باب في حرب الجمل











باب في حرب الجمل



ومما ذکره في واقعة حرب الجمل في المناقب [2: 334 ط. النجف و 3: 148 ط. ايران] عن ابن عبّاس: لمّا علم الله أنّه ستجري حرب الجمل، قال لازواج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): (قرن في بيوتکنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الاُولي) وقال تعالي: (يا نساء النبيّ من يأت منکنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين) في حربها مع علي(عليه السلام).

وروي شعبة، والشعبي، وابن مردويه، والخوارزمي في کتبهم بالاسانيد، عن ابن عبّاس، وابن مسعود، وحذيفة، وقتادة، وقيس بن أبي حازم، واُمّ سلمة، وميمونة، وسالم بن أبي الجعد، واللفظ له: انّه ذکر النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) خروج بعض نسائه، فضحکت عائشة، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): اُنظري يا حميراء لا تکونين هي، ثمّ التفت إلي علي، فقال: يا أبا الحسن ان وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها.

قال الزاهي:


کـم نُهِيت عن تبرّج فعصت
وأصبحت للخلاف متّبعه


قال لها في البيوت قرّي
فخالفته العفيفة الورعه


وقال السوسي:


وما للنساء وحرب الرجال
فهل غلبت قط اُنثي ذکر


ولو أنّها لزِمَت بيتَها
ومغزلها لم يَنلْها ضرر


وقال الحميري:


وجاءت مع الاشقَيْنَ في هودج
تزجي إلي البصرة أجنادها


کـأنّهـا فـي فعـلهـا هـِرّة
تـريـد أن تـأکـل أولادهـا


وقال الاحنف بن قيس:


حجابُکِ أخفي للذي تسترينه
وصدرک أوعي للذي لا أقولها


فلا تسلکنّ الوعر صعباً محالة
فتغبر من سحب الملاء ذيولها


وذکر ابن أبي الحديد في شرح النهج [2: 76] بعض کلام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بعد فراغه من حرب الجمل في ذمّ النساء: معاشر الناس، إنّ النساء نواقص الايمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في ايّام حيضهنّ، وأمّا نقصان عقولهنّ، فشهادة امراتين کشهادة الرجل الواحد، وأمّا نقصان حظوظهنّ، فمواريثهنّ علي الانصاف من مواريث الرجال، فاتّقوا شرار النساء، وکونوا من خيارهنّ علي حذر، ولا تطيعوهُّن في المعروف حتّي لا يطمعن في المنکر. انتهي.

قال ابن أبي الحديد: وهذا الفصل کلّه رمز إلي عائشة، ولا يختلف أصحابنا في أنـّها فيما فعلت، ثمّ تابت وماتت تائبة، وأنّها من أهل الجنّة، وقال کلّ من صنّف في السير والاخبار: إنّ عائشة کانت من أشد الناس علي عثمان، حتّي أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) فنصبته في منزلها، وکانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) لم يبل وعثمان قد أبلي سنّته، قالوا: أوّل من سمَّي عثمان نعثلاً عائشة، والنعثل الکثير شعر اللحية والجسد، وکانت تقول: اُقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلا.

وروي المدائني في کتاب الجمل، قال: لمّا قُتل عثمان کانت عائشة بمکة، وبلغ قتله إليها وهي بشراف، فلم تشکَّ في انّ طلحة بن عبيد الله ـ ابن عمّها ـ هو صاحب الامر، وقالت: بُعداً لنعثل وسُحقاً، إيه ذا الاصبع إيه أبا الشبل، ايه يابن عمّ، لکأني أنظر إلي إصبعه وهو يبايَع، له حثو الابل ودعدعوها، قال: وکان طلحة حين قُتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال، وأخذ نجائب لعثمان في داره، ثمّ فسد أمره، فدفعها إلي علي(عليه السلام).

وقال أبو مخنف لوط بن يحيي الازدي في کتابه: إنّ عائشة لمّا بلغها قتل عثمان وهي بمکّة، أقبلت مُسرعة وهي تقول: ايه ذا الاصبع لله أبوک، أما إنّهم وجدوا طلحة لها کفؤاً، فلمّا انتهت إلي شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي، فقالت له: ما عندک؟ قال: قتل عثمان، قالت: ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ حارت بهم الاُمور إلي خير محار، بايعوا عليّاً، قالت: لو دِدتُ أنّ السماء انطبقت علي الارض إِن تَمَّ هذا، ويحک اُنظر ماذا تقول؟ قال: هو ما قلتُ لکِ يا اُمّ المؤمنين فولولت فقال لها: ما شأنکِ يا اُم المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابيتها أحدًا أولي بها منه ولا أحق، ولا أري له نظيراً في جميع حالاته، فلم تکرهين ولايته؟ قال: فما ردّت عليه جواباً.

وقد روي من طرق مختلفة أنّ عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمکّة، قالت: أبعده الله، ذلک بما قدّمت يداه، وما الله بظلاّم للعبيد.

وروي قيس بن أبي حازم: أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان، وکان مع عائشة لمّا بلغها قتله، فتحمل إلي المدينة، قال: فسمعها تقول في بعض الطريق: أيه ذا الاصبع، وإذا ذکرت عثمان، قالت: أبعده الله، حتّي أتاها خبر بيعة علي، فقالت: لو دِدْت أنّ هذه وقعت علي هذه، ثمّ أمرت بردّ رکابها إلي مکّة، فرددت معها، ورأيتُها في سيرها إلي مکّة تخاطب نفسها کانّها تخاطب أحداً: قتلوا ابن عفّان مظلوماً، فقلت لها: يا اُمّ المؤمنين، ألم أسمعک آنفا تقولين أبعده الله، وقد رأيتکِ قبلُ أشدّ الناس عليه وأقبحهم فيه قولاً؟

فقالت: لقد کان ذلک، ولکنّي نظرت في امره، فرأيتهم استتابوه حتّي ترکوه کالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوه.

وروي من طريق آخر أنّها قالت لمّا بلغها قتله: أبعده الله، قتله ذنبه، وأقاده الله بعمله، يا معشر قريش، لا يسومنّکم قتل عثمان کما سام أحمر ثمود قومه، إنّ أحقّ الناس بهذا الامر ذو الاصبع، فلمّا جاءت الاخبار ببيعة علي: قالت تعسوا تعسوا، لا يردّون الامر في تيم أبداً.

کتب طلحة والزبير الي عائشة وهي بمکّة کتباً: ان خذّلي الناسَ عن بيعة علي، وأظهري الطلب بدم عثمان، وحملا الکتب مع ابن اختها عبد الله بن الزبير فلما قرأت الکتب کاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان، وکانت اُمّ سلمة (رض) بمکّة في ذلک العام، فلمّا رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلک، وأظهرت موالاة علي(عليه السلام) ونصرته، علي مقتضي العداوة المرکوزة في طباع الضرّتين.

قوله «لا دکان» صفة السيف، وهو من دکن الثوب: اتّسخ وأغبر لونه. ودثر السيف: أي رکبه الصداء.