باب في نداء جبريل بفتوته وعظيم مواساته
فقال جبريل(عليه السلام): يا محمّد، إنّ هذه لمواساة لقد عجبت الملائکة من مواساة هذا الفتي، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): وما يمنعه وهو مني وأنا منه؟ فقال جبريل: وأنا منکما، قال: وسمع ذلک اليوم صوت من قِبَل السماء، لا يُري شخصُ الصارخ به ينادي مراراً: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي، فسُئل رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)عنه. فقال: هذا جبريل. قال ابن أبي الحديد: وقد روي هذا الخبر جماعة من المحدّثين، وهو من الاخبار المشهورة، ووقفتُ عليه في بعض نسخ مغازي محمّد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً عنه، وسألت شيخي عبد الوهّاب بن سکينة(رحمه الله) عن هذا الخبر، فقال خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه؟ قال: أو کلّما صحيحاً تشتمل عليه کتبُ الصحاح؟ کم قد أهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة. وقال الامام المظفّر في دلائله [2: 466]: وأمّا صدور النداء يوم بدر، فقد تقدّمت روايته في أوّل البحث، وأشار إليه سبط ابن الجوزي في تذکرة الخواصّ. ونقل أيضاً عن أحمد في الفضائل، وصحّح وقوع النداء يوم خيبر، وانّهم سمعوا تکبيراً من السماء ذلک اليوم، وقائلاً يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي، فاستأذن حسّان بن ثابت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) أن ينشد شعراً، فأذن له، وقال: جبريـل نادي معـلناً والمسلمـون أحدقـوا لا سيـف إلاّ ذو الفقـا فلا ريب بصدور النداء بذلک من جبريل، ولو في أحَد هذه المواطن الثلاثة، وهو صريح في نفي الفُتوّة ـ أي السخاء بالنفس ـ عن غير علي(عليه السلام)، فيدل علي أنّه أسخي الناس بنفسه لله وأطوعهم له، والفضل في الطاعة فرع الفضل الذاتي، والافضل أحقّ بالامامة، ويشهد لفضله الذاتي قول النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)في الحديث: هو منّي وأنا منه، وقول جبريل: وأنا منکما. قال الحافظ الشهير محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب [2: 307 ط. النجف و3: 113 ط. ايران]: جهاده(عليه السلام) نوعان، في حال حياة النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، ففي حال حياته(صلي الله عليه وآله وسلم) ما کانت حرب إلاّ وله(عليه السلام) أثر فيها. قال أبو تمام الطائي: أخوه إذا عُدّ الفخارُ وصهره وشُدّ به أزرُ النبيّ محمّد وما زال لباساً دياجير غمرة هو السيف سيف الله في کلّ موطن فأي يد للظلم لم يَبِر زندها ثوي وأهلّ الدين أمنٌ بجِدِه يسدّ به الثغر المخوف من الردي باُحد وبدر حين هاج برَجله ويوم حنين والنضير وخيبر سما للمنايا الحمر حتّي تکشّفت مشاهد کان الله شاهد کربها وقال الصاحب: عجبت ملائکة السماء لحربه فحکاه عنه جبرئيل لاحمد صرع الوليد لموقف شاب الوليد وأذاق عتبة بالحسام عقوبة أحلاف حرب أرضعوا أخلافها ما کان في قتلاه إلاّ باسل وقال الحميري: من کان أوّل من أباد بسيفه من ذاک نوّه جبرئيل بإسمه لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي وله أيضاً: وله بلاء يوم اُحد صالح إذ جاء جبريل فنادي معلناً لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي وقال ابن المنتظر الانصاري: ومن ينادي جبرئيل معلناً لا سيف إلاّ ذو الفقار فاعلموا وقال ابن حماد: من ذا الذي فجع اليهود بمرحب وأتي يجبّن صحبه وجميعهم قال النبيّ لاحبُوَنَّ برايتي رجلاً أحبّ إلهه وأحبّه فدعا أبا حسن فجاء وعينه فشفاه ممّا قد دعاه بتفلة فسما بخيبر واستباح حريمهم وقال ابن الحجّاج: فديت فتي دعاه جبرئيل وعمراً قد سقاه الموت صرفاً دعا أن لا فتي إلاّ علي وقال آخر: خذ الراية الصفراء أنت أميرها وأنت غداً في الحشر لا شکّ حامل فصادفه شرّ البريّة مرحب فجدله في ضربة مع جواده ومرّ أمين الله في الجو قائلاً ولا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي وذکر ابن شهرآشوب في المناقب [2: 327 ط. النجف و3: 134 ط. ايران] شطراً من قتاله(عليه السلام)يوم الاحزاب مع عمرو بن عبد ودّ أنّه لمّا قدم علي(عليه السلام)برأس عمرو استقبله الصحابة، فقبل أبو بکر رأسه، وقال المهاجرون والانصار: رهين شکرک ما بقوا. وروي الواقدي والخطيب الخوارزمي عن عبد الرحمن السعدي باسناده عن بهرم بن حکيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل اُمّتي إلي يوم القيامة. قال أبو بکر بن عياش: لقد ضرب علي ضربة ما کان في الاسلام أعزّ منها، وضُرب ضربة ما کان فيه أشأم منها. ومن کلمات السيّد الحميري: وفي يوم جاء المشرکون بجمعهم فجدله شلواً صريعاً لوجهه وأهلکهم ربّي ورُدّوا بغيظهم وقال المرزکي: وفي الاحزاب جاءتهم جيوش فنادي المصطفي فيه عليّاً فأنت لهذه ولکلّ يوم سقيت العامري کؤوس حتف وروي ابن شهرآشوب في المناقب [2: 330 ط. النجف و3: 143 ط. ايران]عن ابن قتيبة في المعارف، والثعلبي في الکشف والبيان: الذين ثبتوا مع النبيّ يوم حنين بعد هزيمة الناس: علي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ونوفل، وربيعة أخواه، والفضل بن العبّاس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن مولي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وکان