الذين أنكروا علي أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه علي علي











الذين أنکروا علي أبي بکر جلوسه في الخلافة وتقدّمه علي علي



قال الشيخ المؤلّف في نفس المصدر ص461: حدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، قال: حدّثني أبي عن جدّه أحمد بن أبي عبدالله البرقي، قال: حدّثني النُّهيکي، قال: حدّثنا أبو محمّد خلف بن سالم، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن عثمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب، قال: کان الذين أنکروا علي أبي بکر جلوسه في الخلافة، وتقدّمه علي علي ابن أبي طالب(عليه السلام) اثني عشر رجلاً من المهاجرين والانصار.

وکان من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن الاسود، واُبيّ بن کعب، وعمّار بن ياسر، وأبو ذرّ الغفاري، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وبريدة الاسلمي. وکان من الانصار خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل بن حنيف، وأبو أيّوب الانصاري، وأبو الهيثم بن التيّهان، وغيرهم.

فلمّا صعد المنبر ـ يعني أبا بکر ـ تشاوروا بينهم في أمره، فقال بعضهم: هلاّ نأتيه فننزله عن منبر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)، وقال آخرون: إن فعلتم ذلک أعنتم علي أنفسکم، وقال الله عزّوجلّ: (ولا تلقوا بأيديکم إلي التهلکة)البقرة: 192 ولکن امضوا بنا إلي علي بن أبي طالب(عليه السلام) نستشيره ونستطلع أمره، فأتوا عليّاً(عليه السلام) فقالوا: يا أمير المؤمنين ضيّعت نفسک، وترکت حقّاً أنت أولي به، وقد أردنا أن نأتي الرجل، فننزله عن منبر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)، فإنّ الحقّ حقّک وأنت أولي بالامر منه، فکرهنا أن ننزله بدون مشاورتک.

فقال لهم علي(عليه السلام): إن فعلتم ذلک ما کنتم إلا حرباً لهم، ولا کنتم إلا کالکحل في العين، أو کالملح في الزاد. وقد اتّفقت الاُمّة التارکة لقول نبيّها والکاذبة علي ربّها، ولقد شاورت في ذلک أهل بيتي، فأبو إلا السکوت، لما تعلمون من وغر صدور القوم، وبغضهم لله عزّوجلّ ولاهل بيت نبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلک لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب والقتال، کما فعلوا ذلک حتّي قهروني وغلبوني علي نفسي، ولبّبوني وقالوا لي: بايع وإلا قتلناک، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي، وذاک أنّي ذکرت قول رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): «يا علي إنّ القوم إذا نقضوا أمرک، واستبدّوا بها دونک، وعصوني فيک، فعليک بالصبر حتّي ينزل الامر، ألا وإنّهم سيغدرون بک لا محالة، فلا تجعل لهم سبيلاً إلي إذلالک وسفک دمک، وإنّ الاُمّة ستغدر بک بعدي، کذلک أخبرني جبرئيل(عليه السلام) عن ربّي تبارک وتعالي»، ولکن ائتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيّکم، ولا تجعلوه في شبهة من أمره، ليکون ذلک أعظم للحجّة عليه، وأزيد وأبلغ في عقوبته إذا أتي ربّه، وقد عصي نبيّه وخالف أمره.

قال: فانطلقوا حتّي حفّوا بمنبر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم جمعة، فقال للمهاجرين: إنّ الله عزّوجلّ بدأبکم في القرآن، فقال: (لقد تاب الله علي النبيّ والمهاجرين والانصار)التوبة: 117 فبدأبکم.

