سوره زخرف











سوره زخرف



(وفيها إحدي عشرة آية)

1 ـ وَجَعَلَهَا کَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ / 28.

2 ـ أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي / 40.

3 ـ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (إلي) وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ / 41 ـ 44.

4 ـ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنَا / 45.

5 ـ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ / 55.

6 ـ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً (إلي) لِبَنِي إِسْرَائِيلَ / 57 ـ 59.

«وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»

الزخرف/ 28

روي الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بإسناده عن علي بن أبي طالب (کرّم الله وجهه) أنّه قال:

فيما نزل قول الله عزّ وجلّ:

«وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».

أي: جعل الإمامة في عقب الحسين إلي يوم القيامة[1] .

(أقول): ظاهر الآية رجوع ضمير (عقبه) إلي بني الله وإبراهيم الخليل (عليه السلام) ولکن لا مانع من أنْ يکون في تأويل الآية، رجوع الضمير إلي الحسين (عليه السلام) فما دام للقرآن ظهر وبطن، ولبطنه بطن، وهکذا. وما دام ثبت بمتواتر الأحاديث أنّ الظاهر والباطن مرادان لله تعالي، وما دام علي بن أبي طالب هو أعلم الناس بالقرآن، تنزيلاً وتأويلاً؛ لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فيما رواه عنه أنس: (علي يعلّم الناس بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون)[2] .

بعد هذا کلّه، تکون النتيجة أن هذه الآية نزلت في أولاد علي من صلب ابنه الحسين، جعل الله فيهم الإمامة إلي يوم القيامة.

«أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ کانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ»

الزخرف/ 40

هو تارک ولاية علي (عليه السلام)

روي العلاّمة البحراني (قده) عن أبي صالح عن ابن عباس ـ في حديث قال:

(من ترک ولاية علي، أعماه الله، وأصمّه عن الهدي)[3] .

(أقول): الأحاديث بهذا المعني کثيرة ومتواترة.

فتارک ولاية علي (أصم) لا يسمع هداية النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) وتارک ولاية علي (عليه السلام) (أعمي) لا يبصر هداية النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم).

«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّکَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِکْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْکَ إِنَّکَ عَلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ»

الزخرف/ 41 ـ 44

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن علي بن محمد البزاز (بإسناده المذکور) عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) قال: إنّي لأدناهم من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) في حجّة الوداع بمني حين قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(لا ألفينکم ترجعون بعدي کفاراً، يضرب بعضُکم رقاب بعض، واَيم الله، لئن فعلتموها، لتعرفنني في الکتيبة التي تضاربکم).

ثم التفت (صلي الله عليه وآله وسلّم) إلي خلفه فقال:

(أو علي، أو علي) ثلاثاً.

فرأينا أنّ جبرئيل غمزه (صلي الله عليه وآله وسلّم)، وأنزل الله علي إثر ذلک:

(فإمّا يذهبن بک فإنّا منهم (أي من الظالمين) منتقمون، بعلي بن أبي طالب.

«فاستمسک بالذي أوحي إليک» من أمر علي.

«إِنَّکَ عَلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».

وإنّ علياً لعلم للساعة «وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ» (يعني) عن محبة علي بن أبي طالب[4] .

(أقول): هذه القطع المذکورة أثناء الآيات تفسير لها، وليست من القرآن، فالقرآن لم يُحرف، فلم ينقص منه حرف، ولم يزد فيه حرف أبداً کما عليه المحققون من العلماء.

قوله: (فرأينا أنّ جبرئيل غمزه) يعني: أنّنا فسرنا التفات رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) إلي خلفه، ثم تغيير أسلوب کلامه فوراً حتي قال (أو علي، أو علي، أو علي) إلي أنْ جبرئيل هو الذي غمز النبي، فالتفت النبي إليه، وقال للنبي (صلي الله عليه وآله وسلّم): أو علي، فقاله النبي لأصحابه.

وأخرج عالم (الحنفية) الحافظ سليمان القندوزي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

نزل قوله تعالي:

«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ».

في علي بن أبي طالب، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

إنّه ينتقم من الناکثين والقاسطين بعدي[5] .

وأخرج نحواً من ذلک العديد من الحفّاظ والأثبات:

(منهم): الحافظ الشافعي، أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه[6] .

(ومنهم): المفسّر الشافعي، جلال الدين بن أبي بکر السّيوطي في تفسيره[7] .

(ومنهم): الحاکم النيسابوري، قال في مستدرکه:

(إنّه (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال في حجة الوداع في خطبته: (لأُ قاتلن العمالقة في کتيبة).

فقال له جبرئيل: أو علي.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم): (أو علي بن أبي طالب)[8] .

ولم ينقل ربط القضية بالآية الکريمة، لکن وحدة القضية تعطي ذلک لرواية غيره کامل القصة.

«وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا»

الزخرف/ 45

روي العلاّمة (الحنفي) موفّق بن أحمد الخوارزمي في کتابه عن فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ضمن روايات المعراج عن شهردار إجازة بسنده المذکور عن عبد الله بن مسعود في تفسير قوله تعالي:

«وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رُسُلِنا».

قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

يا عبد الله أتاني ملک فقال يا محمد: سل من أرسلنا من قبلک من رسلنا علام بعثوا؟

قال: قلت: علام بعثوا؟

قال: علي ولايتک، وولاية علي بن أبي طالب[9] .

وأخرج أبو الحسن الفقيه بن شاذان في مناقبه المائة من طرق العامة نحواً منه، بسنده عن ابن عباس أيضاً[10] .

«فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ...»

الزخرف/ 55

أخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بسنده المذکور عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) عند ذکر هذه الآية قال:

فالله جلّ شأنُه وعظُم سلطانُه، ودام کبرياؤه، أعزّ وأرفعُ وأقدسُ من أنْ يعرض له أسف، لکن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل أسفنا أسفه فقال:

«فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ...»[11] .

(أقول): هذه الآية وإنْ کانت واردة في آل فرعون، لکنّ تأويلها هو في ظالمي أهل البيت، وأهل البيت أدري بما نزل في بيتهم، وهم أعلم بتأويل القرآن.

«وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُکَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»

الزخرف/ 57 ـ 59

روي العلاّمة البحراني عن الحافظ أبي نعيم في کتابه الموسوم بـ (بنزول القرآن في علي) قال:

قوله تعالي: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ يَصِدُّونَ».

عن ربيعة بن تاجر قال: سمعت علياً يقول: فيّ نزلت هذه الآية[12] .

وروي هو أيضاً عن محمد بن العباس (بإسناده المذکور) عن ابن عباس قال:

بينما النبي في نفر من أصحابه إذ قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(الآن يدخل عليکم نظير عيسي ابن مريم في أمتي).

فدخل أبو بکر الصديق فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم): لا.

فدخل عمر، فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم): لا.

فدخل علي فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلي الله عليه وآله وسلّم): نعم.

فقال قوم: لَعبادةُ اللاتِ والعُزي أهون من هذا.

فأنزل الله عزّ وجلّ:

«وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ» الآيات[13] .

(أقول): قوله (عليه السلام) (في نزلت هذه الآية) يعني: أنّ شأن نزولها کان علي بن أبي طالب، لا أنّ المقصود بعيسي ابن مريم فيها، هو علي بن أبي طالب ـ کما لا يخفي ـ وکان في نزول هذه الآية في هذا المورد، طعناً علي القوم بأنّهم نظير اليهود، من قبيل المثل المعروف (ما أشبه الليلة بالبارحة).

وأخرج السيد هاشم البحراني (قده)، في کتابه الصغير، عن مناقب أحمد بن موسي بن مردويه، عن أمير المؤمنين قال: (قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم): إنّ فيک مثلاً من عيسي، أحبّه قوم (أي: حبّاً مفرطاً حتي جعلوه إلهاً) فهلکوا فيه، وأبغضه قوم فهلکوا فيه، فقال المنافقون: ما رضي له مثلاً إلاّ عيسي فنزل (قوله تعالي):

«وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُکَ مِنْهُ يَصِدُّونَ».

أي: من ذلک المثل يعرضون)[14] .

وأخرج نحواً منه عديد من علماء المذاهب.

(ومنهم): عالم الأحناف، الحافظ سليمان القندوزي[15] .

(ومنهم): عالم الشافعية، الحافظ محب الدين الطبري[16] .

(ومنهم): أخطب خطباء خوارزم، الموفّق الحنفي في کتابه، عن فضائل علي بن أبي طالب[17] .

وآخرون.









  1. ينابيع المودّة/ ص117.
  2. شواهد التنزيل/ ج1/ ص29.
  3. غاية المرام/ ص404.
  4. شواهد التنزيل/ ج2/ ص152.
  5. ينابيع المودّة/ ص98.
  6. المناقب لابن المغازلي/ ص274 ـ 275.
  7. الدر المنثور/ ج6/ ص18.
  8. المستدرک علي الصحيحين/ ج3/ ص126.
  9. المناقب للخوارزمي/ ص221.
  10. المناقب المائة/ المنقبة الثانية والثمانون/ ص49.
  11. ينابيع المودّة/ ص358.
  12. غاية المرام/ ص424.
  13. غاية المرام/ ص424.
  14. الکتاب المذکور،/ ص110.
  15. ينابيع المودّة/ ص109.
  16. ذخائر العقبي/ ص92.
  17. المناقب للخوارزمي/ ص233.