سوره قصص











سوره قصص



(وفيها تسع آيات)

1 ـ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ (إلي) مَا کَانُوا يَحْذَرُونَ / 4 ـ 6.

2 ـ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِيکَ / 35.

3 ـ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ / 61.

4 ـ وَرَبُّکَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ (إلي) وَمَا يُعْلِنُونَ / 68 ـ 69.

5 ـ تِلْکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً / 83.

6 ـ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا / 84.

«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ کانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا يَحْذَرُونَ»

القصص/ 4 ـ 6

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: حدثني أبو الحسن القادسي، (بإسناده المذکور) عن المفضّل بن عمر، قال: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول:

(إنّ رسول الله نظر إلي علي والحسن والحسين، فبکي، وقال: أنتم المستضعفون بعدي).

قال المفضّل: فقلت: له ما معني ذلک يا ابن رسول الله؟

قال: معناه أنّکم الأئمّة بعدي، إنّ الله تعالي يقول:

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ».

هذه الآية فينا جارية إلي يوم القيامة[1] .

وروي هو أيضاً، قال: حدّثنا طاهر بن أحمد (بإسناده المذکور) عن حنش عن علي قال:

(من أراد أنْ يسأل عن أمرنا وأمر القوم فإنّا وأشياعنا يوم خلق السماوات والأرض علي سنة موسي وأشياعه، وإنّ عدوّنا يوم خلق السماوات والأرض علي سنّة فرعون وأشياعه.

فليقرأ هؤلاء الآيات:

«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ» الآية.

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ـ إلي قوله ـ يحذرون).

(ثم قال علي):

فأقسم بالذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، وأنزل الکتاب علي موسي صدقاً وعدلاً، ليعطفُن عليکم هؤلاء الآيات عطف الضروس علي ولدها»[2] .

(أقول): قوله (عليه السلام): (يوم خلق السماوات والأرض).

يعني: سبق في علم الله تعالي من يوم خلق السماوات والأرض، أنّ فلاناً، وفلاناً... الخ يعادون أهل البيت، کما عادي فرعون وأتباعه، موسي وأشياعه.

و (الضروس) هي الناقة السيئة الخُلُق التي تعضُّ ولدها، فيقال: (الحرب الضروس) أي الحرب المهلکة للنّاس.

وقوله (عليه السلام): (ليعطفُن عليکم هذه الآيات عطف الضروس علي ولدها) يعني: لتشملنکم ولتحوينکم هذه الآيات کما تشمل وتسيطر الضروس علي ولدها (کناية) عن قطعية وقوع الاستضعاف، ثم الانتصار بعده.

وروي (محمد بن عيسي الترمذي) في صحيحه، بسنده عن سعد بن أبي وقاص، أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي)[3] .

(أقول): فوصي، ووارث العلم من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) هو علي بن أبي طالب، کما أنّ وصي موسي بن عمران کان أخاه هارون.

وأخرج العلاّمة السيد هاشم البحراني في تفسيره عن إمام العامة أبي جعفر محمد بن جرير (بسنده المذکور) عن زاذان عن سلمان، قال: قال لي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) (وسرد حديثاً طويلاً إلي أنْ قال سلمان):

قال (صلي الله عليه وآله وسلّم):

(إي والله، أرسل محمداً بالحق مني (يعني: في زمان وعهد مني) ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة، وکل من هو منا ومعنا وفينا، إي والله، يا سلمان، ليحضرن إبليس وجنوده وکل محض الإيمان محضاً، ومحض الکفر محضاً، حتي يؤخذ بالقصاص والأوتاد والأثوار، ولا يظلم ربُّک أحداً، وتحقق تأويل هذه الآية:

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما کانُوا يَحْذَرُونَ».

قال سلمان: فقمت من بين يدي رسول الله، وما يبالي سلمان لقي الموت، أو الموت لقيه[4] .

(أقول): فعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، ممّن نزلت فيه هاتان الآيتان تأويلاً.

ونقل جار الله الزمخشري ـ أبو القاسم محمود بن عمر ـ المعتزلي في (ربيع الأبرار) عن علي (عليه السلام) أنّه قال: (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها، عطف الضروس علي ولدها).

ثم تلا عقيب ذلک:

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئمّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»[5] .

«سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِيکَ»

القصص/ 35

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: (أخبرنا) الحاکم أبو عبد الله الحافظ (بإسناده المذکور) عن أنس عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) قال:

بعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) مصدقاً إلي قوم، فغدوا علي المصدق فقتلوه، فبلغ ذلک النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) فبعث علياً فقتل المقاتلة وسبي الذّرية.

فبلغ ذلک النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فسرّه.

فلمّا بلغ علي أدني المدينة، تلقاه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم)، فاعتنقه، وقبّل بين عينيه، وقال:

بأبي أنت وأمي، من شدّ الله عضدي به، کما شدّ عضد موسي بهارون[6] .