وکان أوّل من بدأ وقام خالد بن سعيد بن العاص، فقال: يا أبا بکر اتّق الله، فقد علمت ما تقدّم لعلي(عليه السلام) من رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)، ألا تعلم أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) قال لنا ونحن محتوشوه في يوم بني قريظة، وقد أقبل علي رجال منّا ذوي قدر، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): يا معشر المهاجرين والانصار، اُوصيکم بوصيّة فاحفظوها، وانّي مؤدّ إليکم أمراً فاقبلوه، ألا إنّ عليّاً أميرکم من بعدي وخليفتي فيکم، أوصاني بذلک ربّي، وإنّکم إن لم تحفظوا وصيّتي فيه وتُؤووه وتنصروه إختلفتم في أحکامکم، واضطرب عليکم أمر دينکم، وولي عليکم الامر شرارکم، الا وإنّ أهل بيتي هم الوارثون أمري، القائلون بأمر اُمّتي، اللهمّ فمن حفظ فيهم وصيّتي فاحشره في زمرتي، واجعل له من مرافقتي نصيباً يدرک به فوز الاخرة، اللهمّ ومن أساء في خلافتي وأهل بيتي، فاحرمه الجنّة التي عرضها السماوات والارض.

فقال عمر بن الخطّاب: اسکت يا خالد، فلست من أهل المشورة، ولا ممّن يُرضي بقوله.

فقال خالد: اسکت يابن الخطّاب، فوالله إنّک لتعلم أنّک تنطق بغير لسانک، وتعتصم بغير أرکانک، والله إن قريشاً لتعلم أنّي أعلاها حسباً، وأقواها أدباً، وأجملها ذکراً، وأقلّها غنيً من الله ورسوله وأنک ألاّمها حسباً، وأقلّها عدداً، وأخملها ذکراً، وأقلها من الله عزّوجلّ ومن رسوله، وأنّک لجبان عند الحرب، بخيل في الجدب، لئيم العنصر، مالک في قريش مفخر، قال: فأسکته خالد، فجلس.

ثمّ قام أبو ذرّ رحمة الله عليه، فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه: أمّا بعد، يا معشر المهاجرين والانصار، لقد علمتم وعلم خيارکم أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «الامر لعلي(عليه السلام) بعدي، ثم للحسن والحسين(عليهما السلام)، ثمّ في أهل بيتي من ولد الحسين، فاطّرحتم قول نبيّکم، وتناسيتم ما أوعز إليکم، واتّبعتم الدنيا، وترکتم نعيم الاخرة، الباقية التي لا يُهدّم بنيانها، ولا يزول نعيمها، ولا يحزن أهلها، ولا يموت سکّانها، وکذلک الاُمم التي کفرت بعد أنبيائها، بدّلت وغيّرت، فحاذيتموها حذوة القذّة بالقذّة، والنعل بالنعل، فعمّا قليل تذوقون وبال أمرکم، وما الله بظلاّم للعبيد.

قال: ثمّ قام سلمان الفارسي(رحمه الله)، فقال: يا أبا بکر إلي من تستند في أمرک إذا نزل بک القضاء، وإلي من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلم، وفي القوم من هو أعلم منک، وأکثر في الخير أعلاماً ومناقب منک، وأقرب من رسول الله قرابة وقدمة في حياته، قد أوعز إليکم فترکتم قوله، وتناسيتم وصيّته، فعمّا قليل يصفو لکم الامر حين تزورون القبور، وقد أثقلت ظهرک من الاوزار لو حُملت إلي قبرک لقدِمت علي ما قدّمت، فلو رجعت إلي الحق، وأنصفت أهله، لکان ذلک نجاة لک يوم تحتاج إلي عملک، وتُفرد في حفرتک بذنوبک عمّا أنت له فاعل، وقد سمعت کما سمعنا، ورأيت کما رأينا، فلم يروعک ذلک عمّا أنت له فاعل، فالله الله في نفسک، فقد أعذر من أنذر.

ثمّ قام المقداد بن الاسود رحمة الله عليه، فقال: يا أبا بکر اربع[1] علي نفسک، وقس شبرک بفترک، والزم بيتک، وابکِ علي خطيئتک، فإنّ ذلک أسلم لک في حياتک ومماتک، وردّ هذا الامر إلي حيث جعله الله عزّوجل ورسوله، ولا ترکن إلي الدنيا، ولا يغرنّک من قد تري من أوغادها[2] ، فعمّا قليل تضمحلّ عنک دنياک، ثمّ تصير إلي ربّک فيجزيک بعملک، وقد علمت أنّ هذا الامر لعلي(عليه السلام) وهو صاحبه بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)، وقد نصحتک إن قبلت نصحي.

