علي أقضي الناس











علي أقضي الناس



ما ورد فيمن هو أقضي الاُمّة، الذي أمضي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قضاءه وأقرّ حکمه، الوحيد الذي احتيج إليه ولم يحتج إلي أحد، والمسؤول الذي لا يسأل أحداً قطّ، المرجع العامّ بعد النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) لحلّ المشکلات، والملجأ الارحب لشرح غوامض المسائل ومشاکل القضيات، حتّي رجع إلي قوله معترفاً بصحّة قضائه وعدله ألدّ معاديّه، فضلاً عن أجلاء الصحابة وکبار مناصريه ومواليه، خصوصاً الخلفاء الثلاثة، فإنّهم کانوا کثيراً ما يشاورونه فيما ارتابوا فيه وأخذوا في القضاء بين الناس بقوله وبما کان يفتي به.کما سنذکر البعض اليسير من ذلک مفصّلاً عن الحفّاظ وأعلامهم فيما يلي، فمنهم: حافظ المغرب ابن عبد البرّ في کتابه الاستيعاب 3: 38 بهامش الاصابة فقد روي عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في أصحابه: أقضاهم علي بن أبي طالب.وروي فيه باسناده عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قلت للشعبي: إنّ المغيرة حلف بالله ما أخطأ علي في قضائه، فقال الشعبي: لقد أفرط.وعن أبي فروة، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: قال عمر: علي أقضانا.وعن علقمة عن عبد الله، قال: کنّا نتحدّث أنّ أقضي أهل المدينة علي بن أبي طالب.وعن ابن مسعود، قال: إنّ أقضي أهل المدينة علي بن أبي طالب.وعن سعيد بن وهب، قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.وروي باسناد عن اُذينة بن سلمة العبدي، قال: أتيت عمر بن الخطّاب فسألته من أين أعتمر؟ فقال: إيت عليّاً فاسأله وذکر الحديث وفيه: ما أجد لک إلاّ ما قال علي.وسأل شريح بن هاني عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: إيت عليّاً فاسأله. وذکر الحديث.وروي فيه باسناده عن الحرمازي ـ رجل من همدان ـ قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليّاً، قال: أعفني يا أمير المؤمنين، قال معاوية: لتصفنّه. قال: أمّا إذ لابدّ من وصفه، فکان (عليه السلام) والله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحکم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحکمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وکان غزير العبرة، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا إستنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا وقربه منّا لا نکاد نکلّمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرّب المساکين، لا يطمع القويّ في باطله، ولاييأس الضعيف من عدله.وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضاً علي لحيته، يتململ تململ السليم، ويبکي بکاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرّي غيري، إليّ تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، قد باينتکِ ثلاثاً لارجعة فيها، فعمرکِ قصير، وخطرکِ حقير، آه من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق، فبکي معاوية، وقال: کان والله کذلک، فکيف حزنک عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذُبح ولدها في حجرها.ورواه ابن حجر في الصواعق ص 129.وکان معاوية يکتب فيما ينزل به ليسأل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن ذلک، فلما بلغه قتلُه، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه: لا يسمع هذا أهل الشام، فقال له: دَعْني عنک.وروي عمّار الذهبي عن أبي الزبير، عن جابر، قال: ما کنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض علي بن أبي طالب.وسئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب، فقال: کان علي والله سهماً صائباً من مرامي الله علي عدوّه، وربّانّي هذه الاُمّة، وذا فضلها وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يکن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلک علي بن أبي طالب يالکع.