سوره احقاف











سوره احقاف



(وفيها آيتان)

1 ـ وَمِنْ قَبْلِهِ کِتَابُ مُوسَي إِمَاماً وَرَحْمَةً / 12.

2 ـ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْکَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ / 29.

«وَمِنْ قَبْلِهِ کِتابُ مُوسي إِماماً وَرَحْمَةً»

الأحقاف/ 12

روي العلاّمة البحراني قال:

أسند ابن مردويه ـ وهو من ثقات العامة ـ إلي أبّان بن تغلب، عن مسلم قال: سمعت أبا ذر والمقداد وسلمان يقولون:

کنّا قعوداً عند النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، إذ أقبل ثلاثة من المهاجرين فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم) تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق:

أهل حق لا يشوبونه بباطل، مثلهم کالذهب کلّما فتنته النار، زاد جودة وإمامهم هذا ـ وأشار (صلي الله عليه وآله وسلّم) إلي أحد الثلاثة ـ وهو الذي أمر الله في کتابه، اتباعه، حيث قال: (إماماً ورحمة).

وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق، مثلهم کمثل الحديد، کلّما فتنته النار، زاد خبثاً وإمامهم هذا.

(وفرقة أهل باطل وحق خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وإمامهم هذا)[1] .

(قال مسلم): فسألتهم (يعني أبا ذر والمقداد وسلمان) عن أهل الحق وأمامهم، فقالوا: علي بن أبي طالب، وأمسکوا عن الآخرين، فجهدت في الآخرين أنْ يسموهما فلم يفعلوا.

ثم قال: (والظاهر أنّ القائل ابن مردويه)، هذه رواية المذهب[2] .

(أقول): ولعلّ مسلماً هو الذي أخفي اسم الآخرين لکونه ممّن يودونهما، لا سلمان وأبو ذر والمقداد، فهم أجلُّ شأناً، وأرفعُ إيماناً منْ أنْ يکتموا الحقَّ ولا يظهرونه، وقد أمر الله تعالي بإظهار الحقّ ونهي عن کتمانه.

ولا يخفي علي ذوي البصائر، خصوصاً أهل التحقيق في السير والأخبار اسم الشخصين الآخرين، ولا أقل من تعيّنهما في جماعة محصورة.

(کما) أنّ هذا من التأويل، إذ ظاهر الآية کونه في القرآن وحيث إنّ علياً هو القرآن الناطق، ولولاه لم يعُد القرآن مطبّقاً ومفسّراً ومعلوماً ـ کما في عديد من الروايات ـ قال عنه النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(وهو الذي أمر الله في کتابه «إماماً ورحمة».

«وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْکَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلي قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»

الأحقاف/ 29

روي (الفقيه الشافعي) ابن حجر في (الإصابة) في ترجمة (عرفطة ابن شمراح) الجنّي من بني نجاح: ذکر عن الخرائطي في (الهواتف) حديثاً مسنداً عن سلمان الفارسي قال:

کنّا مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، في مسجده في يوم مطير، فسمعنا صوتاً (السلام عليک يا رسول الله)، فردَّ عليه، فقال له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): من أنت؟

قال: أنا عرفطة أتيتک مسلماً، وانتسب له، کما ذکرنا.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم): مرحباً بک، اظهر لنا في صورتک.

قال سلمان: فظهر لنا شيخ أرث، أشعر، وإذا بوجهه شعر غليظ متکاثف، وإذا عيناه مشقوقتان طويلاً، وله فم، في صدره أنياب بادية طوال، وإذا في أصابعه أظافر مخاليب کأنياب السباع، فاقشعرت منه جلودنا.

فقال الشيخ: يا نبي الله، أرسل معي من يدعو جماعة من قومي إلي الإسلام، وأنا أردُّه إليک سالماً.

فذکر (يعني الخرائطي) قصة طويلة في بعثه (صلي الله عليه وآله وسلّم) معه علي بن أبي طالب، فأرکبه علي بعير، وأردف سلمان وأنهم نزلوا في واد لا زرع فيه ولا شجر، وأنّ علياً أکثر من ذکر الله، ثم صلّي سلمان بالشيخ الصبح.

ثم قام علي فيهم خطيباً، فتذمروا عليه، فدعا بدعاءٍ طويلٍ، فنزلت صواعق أحرقت کثيراً.

ثم أذعن من بقي، وأقروا بالإسلام، ورجع بعلي وسلمان.

فقال النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) ـ لمّا قصّ قصتهم ـ: أما أنّهم لا يزالون لک هائبين إلي يوم القيامة[3] .

(أقول): عرفطة واحد من مُنذري الجن، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، صاحب فضيلة دخول الجن في الإسلام، وهو الوسيط بين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، وبين الجن.

ولا مانع من ذلک بعد تصريح القرآن بأنّ للجن أقساماً، کأقسام الإنس مؤمن وکافر، وأنّ بعضهم آمنوا، وبعضهم کفروا.









  1. ما بين القوسين زيادة منا تستفاد من سابق الکلام بهذا المضمون والمعني لا اللفظ بخصوصه، ولعله أسقط عمداً من قبل بعض الرواة الذين کانوا يبدلون ويغيرون، کما يشتهون وورد لعن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) عليهم.
  2. غاية المرام/ ص578.
  3. الإصابة في معرفة الصحابة/ حرف العين.