بن أبي طالب.

وذکر حديث جابر هذا جمع عديدٌ من أعلام المذاهب.

(منهم): الخطيب أبو بکر أحمد بن علي البغدادي في کتاب (المناقب)[8] .

(ومنهم): عالم الشافعية محمد بن يوسف بن محمد الکنجي في (الکفاية):[9] .

وقال (سيد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن) عن هذه الآية الکريمة ضمن حديث:

(وهو ـ أي فتح خيبر ـ الفتح الذي يذکره أغلب المفسّرين علي أنّه هو هذا الفتح القريب الذي جعله الله للمسلمين)[10] .

وذکر أبو محمد عبد الملک بن هشام الحميري البصري صاحب السيرة النبوية في سيرته عن جابر في قوله تعالي: «وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً» إنّه فتح خيبر، وکان ذلک علي يد علي بن أبي طالب[11] .

«فَأَنْزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ کَلِمَةَ التَّقْوي وَکانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَکانَ اللهُ بِکُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً»

الفتح/ 26

أخرج العلاّمة الخوارزمي، موفّق بن أحمد (الحنفي) قال ـ في حديث ـ عن علي بن أبي طالب: (والله ولي الإحسان إليهم والمثال علي أهل بيتي بما أسلفوا من الصالحات، وقد أنزل الله تعالي في کتابه فضلهم يوم حنين فقال:

«فَأَنْزَلَ اللهُ سَکِينَتَهُ عَلي رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ».

وإنّما عنانا بذلک دون غيرنا[12] .

وأخرج العلاّمة (الشافعي) محمد بن طلحة القرشي ـ المتوفي سنة (652) هجرية ـ في کتاب (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) بسنده المذکور عن أنس بن مالک، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) لأبي برزة وأنا أسمع:

(يا أبا برزة، إنّ الله عهد إلي في علي بن أبي طالب أنّه راية الهدي.. وهو الکلمة التي ألزمتها المتقين)[13] .

وأخرجه أيضاً علاّمة الهند (بسمل) عن ابن مردويه[14] .

(أقول): فالمقصود من (کلمة التقوي) هنا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

«... فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِکَ فَتْحاً قَرِيباً»

الفتح/ 27

أخرج العلاّمة الشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) عن (عطاء) (ومقاتل)، أنّ الفتح في هذه الآية يعني: فتح خيبر[15] .

وقال (سيّد قطب) في تفسيره (في ظلال القرآن):

(وهکذا صدقت رؤيا رسول الله ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ وتحقق وعد الله، ثم کان الفتح ـ أي فتح خيبر ـ في العام الذي يليه)[16] .

وأخرج علاّمة الشافعية ابن حجر (العسقلاني) في کتابه (تهذيب التهذيب) بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ عمر إلي أهل خيبر فرجع فقال ـ (صلي الله عليه وآله وسلّم): (لأُعطين الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله ليس بفرّار، ولا يرجع حتي يفتح الله علي يديه).

قال: فدعا علياً ـ کرّم الله وجهه ـ فأعطاه الراية فسار بها، ففتح الله عليه[17] .

وأخرج نحواً من ذلک بتعبيرات شتّي ومعني واحد العديد من الحفّاظ والأثبات.

(منهم) ابن سعد في طبقاته[18] .

(ومنهم) الحافظ مسلم القشيري في صحيحه[19] .

(ومنهم) الحاکم النيسابوري في مستدرکه[20] .

(ومنهم) الحافظ البيهقي في سننه[21] .

(ومنهم) الحافظ ابن کثير الدمشقي في البداية والنهاية[22] .

(ومنهم) العلاّمة شهاب الدين النويري في نهاية الأرب[23] .

وآخرون کثيرون...

(أقول): حيث إنّ هذا الآية الکريمة نزلت في قصة فتح خيبر، وإنّ فتح خيبر تمَّ علي يد أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، کانت الآية خاصة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَي الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ»

الفتح/ 29

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن أحمد الأهوازي (بإسناده المذکور) عن ابن عباس في قوله الله تعالي:

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ» ـ في حديث ـ:

«تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً» علي (بن أبي طالب).

«يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ» (يعني): بعلي[24] .

وروي هو أيضاً قال: أخبرنا أبو محمد بن نامويه الأصبهاني (بإسناده المذکور) عن أسلم بن الجنيد، عن الحسن في قوله تعالي:

«فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ» علي بن أبي طالب.

«يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ» المؤمنين[25] .

وروي علاّمة الهند، عبيد الله بسمل في کتابه الکبير في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن النظيري في (الخصائص العلوية) بسنده عن الحسن بن علي (رضي الله عنهما) في قوله تعالي: «فَاسْتَوي عَلي سُوقِهِ» قال:

استوي الإسلام بسيف علي بن أبي طالب[26] .

«وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»

الفتح/ 29.

أخرج الحافظ (الشافعي) أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه عن الحسن بن أحمد بن موسي (بسنده المذکور) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل قوم النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) فيمن نزلت هذه الآية؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): (إذا کان يوم القيامة، عقد لواء من نور أبيض ونادي منادٍ: ليقم سيّد المؤمنين، ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فيقوم علي بن أبي طالب فيُعطي اللواء من النور الأبيض بيده، وتحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لا يخالطهم غيرهم، حتي يجلس علي منبر من نور ربِّ العزّة، ويعرض الجميع عليه رجلاً رجلاً، فيعطيه أجره ونوره، فإذا أتي علي آخرهم قيل: لهم قد عرفتم صفتکم ومنازلکم في الجنة، إنّ ربّکم يقول: إنّ لکم عندي مغفرةً وأجراً عظيماً يعني: الجنّة.

فيقوم علي والقوم تحت لوائه معهم يدخل به الجنة.

ثم يرجع إلي منبره، فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين، فيأخذ نصيبه منهم إلي الجنّة، ويُنزل أقواماً علي النّار[27] .

(أقول): ظاهر هذه الآية، وصريح هذا الحديث، أنّ المؤمنين برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) لا يدخلون الجنّة جميعهم، وإنّما ينقسمون قسمين: فريق في الجنة، وهم المؤمنون بعلي بن أبي طالب وصياً وخليفة لرسول الله، وفريق في السعير، وهم المنکرون لذلک في علي (عليه السلام).









  1. مجمع البيان/ ج9/ ص110.
  2. في ظلال القرآن/ ج26/ ص89.
  3. مجمع البيان/ ج9/ ص110.
  4. حلية الأولياء/ ج1/ ص63.
  5. کتاب (ماذا في التاريخ) / ج3/ ص156.
  6. الدر المنثور/ ج6/ ص75.
  7. المناقب للخوارزمي/ ص195.
  8. مناقب الخطيب البغدادي/ ص186.
  9. کفاية الطالب/ ص120.
  10. في ظلال القرآن/ ج26/ ص109.
  11. السيرة النبوية لابن هاشم/ ج3/ ص439.
  12. المناقب للخوارزمي/ ص177.
  13. مطالب السؤول/ ص46 ـ 47.
  14. أرجح المطالب/ ص29.
  15. مجمع البيان/ ج9/ ص126.
  16. في ظلال القرآن/ ج26/ ص116.
  17. تهذيب التهذيب/ ج7/ ص470.
  18. الطبقات الکبري/ ج2/ ص111.
  19. صحيح مسلم/ ج5/ ص189 طبع صبيح.
  20. المستدرک عن الصحيحين/ ج3/ ص38.
  21. سنن البيهقي/ ج9/ ص131.
  22. البداية والنهاية لابن کثير/ ج7/ ص338.
  23. نهاية الأرب في فنون الأدب/ ج17/ ص252.
  24. شواهد التنزيل/ ج2/ ص180 ـ 184.
  25. شواهد التنزيل/ ج2/ ص180 ـ 184.
  26. أرجح المطالب/ ص88.
  27. المناقب لابن المغازلي/ ص322 ـ 323.