وذکر السيّد مرتضي الحسيني في فضائل الخمسة 2: 261 نقلاً عن سنن البيهقي 10: 269 روي بسنده عن رقبة، قال: خرج يزيد بن أبي مسلم من عند الحجّاج، فقال: لقد قضي الامير، فقال له الشعبي: وما هي؟ فقال: ما کان للرجل فهو للرجل، وما کان للنساء فهو للمرأة. فقال الشعبي: قضاء رجل من أهل بدر، فقال يزيد بن أبي مسلم: من هو؟ علي عهد الله وميثاقه أن لا أخبره ـ يعني: الحجاج ـ قال الشعبي: هو علي بن أبي طالب، قال: فدخل علي الحجّاج فأخبره، فقال الحجّاج: صدق، ويحک إنّا لا ننقم علي علي قضاءه، قد علمنا أنّ عليّاً أقضاهم.وفيه نقلاً عن حلية الاولياء لابي نعيم 1: 65 روي بسنده عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يا علي! أخصمک بالنبوّة، ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجُّک فيها أحد من قريش: أنت أوّلهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم بالقضيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة.قال الفاضل حسين الراضي في کتابه تتمة المراجعات ص165: يوجد ـ يعني الحديث الانف ذکره ـ في تاريخ دمشق لابن عساکر 1: 117 وفي الرياض النضرة للطبري 1: 262 وفي مطالب السؤول 1: 95 ط النجف وفي شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 451 وفي المناقب للخوارزمي الحنفي ص71 وفي ميزان الاعتدال 1: 313 وفي کفاية الطالب للکنجي الشافعي ص270 ط الحيدريّة وفي ص139 ط الغري وفي الغدير للاميني 3: 96 وفي ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص315 ط اسلامبول وفي ص379 ط الحيدرية وفي منتخب کنز العمّال لحسام الدين المتقي بهامش مسند الامام أحمد 5: 34 وفي فرائد السمطين 1: 223 و174.وفي الرياض النضرة 2: ص198 للمحبّ الطبري روي عن أنس بن مالک، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: أقضي اُمّتي علي.فصـلفي إقرار النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) حکمه (عليه السلام) روي النسائي في صحيحه 2: 108 في باب القرعة في الولد إذا تنازعوا، بسنده عن زيد بن أرقم، قال: کنت عند النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) يومئذ باليمن، فأتاه رجل، فقال: شهدت عليّاً أتي في ثلاثة نفر ادعوا ولد إمرأة، فقال علي (عليه السلام) لاحدهم: تدعه لهذا؟ فأبي، وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبي وقال لهذا: تدعه لهذا؟ فأبي، قال علي (عليه السلام): إنکم شرکاء متشاکسون، فسأقرع بينکم، فأيّکم أصابته القرعة فهو له، وعليه ثلثا الدية، فضحک رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي بدت نواجذه.ورواه الحاکم في المستدرک 3: 135 بطريق آخر، وقال فيه: فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): ما أعلم إلاّ ما قال علي. وقال الحاکم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.ورواه أيضاً ابن ماجة في صحيحه في باب ذکر القضاء 2: 786 علي ما في فضائل الخمسة 2: 266 وقال فيه: ورواه أبو داود أيضاً في صحيحه 14: 222.وروي الامام أحمد بن حنبل في مسنده 1: 77 بسندين، عن حنش، عن علي (عليه السلام) ، قال: بعثني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي اليمن، فانتهينا إلي قوم قد بنوا زبية للاسد، فبينما هم کذلک يتدافعون إذ سقط رجل، فتعلّق بآخر، ثمّ تعلّق رجل بآخر، حتّي صاروا فيها أربعة، فجرحهم الاسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحتهم کلّهم، فقاموا أولياء الاوّل إلي أولياء الاخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا.فأتاهم علي (عليه السلام) فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حيّ؟ أنا أقضي بينکم قضاءً، إن رضيتم فهو القضاء، وإلاّ أحجز بعضکم عن بعض حتّي تأتوا النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) فيکون هو الذي يقضي بينکم، فمن عدا بعد ذلک فلا حقّ له، اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر، ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية الکاملة، فللاوّل الربع لانّه هلک من فوقه، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية الکاملة.

