الي يوم القيامة











الي يوم القيامة



إنّ ممّا قلته فيما سبق في مقدّمة الحديث العشرين من هذا الکتاب أنّ ضربة واحدة من ضرباته(عليه السلام) تعدل عمل الاُمّة إلي يوم بعثها.

وذلک باعتبار ما أخرجه الحاکم في مستدرکه [3: 32] مسنداً عن سفيان الثوري أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتي إلي يوم القيامة.

ومن هذا القبيل أيضاً قال(صلي الله عليه وآله وسلم): برز الايمان کلّه إلي الشرک کلّه، ذکره الامام المظفّر في دلائل الصدق [2: 402] وإليک أيّها القاريء الکريم لفظه:

لما جعل رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً کلّ الايمان، دلّ علي أنـّه قوامه، وأنّه أفضل إيماناً وأثراً من جميع المؤمنين، إذ لم يقم لهم إيمان لولاه، والافضل أحقّ بالامامة، ويشهد لفضله عليهم في الاثر، ما جاء عن رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): لضربة علي أفضل من عبادة الثقلين، أو لمبارزة علي لعمرو أفضل من أعمال اُمّتي إلي يوم القيامة.

وهذا ممّا يؤيّده قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): الساعي بالخير کفاعله، ويقضي به العقل إذ بقتل أمير المؤمنين(عليه السلام) لعمرو، خمدت جمرة الکفر، وانکسرت عزيمة الشرک، فکان(عليه السلام)هو السبب في بقاء الايمان واستمراره، وهو(عليه السلام) السبب في تمکين المؤمنين من عبادتهم إلي يوم الدين، لکن هذا ببرکة النبيّ الحميد ودعوته في الدين، فإنّ عليّاً حسنة من حسناته، فلا أفضل من سيّد الوصيّين إلاّ سيّد المرسلين. زاد الله في شرفهما، وصلّي عليهما وآلهما الطاهرين. انتهي.

فمن أجل ذلک أيضاً صرح عمر بن الخطاب معترفاً بفضل عظيم عمله(عليه السلام)للاسلام حيث قال: لو لا سيف علي ما قام عمود الاسلام، ذکره ابن أبي الحديد في شرح النهج [3: 115].

قال: وروي أبو بکر الانباري في أماليه أنّ عليّاً(عليه السلام) جلس إلي عمر في المسجد وعنده ناس، فلمّا قام عرض واحد بذکره ونسبه إلي التيه والعجب، فقال عمر: حقّ لمثله أن يتيه، والله لو لا سيفه لما قام عمود الاسلام، وهو بعد أقضي الاُمّة وذو سابقتها وذو شرفها، فقال له ذلک القائل: فما منعکم يا أمير المؤمنين؟ قال: کرهنا علي حداثة السنّ وحبّه بني عبد المطلّب...

ورواه أيضاً الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد [13: 19] کما في فضائل الخمسة للسيّد مرتضي الحسيني [2: 321] وذکره الفخر الرازي أيضاً في تفسيره الکبير في ذيل تفسير سورة القدر، قال: ـ يعني النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ـ لمبارزة علي مع عمرو بن عبد ود أفضل من عمل اُمّتي إلي يوم القيامة.

وفي المستدرک [3: 32] روي بسنده عن ابن اسحاق، قال: کان عمرو بن عبد ودّ ثالث قريش، وکان قاتل يوم بدر حتّي أثبتته الجراحة، ولم يشهد اُحداً، فلمّا کان يوم الخندق خرج معلماً ليري مشهده، فلمّا وقف هو وخيله، قال له علي(عليه السلام): يا عمرو قد کنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوک رجل إلي خلّتين إلاّ قبلت منه إحداهما، فقال عمرو: أجل، فقال له علي(عليه السلام): فإنّي أدعوک إلي الله عزّوجلّ وإلي رسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) والاسلام، فقال: لا حاجة لي في ذلک، قال: فإنّي أدعوک إلي البراز، قال: يا ابن أخي لم؟ فوالله ما اُحبّ أن اقتلک، فقال علي: لکنّي والله أحبّ أن أقتلک فحمي عمرو، فاقتحم عن فرسه فعقره، ثمّ أقبل فجاء إلي علي، وقال: من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا له يا نبيّ الله، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّه عمرو بن عبد ود، اجلس، فنادي عمرو ألا رجل؟ فاذن له رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)فمشي إليه علي(عليه السلام)، وهو يقول:


لا تعجـلن فـقد أتـاک
مجيب صوتک غير عاجز


ذو نـبـهـة وبـصيـرة
والصدق منج کلّ فائز


إنّـي لارجـو أن اُقـيم
عليک نائحة الجنائز


مـن ضربـة نـجلاء
يبقي ذکرها عند الهزاهز


فقال له عمرو: من أنت؟ قال: علي، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد مناف، أنا علي بن أبي طالب، فقال: عندک يا ابن أخي من اعمامک من هو أسنّ منک، فانصرف فإنّي أکره أن اُهريق دمک، فقال علي: لکنّي والله ما اکره أن اُهريق دمک، فغضب، فنزل، فسلّ سيفه کأنّه شعلة نار، ثمّ اقبل نحو علي(عليه السلام) مغضباً واستقبله علي(عليه السلام) بدرقته، فضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي(عليه السلام) علي حبل العاتق، فسقط وثار العجاج، فسمع رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)التکبير، فعرف أنّ عليّاً(عليه السلام) قتله.

إلي أن قال: ثمّ أقبل علي نحو رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) ووجهه يتهلل، فقال(عليه السلام): ضربته فاتقاني بسوأته، واستحييت (ابن عمّي) أن استلبه، وخرجت خيله منهزمة حتّي أقحمت من الخندق.

وممّا ذکره الشبلنجي في نور الابصار [ص98] يقول عمرو: أين حميّتکم؟ أين جَنّتکم التي تزعمون أن من قتل دخلها؟ أفلا يبرز إليّ رجل منکم؟ فجاء علي(عليه السلام)إلي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال له: أنا له يا رسول الله، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّه عمرو، وقال(عليه السلام): وإن کان عمراً، فأذن له في مبارزته، ونزع عمامته عن رأسه وعمّم عليّاً(رضي الله عنه) بها، وقال: امض لشأنک، فخرج علي وعمرو يقول:


ولقد بححت من النداء
لجمعکم هل من مبارز


ووقفت اذ وقف الشجاع
مواقف القرن المناجز


وکذاک انّي لم أزل
متبرّعاً قبل الهزاهز


إنّ الشجاعة في الفتي
والجود من خير الغرائز


فأجابه علي(عليه السلام)، فقال:


لا تعجلن فقد أتاک
مجيب صوتک غير عاجز


إلي آخر الابيات الماضية.


وممّا ذکره ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 325 ط. النجف و3: 136 ط. ايران]نقلاً عن الطبري والثعلبي، قال علي(عليه السلام): يا عمرو، إنّک کنت في الجاهليّة تقول: لا يدعوني أحد إلي ثلاثة إلاّ قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل، قال: فإنّي أدعوک إلي شهادة أن لا إله إلاّ الله، وانّ محمّداً رسول الله، وان تسلم لربّ العالمين، قال: أخّرعنّي هذه، قال(عليه السلام): إنّها خير لک إن أخذتها، ثمّ قال(عليه السلام): ترجع من حيث جئت، قال: لا تحدّث نساء قريش بهذا أبداً، قال(عليه السلام) تنزل تقاتلني، فضحک عمرو، وقال: ما کنت أظن أحداً من العرب يرومني عليها، وانّي أکره أن اقتل الرجل الکريم مثلک، وکان أبوک لي نديماً، قال(عليه السلام): لکنّي اُحبّ أن أقتلک، قال: فتناوشا فضربه عمرو في الدرقة فقدّها وأثبت فيه السيف وأصاب رأسه فشجّه، وضربه علي علي عاتقه فسقط.