ثمّ قام بريدة الاسلمي، فقال: يا أبا بکر نسيت أم تناسيت، أم خادَعَتک نفسک، أما تذکر إذ أمرنا رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) فسَلّمنا علي علي(عليه السلام) بإمرة المؤمنين، ونبيّنا بين أظهرنا، فاتّق الله ربّک، وأدرک نفسک قبل أن لا تدرکها، وأنقذها من هلکتها، ودع هذا الامر، ووکله إلي من هو أحقّ به منک، ولا تماد في غيّک، وارجع وأنت تستطيع الرجوع، فقد نصحتک نصحي، وبذلت لک ما عندي. فإن قبلت وُفّقت ورُشدت.

ثمّ قام عبد الله بن مسعود، فقال: يا معشر قريش قد علمتم وعلم خيارکم أنّ أهل بيت نبيّکم أقرب إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) منکم، وإن کنتم إنّما تدّعون هذا الامر بقرابة رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وتقولون: إن السابقة لنا، فأهل بيت نبيّکم أقرب إلي رسول الله منکم، وأقدم سابقة منکم، وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) صاحب هذا الامر بعد نبيّکم، فأعطوه ما جعله الله له، ولا ترتدّوا علي أعقابکم فتنقلبوا خاسرين.

ثمّ قام عمّار بن ياسر، فقال: يا ابا بکر لا تجعل لنفسک حقّاً جعله الله عزّوجلّ لغيرک، ولا تکن أوّل من عصي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وخالفه في أهل بيته، واردد الحقّ إلي أهله، تخفّ ظهرک، وتقِل وزرک، وتلقي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وهو عنک راض، ثمّ تصير إلي الرحمن، فيحاسبک ويسألک عمّا فعلت.

ثمّ قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فقال: يا أبا بکر ألست تعلم أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهَد بالله أنّي سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «أهل بيتي يفرّقون بين الحقّ والباطل، وهم الائمّة الذين يقتدي بهم».

ثمّ قام أبو الهيثم بن التيّهان، فقال: يا أبا بکر أنا أشهد علي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أنـّه أقام عليّاً، فقالت الانصار: ما أقامه إلاّ للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلاّ ليُعلم الناس أنـّه وليّ من کان رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) مولاه، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنّ أهل بيتي نجوم أهل الارض، فقدّموهم ولا تَقدَّموهم».

ثمّ قام سهل بن حنيف، فقال: أشهد أنّي سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) قال علي المنبر: «إمامکم من بعدي علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهو أنصح الناس لاُمّتي».

ثمّ قام أبو أيّوب الانصاري، فقال: اتّقوا الله في أهل بيت نبيّکم، وردّوا هذا الامر إليهم، فقد سمعتم کما سمعنا، في مقام بعد مقام من نبيّ الله(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّهم أولي منکم، ثمّ جلس.

ثمّ قام زيد بن وهب، فتکلّم، وقام جماعة من بعده، فتکلّموا بنحو هذا، فأخبر الثقة من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّ أبا بکر جلس في بيته ثلاثة أيّام، فلمّا کان اليوم الثالث أتاه عمر بن الخطّاب، وطلحة، والزبير، وعثمان بن عفّان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجرّاح، مع کل واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم، شاهرين السيوف، فأخرجوه من منزله وعلا المنبر، وقال قائل منهم: والله لئن عاد منکم أحد فتکلّم مثل الذي تکلّم به، لنملانّ أسيافنا منه، فجلسوا في منازلهم ولم يتکلّم أحد بعد ذلک.









  1. اربع علي نفسک: أي توقّف واقتصر علي حدّک. وقس شبرک بفترک: أي: لا تتجاوز الحدّ والفتر: ما بين الابهام والسّبابه.
  2. الوغد: الضعيف العقل، الاحمق، الدنيء.