فأبوا أن يرضوا، فأتوا النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو عند مقام إبراهيم، فقصّوا عليه القصّة، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) إنّي أقضي بکم وأحتَبي، فقال رجل من القوم: إنّ عليّاً قضي فينا، فقصّوا عليه القصّة، فأجازه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). ورواه أيضاً في 1: 128 و152 ورواه أبو داود الطياليسي في مسنده 1: 18 والطحاوي في مشکل الاثار 3: 58 والطبري في الرياض النضرة 2: 199.وذکر العالم الفاضل السيّد مرتضي الحسيني في فضائل الخمسة 2: 369 نقلاً عن الصواعق لابن حجر، قال: إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) کان جالساً مع جماعة من أصحابه، فجاء خصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله إنّ لي حماراً وإنّ لهذا بقرة، وإنّ بقرته قتلت حماري، فبدأ رجل من الحاضرين، فقال: لاضمان علي البهائم، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): اقض بينهما يا علي؟ فقال علي (عليه السلام): أکانا مُرسَلين أو مشدودين؟ أم أحدُهما مشدوداً والاخر مُرسَلا؟ فقالا: کان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة، وصاحبها معها، فقال (عليه السلام): علي صاحب البقرة ضمان الحمار.قال المؤلف: وذکره الشبلنجي أيضاً في نور الابصار ص71.فصـلالخليفة الاوّل ورجوعه إلي قول علي (عليه السلام) روي الطبري في الرياض النضرة 2: 224 علي ما في الفضائل 2: 271 عن علي (عليه السلام) وقد شاوره أبو بکر في قتال أهل الردّة، بعد أن شاور الصحابة فاختلفوا عليه، فقال له: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال (عليه السلام): أقول لک إن ترکتَ شيئاً ممّا أخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) منهم، فأنت علي خلاف رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، قال: أما إن قلت ذلک لاُقاتلنّهم وإن منعوا عقالاً. قال: أخرجه ابن السمان.وفي کنز العمّال 3: 301 للمتقي، روي عن يحيي بن برهان، أنّ أبا بکر استشار عليّاً (عليه السلام) في قتال أهل الردّة، فقال: إنّ الله جمع الصلاة والزکاة ولا أرضي أن يفرق، فعند ذلک قال أبو بکر: لو منعوا عقالاً لقاتلتهم عليه کما قاتلهم عليه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: أخرجه مسدّد.وفي الرياض النضرة للمحبّ الطبري 2: 195 روي عن ابن عمر أنّ اليهود جاؤوا إلي أبي بکر، فقالوا: صف لنا صاحبک، فقال: معشر اليهود لقد کنت معه في الغار کإصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء، وانّ خنصري لفي خنصره، ولکنّ الحديث عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) شديد، وهذا علي بن أبي طالب.فأتوا عليّا (عليه السلام) ، فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمّک، فقال (عليه السلام): لم يکن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالطويل الذاهب طولاً، ولا بالقصير المتردّد، کان فوق الرّبعة، أبيض اللون مشرباً حمرة، مجعّد الشعر ليس بالقطط، يضرب شعره إلي ارنبتيه، صَلت الجبين، أدعج العينين، دقيق المَسربَة، برّاق الثنايا، أقني الانف، کأنّ عنقه إبريق فضّة، له شعرات من لبَّته إلي سُرّته، کأنّهن قضيب مسک أسود، ليس في جسده ولا في صدره شعرات غيرهنّ، ششن الکفّ والقدم، وإذا مشي کأنّما يتقلّع من صخر، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا الناس، وإذا تکلّم أنصت الناس، وإذا خاطب أبکي الناس.وکان أرحم الناس بالناس، لليتيم کالاب الرحيم، وللارملة کالريم الکريم، أشجع الناس، وأبذلهم کفّاً، وأصبحهم وجهاً، لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، وإدامه اللبن، ووساده الاُدم محشوّاً بليف النخل، سريره أمّ غيلان مرمّل بالشريط، وکان له عمامتان إحداهما تدعي السحاب، والاُخري العقاب، وکان سيفه ذا الفقار، ورايته الغرّاء، وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره يعفور، وفرسه مرتجز، وشاته برکة، وقضيبه الممشوق، ولواؤه الحمد، وکان يعقل البعير، ويعلف الناضح، ويرقع الثوب، ويخصف النعل.قال الطبري: أخرجه ابن السمان في الموافقة.قال السيّد مرتضي الحسيني: إنّ الوقائع التي رجع فيها الخليفة أبو بکر إلي علي (عليه السلام) في حَلّها کثيرة، فذکرنا لک هاهنا نزراً منها ممّا ذکره الاعلام في مؤلفاتهم.وقال في الحديث الاخير مُبيّناً: وجواب أبي بکر في صدر الحديث لليهود لما قالوا له: صف لنا صاحبک، غريب جدّاَ، فإنّهم قد سألوه أن يصف لهم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو في مقام الجواب أخبرهم عن فضائل نفسه من أنـّه کان مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الغار، وصعد معه جبل حراء... الخ. وکأنّه في ذلک الوقت لم يحضره جواب غير ذلک، وأن يُرجعهم إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام). والله أعلم.