باب في نداء جبريل بفتوته وعظيم مواساته











باب في نداء جبريل بفتوته وعظيم مواساته



روي إمام المعتزلة ابن أبي الحديد في شرح النهج [3: 272] أنّه لمّا فرّ مُعظم أصحابه عنه(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم اُحد، کثرت عليه کتائب المشرکين، وقصدته کتيبة من بني کنانة، ثمّ من بني عبد مناة بن کنانة فيها بنو سفيان بن عوف، وهم: خالد بن سفيان، وغراب بن سفيان، وأبو شعثاء بن سفيان، وأبو الحمراء بن سفيان، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): يا علي اکفني هذه الکتيبة، فحمل عليها وانّها لتقارب خمسين فارساً، وهو(عليه السلام) راجل، فما زال يضربها بالسيف حتّي تتفّرق عنه، ثمّ تجتمع عليه هکذا مراراً، حتّي قتل بني سفيان بن عوف الاربعة، وتمام العشرة منها ممّن لا يعرف بأسمائهم.

فقال جبريل(عليه السلام): يا محمّد، إنّ هذه لمواساة لقد عجبت الملائکة من مواساة هذا الفتي، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): وما يمنعه وهو مني وأنا منه؟ فقال جبريل: وأنا منکما، قال: وسمع ذلک اليوم صوت من قِبَل السماء، لا يُري شخصُ الصارخ به ينادي مراراً: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي، فسُئل رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)عنه. فقال: هذا جبريل.

قال ابن أبي الحديد: وقد روي هذا الخبر جماعة من المحدّثين، وهو من الاخبار المشهورة، ووقفتُ عليه في بعض نسخ مغازي محمّد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سکينة(رحمه الله) عن هذا الخبر، فقال خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو کلّما صحيحاً تشتمل عليه کتبُ الصحاح؟ کم قد أهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة.

وقال الامام المظفّر في دلائله [2: 466]: وأمّا صدور النداء يوم بدر، فقد تقدّمت روايته في أوّل البحث، وأشار إليه سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواصّ. ونقل أيضاً عن أحمد في الفضائل، وصحّح وقوع النداء يوم خيبر، وانّهم سمعوا تکبيراً من السماء ذلک اليوم، وقائلاً يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي، فاستأذن حسّان بن ثابت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) أن ينشد شعراً، فأذن له، وقال:


جبريـل نادي معـلناً
والنقـع ليس ينجلي


والمسلمـون أحدقـوا
حـول النبيّ المـرسل


لا سيـف إلاّ ذو الفقـا
رولا فـتي إلاّ عـلي


فلا ريب بصدور النداء بذلک من جبريل، ولو في أحَد هذه المواطن الثلاثة، وهو صريح في نفي الفُتوّة ـ أي السخاء بالنفس ـ عن غير علي(عليه السلام)، فيدل علي أنّه أسخي الناس بنفسه لله وأطوعهم له، والفضل في الطاعة فرع الفضل الذاتي، والافضل أحقّ بالامامة، ويشهد لفضله الذاتي قول النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)في الحديث: هو منّي وأنا منه، وقول جبريل: وأنا منکما.

قال الحافظ الشهير محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب [2: 307 ط. النجف و3: 113 ط. ايران]: جهاده(عليه السلام) نوعان، في حال حياة النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، ففي حال حياته(صلي الله عليه وآله وسلم) ما کانت حرب إلاّ وله(عليه السلام) أثر فيها.

قال أبو تمام الطائي:


أخوه إذا عُدّ الفخارُ وصهره
فلا مثله أخ ولا مثله صهر


وشُدّ به أزرُ النبيّ محمّد
کما شدّ في موسي بهارونه الازر


وما زال لباساً دياجير غمرة
يمزّقها عن وجهه الفتح والنصر


هو السيف سيف الله في کلّ موطن
وسيف الرسول لا دکان ولا دثر[1] .


فأي يد للظلم لم يَبِر زندها
ووجه ضَلال ليس فيه له إثر


ثوي وأهلّ الدين أمنٌ بجِدِه
وللوا صمين الدين في حدِه أثر


يسدّ به الثغر المخوف من الردي
ويعتاض من أرض العدوّ به الثغر


باُحد وبدر حين هاج برَجله
ففرسانه احدّ وهّاج به بدر


ويوم حنين والنضير وخيبر
وبالخندق الثاوي بعُقوَته عمرو


سما للمنايا الحمر حتّي تکشّفت
وأسيافه حمر وأرماحه حمر


مشاهد کان الله شاهد کربها
وفارجها والامر ملتبس أمر


وقال الصاحب:


عجبت ملائکة السماء لحربه
في يوم بدر والجهاد جهاد


فحکاه عنه جبرئيل لاحمد
اسناد مجد ليس فيه سياد


صرع الوليد لموقف شاب الوليد
لهوله وتَهَارَب الاعضاد


وأذاق عتبة بالحسام عقوبة
حسمت بها الادواء وهي تلاد


أحلاف حرب أرضعوا أخلافها
فکأنّهم لحروبهم أولاد


ما کان في قتلاه إلاّ باسل
فکأنّما صَمُصامُه نقّاد


وقال الحميري:


من کان أوّل من أباد بسيفه
کُفّار بدر واستباح دماءَ


من ذاک نوّه جبرئيل بإسمه
في يوم بدر يسمعون نداء


لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي
إلاّ علي رفعة وعلاءَ


وله أيضاً:


وله بلاء يوم اُحد صالح
والمشرفيّة تأخذ الادبارا


إذ جاء جبريل فنادي معلناً
في المسلمين وأسمع الابرارا


لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي
إلاّ علي إن عددت فخارا


وقال ابن المنتظر الانصاري:


ومن ينادي جبرئيل معلناً
والحرب قد قامت علي ساق الوري


لا سيف إلاّ ذو الفقار فاعلموا
ولا فتي إلاّ علي في الوغي


وقال ابن حماد:


من ذا الذي فجع اليهود بمرحب
إذ هابَهُ عُمر وفرّ فرارا


وأتي يجبّن صحبه وجميعهم
قد صادفوه هوائلا غوارا


قال النبيّ لاحبُوَنَّ برايتي
من عاش لانکساً ولا خوّارا


رجلاً أحبّ إلهه وأحبّه
لا ينثني حتّي يبيح ديارا


فدعا أبا حسن فجاء وعينه
رمداء أشهره به اشهارا


فشفاه ممّا قد دعاه بتفلة
وأجاره منها فعاش مجارا


فسما بخيبر واستباح حريمهم
واجتثّهم من أصلهم وابارا


وقال ابن الحجّاج:


فديت فتي دعاه جبرئيل
وهم بين الخنادق في الحصار


وعمراً قد سقاه الموت صرفاً
ذباب السيف مشحوذ الغرار


دعا أن لا فتي إلاّ علي
وأن لا سيف إلاّ ذو الفقار


وقال آخر:


خذ الراية الصفراء أنت أميرها
وأنت لکشف الکرب في الحرب تذخر


وأنت غداً في الحشر لا شکّ حامل
لوائي وکلّ الخلق نحوک تنظر


فصادفه شرّ البريّة مرحب
علي فرس عال من الخيل أشقر


فجدله في ضربة مع جواده
وأهوي ذبال السيف في الارض يحفر


ومرّ أمين الله في الجو قائلاً
وقد أظهر التسبيح وهو مکبر


ولا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي
لمعرکة إلاّ علي الغضنفر


وذکر ابن شهرآشوب في المناقب [2: 327 ط. النجف و3: 134 ط. ايران] شطراً من قتاله(عليه السلام)يوم الاحزاب مع عمرو بن عبد ودّ أنّه لمّا قدم علي(عليه السلام)برأس عمرو استقبله الصحابة، فقبل أبو بکر رأسه، وقال المهاجرون والانصار: رهين شکرک ما بقوا.

وروي الواقدي والخطيب الخوارزمي عن عبد الرحمن السعدي باسناده عن بهرم بن حکيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل اُمّتي إلي يوم القيامة.

قال أبو بکر بن عياش: لقد ضرب علي ضربة ما کان في الاسلام أعزّ منها، وضُرب ضربة ما کان فيه أشأم منها.

ومن کلمات السيّد الحميري:


وفي يوم جاء المشرکون بجمعهم
وعمرو بن عبد في الحديد مقنّع


فجدله شلواً صريعاً لوجهه
رهيناً بقاع حوله الضبع يجمع


وأهلکهم ربّي ورُدّوا بغيظهم
کما اُهلکت عاد الطغاة وتُبّع


وقال المرزکي:


وفي الاحزاب جاءتهم جيوش
تکاد الشامخات لها تميد


فنادي المصطفي فيه عليّاً
وقد کادوا بيثرب أن يکيدوا


فأنت لهذه ولکلّ يوم
تذل لک الجبابرة الاسُود


سقيت العامري کؤوس حتف
فهُزّمتِ الجحافل والجنود


وروي ابن شهرآشوب في المناقب [2: 330 ط. النجف و3: 143 ط. ايران]عن ابن قتيبة في المعارف، والثعلبي في الکشف والبيان: الذين ثبتوا مع النبيّ يوم حنين بعد هزيمة الناس: علي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ونوفل، وربيعة أخواه، والفضل بن العبّاس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن مولي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وکان العبّاس عن يمين النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وابنه الفضل عن يساره(صلي الله عليه وآله وسلم)، وأبو سفيان ممسک بسرجه عند نفر بغلته، وسائرهم حوله، وعلي يضرب بالسيف بين يديه، وفيه يقول العباس:


نصرنا رسول الله في الحرب تسعة
وقد فرّ مَنْ قد فرّ عنه فأقشعوا


وقال مالک الغافقي:


لم يواس النبيّ غير بني ها
شم عند السيوف يوم حنينَ


هرب الناس غير تسعة رهط
فهم يهتفون للناس أينَ


ثمّ قاموا مع النبيّ علي المو
ت فآبوا زَينًا لنا غير شينَ


وقال خطيب منيح:


وقد ضاقت فُجاج الارض جمعاً
عليهم ثمّ ولَّوا مدبرينا


وليس مع النبيّ سوي عليّ
يقارع دونه المتحاربينا


وعبّاس يصيح بهم أثيبوا
ليثبتهم وهم لا يثبتونا


فأومي جبرئيل إلي علي
وقد صار الثري بالنقع طينا


فقال هو الوَفيّ فهل رأيتم
وفيًّا مثله في العالمينا


أخرج ابن المغازلي الشافعي في المناقب [ص197 بالرقم: 234] باسناده عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه قال: نادي المنادي يوم اُحد: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

قال المحقّق في ذيل الکتاب: أخرجه العلامة الطبري في تاريخه [2: 514 ط. دار المعارف] بالاسناد إلي حبّان بن علي، عن محمّد بن عبيد الله. ونقله أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني [15: 192 ط. دار الکتب] وفيه: فقال جبريل: يا رسول الله إنّ هذه للمواساة، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): وما يمنعه وهو منّي وأنا منه؟ فقال جبريل: وأنا منکما، قال: فسمعوا صوتاً: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلا علي.

وقال أيضاً: أخرجه أيضاً الخطيب الخوارزمي في مناقبه [ص104] عن محمّد بن إسحاق صاحب السيرة، وقال فيه: هاجت ريح في ذلک اليوم، فسمع مُناد يقول: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

وأخرجه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال [3: 324 بالرقم: 6613]وقال: لحقه محمّد بن جرير، ونقله الحافظ العسقلاني في لسان الميزان [4: 406]وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد [6: 114] ورواه الطبراني وأخرجه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي [ص68] وقال: وأخرجه أحمد في المناقب.

وأخرجه ابن المغازلي في [ص198 بالرقم: 235] باسناده عن سعد بن طريف الحنظلي، عن أبي جعفر محمّد بن علي، قال: نادي مَلَک من السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

قال المحقق في تذييله: أخرجه الکنجي الشافعي في کفاية الطالب [في الباب 69 ص277 ـ 280] بطرق عديدة من مشايخه، کلهم بالاسناد إلي أبي اسماعيل بن محمّد بن اسماعيل الصفّار النحوي بعين السند والمتن، ثمّ قال: أجمع أئمّة الحديث علي نقل هذا الجزء کابراً عن کابر رزقناه عالياً بحمد الله عن الجمّ الغفير کما سقناه، ورواه الحاکم مرفوعاً، وأخرجه البيهقي في مناقبه.

ثم قال: راجع سنن البيهقي [3: 276] مستدرک الصحيحين [2: 385]مناقب الخوارزمي [ص103] الرياض النضرة للطبري [2: 190] ذخائر العقبي للطبري [ص74].

رواية ابن جرير الطبري في تاريخه [2: 197] علي ما في فضائل الخمسة [2: 317] روي بسنده عن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه، قال: لمّا قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام) أصحاب الالوية أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) جماعة من مشرکي قريش، فقال لعلي: احملْ عليهم، فحمل عليهم، ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي.

قال: ثم أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) جماعة من مشرکي قريش، فقال لعلي(عليه السلام): احمل عليهم، فحمل عليهم، ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالک أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبريل: يا رسول الله، إنّ هذه للمواساة، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبريل: وأنا منکما. قال: فسمعوا صوتاً: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

وفي کنز العمّال [3: 154] روي بسنده عن أبي ذرّ، قال: لمّا کان أوّل يوم في البيعة لعثمان اجتمع المهاجرون والانصار في المسجد، وجاء علي بن أبي طالب(عليه السلام) فأنشا يقول: إنّ أحقَّ ما ابتدأ المبتدئون، ونطق به الناطقون، حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة علي النبيّ محمّد.

فقال(عليه السلام): الحمد لله المتفرّدِ بدوام البقاء ـ وساق الخطبة ـ إلي أن قال: اُناشدکم الله، انّ جبريل نزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّد لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي، فهل تعلمون هذا کان لغيري؟ الحديث.

وفي ذخائر العقبي للطبري [ص74] وفي الرياض النضرة [2: 190] قال: عن أبي جعفر محمّد بن علي(عليهم السلام)، قال: نادي ملک من السماء يوم بدر يقال له رضوان: أن لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

وفي دلائل الصدق [2: 535] قال الشيخ المؤلّف الامام مظفّر: وقد أجمع الناس کافّة علي أنّ عليّاً(عليه السلام) کان أشجع الناس بعد النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وتعجبت الملائکة من حَملاته، وفضّل النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قتله عمرو بن عبد ودّ علي عبادة الثقلين، ونادي جبريل: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

وروي الجمهور أنّ المشرکين کانوا إذا أبصروا عليّاً في الحرب عهد بعضهم إلي بعض.









  1. قوله «لا دکان» صفة السيف، وهو من دکن الثوب: اتّسخ وأغبر لونه. ودثر السيف: أي رکبه الصداء.