(أقول): لا مانع من قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) (بأبي أنت وأمي)؛ لثبوت أفضلية علي بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) من جميع الخلق، فهو إذاً أفضل من والديّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلّم) فلا مانع من تغديتهما به.

«أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ کَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ»

القصص/ 61.

أخرج محمد بن جرير الطبري في تفسيره الکبير، عن مجاهد في هذه الآية الکريمة قال:

(نزلت في حمزة، وعلي بن أبي طالب، وأبي جهل)[7] .

ورواه أيضاً الواحدي في أسباب النزول[8] .

«وَرَبُّکَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالي عَمَّا يُشْرِکُونَ * وَرَبُّکَ يَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ»

القصص/ 68 ـ 69

روي العلاّمة البحراني (قُدِّس سرُّه) عن الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي وهو من مشايخ أهل السنة ـ في تفسيره المستخرج من التفاسير الاثني عشر، في تفسير قوله تعالي:

«وَرَبُّکَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ».

يرفعه إلي أنس بن مالک، قال: سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) عن هذه الآية فقال:

إنّ الله خلق (آدم) من الطين کيف يشاء ويختار، وإنّ الله تعالي اختارني وأهل بيتي علي جميع الخلق، فانتجبنا، فجعلني الرسول، وجعل علي بن أبي طالب الوصي.

ثم قال (تعالي):

«ما کانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ».

يعني: ما جعلتُ للعباد أنْ يختاروا، ولکن أختار من أشاء، فأنا وأهل بيتي صفوته وخيرته من خلقه.

ثم قال تعالي: «سبحان الله» يعني: تنزُهاً لله «عمّا يشرکون» به کفار مکة.

ثم قال (تعالي):

«وربّک» يعني: يا محمد، «يَعْلَمُ ما تُکِنُّ صُدُورُهُمْ» من بغض المنافقين لک، ولأهل بيتک «وَما يُعْلِنُونَ» (في الظاهر) من الحب لک ولأهل بيتک[9] .

وأخرج عالم (الحنفية) المتقي الهندي في (کنز العمال) عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال لفاطمة:

(أمّا علمت أنّ الله عزّ وجلّ اِطلع إلي أهل الأرض، فاختار منهم أباک فبعثه نبياً، ثم اِطلع الثانية فاختار بعلک) (الحديث)[10] .

«تِلْکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

القصص/ 83

روي الحافظ سليمان (القندوزي) الحنفي، عن الفقيه (الشافعي) أبي الحسن بن المغازلي في (مناقبه) روي بإسناده عن (زاذان) قال:

رأيت علياً يمسک الشسوع بيده، ثم يمرّ في الأسواق، فيناول الرجل الشسع ويرشد الضال، ويعين الحمال علي الحمولة، ويقرأ هذه الآية:

«تِلْکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

ثم يقول (رضي الله عنه): هذه الآية نزلت في الولاة، وذوي القدرة[11] .

«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَي الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما کانُوا يَعْمَلُونَ».

القصص/ 48.

روي الحافظ الحاکم الحسکاني (الحنفي) قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد (بإسناده المذکور) عن أبي جعفر (محمد بن علي الباقر) يقول:

دخل أبو عبد الله الجدلي علي أمير المؤمنين فقال له (أمير المؤمنين):

يا أبا عبد الله، ألا أخبرک بقول الله تعالي:

«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَي الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما کانُوا يَعْمَلُونَ».

قال: بلي جُعلتُ فداک.

قال: الحسنة حبُّنا أهل البيت، والسيئة بغضنا.

ثم قرأ الآية:

«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَي الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما کانُوا يَعْمَلُونَ»[12] .

(أقول): قال العلاّمة البحراني في (غاية المرام) ـ في تفسير (فله خير منها) ـ.

(قيل): هو أنّ الله تعالي يقبل إيمانه وحسناته وقبول الله سبحانه خير من عمل العبد.

(وقيل): فله خير منها أي: رضوان الله تعالي، قال الله تعالي: «وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَکْبَرُ)[13] ... الخ.









  1. شواهد التنزيل/ ج1/ ص430 ـ 431.
  2. صحيح الترمذي/ ج2/ ص109.
  3. شواهد التنزيل/ ج1/ ص431 ـ 432.
  4. تفسير البرهان/ ج2/ ص406 ـ 407.
  5. ربيع الأبرار/ الورقة (74) للمخطوط في مکتبة کاشف الغطاء.
  6. شواهد التنزيل/ ج1/ ص435.
  7. جامع البيان/ ج20/ ص62.
  8. أسباب النزول/ ص255.
  9. غاية المرام/ ص331.
  10. کنز العمال/ ج6/ ص153.
  11. ينابيع المودّة/ ص.
  12. شواهد التنزيل ج1/ ص425 ـ 426.
  13. غاية المرام/ ص329.