العبّاس عن يمين النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وابنه الفضل عن يساره(صلي الله عليه وآله وسلم)، وأبو سفيان ممسک بسرجه عند نفر بغلته، وسائرهم حوله، وعلي يضرب بالسيف بين يديه، وفيه يقول العباس: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة وقال مالک الغافقي: لم يواس النبيّ غير بني ها هرب الناس غير تسعة رهط ثمّ قاموا مع النبيّ علي المو وقال خطيب منيح: وقد ضاقت فُجاج الارض جمعاً وليس مع النبيّ سوي عليّ وعبّاس يصيح بهم أثيبوا فأومي جبرئيل إلي علي فقال هو الوَفيّ فهل رأيتم أخرج ابن المغازلي الشافعي في المناقب [ص197 بالرقم: 234] باسناده عن محمّد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه قال: نادي المنادي يوم اُحد: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. قال المحقّق في ذيل الکتاب: أخرجه العلامة الطبري في تاريخه [2: 514 ط. دار المعارف] بالاسناد إلي حبّان بن علي، عن محمّد بن عبيد الله. ونقله أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني [15: 192 ط. دار الکتب] وفيه: فقال جبريل: يا رسول الله إنّ هذه للمواساة، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): وما يمنعه وهو منّي وأنا منه؟ فقال جبريل: وأنا منکما، قال: فسمعوا صوتاً: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلا علي. وقال أيضاً: أخرجه أيضاً الخطيب الخوارزمي في مناقبه [ص104] عن محمّد بن إسحاق صاحب السيرة، وقال فيه: هاجت ريح في ذلک اليوم، فسمع مُناد يقول: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. وأخرجه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال [3: 324 بالرقم: 6613]وقال: لحقه محمّد بن جرير، ونقله الحافظ العسقلاني في لسان الميزان [4: 406]وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد [6: 114] ورواه الطبراني وأخرجه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي [ص68] وقال: وأخرجه أحمد في المناقب. وأخرجه ابن المغازلي في [ص198 بالرقم: 235] باسناده عن سعد بن طريف الحنظلي، عن أبي جعفر محمّد بن علي، قال: نادي مَلَک من السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. قال المحقق في تذييله: أخرجه الکنجي الشافعي في کفاية الطالب [في الباب 69 ص277 ـ 280] بطرق عديدة من مشايخه، کلهم بالاسناد إلي أبي اسماعيل بن محمّد بن اسماعيل الصفّار النحوي بعين السند والمتن، ثمّ قال: أجمع أئمّة الحديث علي نقل هذا الجزء کابراً عن کابر رزقناه عالياً بحمد الله عن الجمّ الغفير کما سقناه، ورواه الحاکم مرفوعاً، وأخرجه البيهقي في مناقبه. ثم قال: راجع سنن البيهقي [3: 276] مستدرک الصحيحين [2: 385]مناقب الخوارزمي [ص103] الرياض النضرة للطبري [2: 190] ذخائر العقبي للطبري [ص74]. رواية ابن جرير الطبري في تاريخه [2: 197] علي ما في فضائل الخمسة [2: 317] روي بسنده عن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه، قال: لمّا قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام) أصحاب الالوية أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) جماعة من مشرکي قريش، فقال لعلي: احملْ عليهم، فحمل عليهم، ففرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي. قال: ثم أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) جماعة من مشرکي قريش، فقال لعلي(عليه السلام): احمل عليهم، فحمل عليهم، ففرّق جماعتهم، وقتل شيبة بن مالک أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبريل: يا رسول الله، إنّ هذه للمواساة، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبريل: وأنا منکما. قال: فسمعوا صوتاً: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. وفي کنز العمّال [3: 154] روي بسنده عن أبي ذرّ، قال: لمّا کان أوّل يوم في البيعة لعثمان اجتمع المهاجرون والانصار في المسجد، وجاء علي بن أبي طالب(عليه السلام) فأنشا يقول: إنّ أحقَّ ما ابتدأ المبتدئون، ونطق به الناطقون، حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة علي النبيّ محمّد. فقال(عليه السلام): الحمد لله المتفرّدِ بدوام البقاء ـ وساق الخطبة ـ إلي أن قال: اُناشدکم الله، انّ جبريل نزل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّد لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي، فهل تعلمون هذا کان لغيري؟ الحديث. وفي ذخائر العقبي للطبري [ص74] وفي الرياض النضرة [2: 190] قال: عن أبي جعفر محمّد بن علي(عليهم السلام)، قال: نادي ملک من السماء يوم بدر يقال له رضوان: أن لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. وفي دلائل الصدق [2: 535] قال الشيخ المؤلّف الامام مظفّر: وقد أجمع الناس کافّة علي أنّ عليّاً(عليه السلام) کان أشجع الناس بعد النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وتعجبت الملائکة من حَملاته، وفضّل النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قتله عمرو بن عبد ودّ علي عبادة الثقلين، ونادي جبريل: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي. وروي الجمهور أنّ المشرکين کانوا إذا أبصروا عليّاً في الحرب عهد بعضهم إلي بعض.
