سوره زمر











سوره زمر



(وفيها عشر آيات)

1 ـ إِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْکُمْ / 7.

2 ـ أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً / 9.

3ـ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ / 9.

4 ـ إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ / 10.

4 ـ أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَي نُورٍ مِنْ رَبِّهِ / 22.

5 ـ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ / 29.

6 ـ ثُمَّ إِنَّکُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ / 31.

7 ـ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَي اللهِ / 32.

8 و9 ـ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (إلي) جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ / 33 ـ 34.

10 ـ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَي مَا فَرَّطْتُ / 56.

«إِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْکُمْ...»

الزّمر/ 7

تکفروا بولاية علي:

نقل العلاّمة القبيسي عن شيخ أهل السنة في التفسير والتاريخ محمد بن جرير (الطبري) أنّه أورد في کتاب له، خطبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير، وأورد فيه، أنّه (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال:

معاشر الناس، قولوا ما قلت لکم، وسلموا علي علي بإمرة المؤمنين، قولوا ما يرضي الله عنکم (فـ).

«إِنْ تَکْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْکُمْ»[1] .

(أقول): استشهاد النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) بهذه الآية الشريفة هنا دليل علي أنّ قصة الغدير مورد للآية، إمّا تنزيلاً، أو تأويلاً، أو تطبيقاً.

فإنکار ولاية علي يوم الغدير، هو الکفر في القرآن الحکيم.

«أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ...»

الزّمر/ 9.

روي العلاّمة البحراني (قده) عن ابن شهر آشوب، عن النيسابوري ـ في روضة الواعظين ـ أنّه قال عروة بن الزبير: سمع بعض التابعين، أنس بن مالک يقول:

«أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً» الآية.

قال الرجل: فأتيت علياً وقت المغرب، فوجدته يصلي، ويقرأ (القرآن) إلي أنْ طلع الفجر، ثم جدّد وضوءه وخرج إلي المسجد وصلّي بالناس صلاة الفجر ثم قعد في التعقيب إلي أنْ طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل بينهم إلي أنْ أقام صلاة الظهر، فجدّد الوضوء ثم صلّي بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلي أنْ صلّي بهم العصر، ثم کان يحکم بين الناس ويفتيهم[2] .

(أقول): لعلّ المراد بقول الراوي (يصلّي ويقرأ إلي أنْ طلع الفجر) هو غالب الليل لا کل الليل، لأنّ علياً (عليه السلام) کان ينام قليلاً من الليل، خصوصاً في أيام خلافته الظاهرية التي لم يکن يستطيع ـ غالباً ـ من النوم في النهار، لانشغاله بأمور الناس، وقد روي عنه (عليه السلام) أنّه قيل له في قلة نومه فأجاب (عليه السلام): (إنْ نمت الليل، ضيعت نفسي، وإنْ نمت النهار، ضيعت رعيتي).

أو کانت تلک الليلة من الليالي التي کان يُحييها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالعبادة ـ وما أکثرها في تاريخ علي (عليه السلام)، فقد ورد في حقه، وحق ابنه الحسين، وحفيديه السجاد والرضا ـ (عليهم السلام) ـ أنّهم کانوا يصلون في اليوم والليلة ألف رکعة، نقلت ذلک عدّة من الأحاديث الشريفة.

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَکَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ»

الزّمر/ 9

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) عن العتيق، بإسناده المذکور عن الضحاک عن ابن عباس في قوله تعالي:

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» الآية.

قال: يعني بـ «الَّذِينَ يَعْلَمُون» علياً، وأهل بيته من بني هاشم.

«وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» بني أمية.

«أُولُوا الأَلْبابِ» شيعتهم (يعني: شيعة أهل البيت)[3] .

«إِنَّما يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»

الزّمر/ 10

روي العلاّمة المکي موفّق بن أحمد الخوارزمي (الحنفي) (بإسناده المذکور) عن أنس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم):

إذا کان يوم القيامة، ينادون علي بن أبي طالب بسبعة أسماء (يا صديق)، (يا دال)، (يا عابد)، (يا هادي)، (يا مهدي)، (يا فتي)، (يا علي)، مُر أنت وشيعتک إلي الجنة بغير الحساب[4] .

(أقول): يظهر من هذا الحديث أنّ الذين يُعطون الأجر والجنة بغير حساب، هو علي وشيعته، فتکون هذه الآية لهم، وقد کني عنهم القرآن الحکيم، فقال (الصابرون).

«أَ فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلي نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللهِ أُولئِکَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ»

الزّمر/ 22

روي الواحدي في (أسباب النزول) في قوله تعالي:

«أَ فَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلي نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» الآية.

قال: نزلت في علي وحمزة.

«فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ».

قال: نزلت في أبي لهب وأولاده[5] .

وأخرجه أيضاً إبراهيم الوصالي في أسني المطالب[6] .

«ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَکاءُ مُتَشاکِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ»

الزّمر/ 29

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (قال) أخبرنا عقيل بن الحسين (بإسناده المذکور) عن عبد الله بن عباس في قوله الله تعالي:

«ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَکاءُ».

(قال): فالرجل هو أبو جهل، والشرکاء آلهتهم التي يعبدونها، کلُّهم يدّعيها، يزعم أنّه أولي بها.

«ورجلاً» يعني: علياً.

«سلماً» يعني: سلماً دينه لله يعبده وحده لا يعبد غيره.

«لرجل» يعني: لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

«هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً»: في الطاعة والثواب[7] .

وروي هو أيضاً، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي (بإسناده المذکور) عن محمد بن الحنفية، عن علي في قوله تعالي:

«وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ».

قال: أنا ذلک الرجل السلم لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)[8] .

«ثُمَّ إِنَّکُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ»

الزّمر/ 31

روي الثعلبي في تفسيره عند قوله تعالي:

«ثُمَّ إِنَّکُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّکُمْ تَخْتَصِمُونَ».

قال: روي خلف بن خليفة عن أبي هاشم، عن أبي سعيد الخدري قال:

کنا نقول: ربُّنا واحد، ونبيُّنا واحد، وديننا واحد فما هذه الخصومة، فلمّا کان يوم صفين، وشدّ بعضنا علي بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا[9] .

(أقول): (يوم صفين) هو الحرب الواقعة بين علي ومعاوية، ومن المعلوم أنّ صاحب الحق کان علياً (عليه السلام)، والظالم معاوية، لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، في أحاديث متواترة: (يا علي، حربک حربي، وسلمک سلمي).

(الحق مع علي، وعلي مع الحق).

(عليٌّ مع القرآن، والقرآن مع علي).

(عليٌّ يقاتل علي تأويل القرآن، کما قاتلت أنا علي تنزيله).

إلي غير ذلک من مئات الروايات.. ومئات الأحاديث الشريفة.

«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَي اللهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْويً لِلْکافِرِينَ»

الزّمر/ 32

روي العلاّمة، السيد هاشم البحراني (قُدِّس سرُّه)، في کتاب صغير له، قال عنه: (هذه نبذة في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)، نقلتها من کتب أهل السنة) قال:

في مناقب أحمد بن موسي بن مردويه، في قوله تعالي:

«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ کَذَبَ عَلَي اللهِ وَکَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ». عن أمير المؤمنين، قال:

الصدق ولايتنا أهل البيت.

ثم قال العلاّمة البحراني: (أقول: قد فسر بعضهم (يعني: بعض العامة) المکذّب بالصدق بمن ردّ قول الرسول في شأن علي)[10] .

«وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِکَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ»

الزّمر/ 33 ـ 34

روي جلال الدين السّيوطي (الفقيه الشافعي) قال:

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) (في قول الله تعالي):

«وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ»

قال (أبو هريرة): هو رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم).

«وصدق به».

قال: هو علي بن أبي طالب[11] .

وأخرجه العديد من الحفّاظ والأثبات (منهم): عالم الشافعية الکنجي القرشي في کفاية الطالب[12] .

(ومنهم): الحافظ الشافعي أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه[13] رواه عن لبث عن مجاهد.

(ومنهم): المفسّر محمد بن أحمد بن أبي بکر القرطبي في تفسيره[14] .

(ومنهم): العلاّمة الأندلسي أبو حيان في تفسيره البحر المحيط[15] .

(ومنهم): علاّمة الهند عبيد الله بسمل أمر تسري في أرجح المطالب (بأسانيده) عن أبي هريرة ومجاهد[16] .

«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا عَلي ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ کُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»

الزّمر/ 56.

مبغض علي يقول: يا حسرتا...

روي العلاّمة البحراني عن صاحب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) قال:

يروي عن أبي بکر قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) (لعلي بن أبي طالب):

خُلقت أنا وأنت يا علي من جنب الله تعالي.

فقال: يا رسول الله، ما جنب الله تعالي؟

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم): سرٌ مکنونٌ، وعلمٌ مخزونٌ، لم يخلق الله منه سوانا، فمن أحبّنا، وفي بعهد الله، ومن أبغضنا، فإنّه يقول في آخر نفس:

«يا حَسْرَتا عَلي ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ»[17] .

(أقول): الله تعالي ليس بجسم، فليس له جنب، کما ليس له عين، ولا يد، ولا رجل، ولا غيرها، وهذه الألفاظ الواردة في القرآن الحکيم والسنة الشريفة يراد بها غاياتها لا أنفسها ـ کما حقق في الفلسفة الإسلامية ـ فلعل المراد (بجنب الله) شدة القرب المعنوي إلي الله تعالي.

وأخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) قال: في المناقب عن أبي بصير عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) قال: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبته ـ وسرد بعض الخطبة إلي أنْ قال ـ:

قال علي:

(وأنا جنب الله الذي يقول الله تعالي فيه).

«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا عَلي ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ»[18] .









  1. کتاب (ماذا في التاريخ) ج3/ ص156.
  2. غاية المرام/ ص415.
  3. شواهد التنزيل/ ج2/ ص117.
  4. المناقب للخوارزمي/ ص228.
  5. أسباب النزول/ ص263.
  6. أسني المطالب للوصابي/ الفصل الثالث عشر/ أو آخره.
  7. شواهد التنزيل/ ج2/ ص118 ـ 119.
  8. شواهد التنزيل/ ج2/ ص118 ـ 119.
  9. تفسير الثعلبي المخطوط/ ج2/ الورقة 192/ الصفحة الأولي.
  10. الکتاب المذکور/ ص109.
  11. الدر المنثور/ ج5/ ص328.
  12. کفاية الطالب/ ص109.
  13. المناقب لابن المغازلي/ ص269 ـ 270.
  14. تفسير القبرطي/ ج15/ ص256.
  15. البحر المحيط/ ج7/ ص428.
  16. أرجح المطالب/ ص60.
  17. غاية المرام/ ص341.
  18. ينابيع المودّة/ ص495.