روي إمام المعتزلة ابن أبي الحديد في شرح النهج [3: 272] أنّه لمّا فرّ مُعظم أصحابه عنه(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم اُحد، کثرت عليه کتائب المشرکين، وقصدته کتيبة من بني کنانة، ثمّ من بني عبد مناة بن کنانة فيها بنو سفيان بن عوف، وهم: خالد بن سفيان، وغراب بن سفيان، وأبو شعثاء بن سفيان، وأبو الحمراء بن سفيان، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): يا علي اکفني هذه الکتيبة، فحمل عليها وانّها لتقارب خمسين فارساً، وهو(عليه السلام) راجل، فما زال يضربها بالسيف حتّي تتفّرق عنه، ثمّ تجتمع عليه هکذا مراراً، حتّي قتل بني سفيان بن عوف الاربعة، وتمام العشرة منها ممّن لا يعرف بأسمائهم.
والنقـع ليس ينجلي
حـول النبيّ المـرسل
رولا فـتي إلاّ عـلي
فلا مثله أخ ولا مثله صهر
کما شدّ في موسي بهارونه الازر
يمزّقها عن وجهه الفتح والنصر
وسيف الرسول لا دکان ولا دثر[1] .
ووجه ضَلال ليس فيه له إثر
وللوا صمين الدين في حدِه أثر
ويعتاض من أرض العدوّ به الثغر
ففرسانه احدّ وهّاج به بدر
وبالخندق الثاوي بعُقوَته عمرو
وأسيافه حمر وأرماحه حمر
وفارجها والامر ملتبس أمر
في يوم بدر والجهاد جهاد
اسناد مجد ليس فيه سياد
لهوله وتَهَارَب الاعضاد
حسمت بها الادواء وهي تلاد
فکأنّهم لحروبهم أولاد
فکأنّما صَمُصامُه نقّاد
کُفّار بدر واستباح دماءَ
في يوم بدر يسمعون نداء
إلاّ علي رفعة وعلاءَ
والمشرفيّة تأخذ الادبارا
في المسلمين وأسمع الابرارا
إلاّ علي إن عددت فخارا
والحرب قد قامت علي ساق الوري
ولا فتي إلاّ علي في الوغي
إذ هابَهُ عُمر وفرّ فرارا
قد صادفوه هوائلا غوارا
من عاش لانکساً ولا خوّارا
لا ينثني حتّي يبيح ديارا
رمداء أشهره به اشهارا
وأجاره منها فعاش مجارا
واجتثّهم من أصلهم وابارا
وهم بين الخنادق في الحصار
ذباب السيف مشحوذ الغرار
وأن لا سيف إلاّ ذو الفقار
وأنت لکشف الکرب في الحرب تذخر
لوائي وکلّ الخلق نحوک تنظر
علي فرس عال من الخيل أشقر
وأهوي ذبال السيف في الارض يحفر
وقد أظهر التسبيح وهو مکبر
لمعرکة إلاّ علي الغضنفر
وعمرو بن عبد في الحديد مقنّع
رهيناً بقاع حوله الضبع يجمع
کما اُهلکت عاد الطغاة وتُبّع
تکاد الشامخات لها تميد
وقد کادوا بيثرب أن يکيدوا
تذل لک الجبابرة الاسُود
فهُزّمتِ الجحافل والجنود
وقد فرّ مَنْ قد فرّ عنه فأقشعوا
شم عند السيوف يوم حنينَ
فهم يهتفون للناس أينَ
ت فآبوا زَينًا لنا غير شينَ
عليهم ثمّ ولَّوا مدبرينا
يقارع دونه المتحاربينا
ليثبتهم وهم لا يثبتونا
وقد صار الثري بالنقع طينا
وفيًّا مثله في العالمينا