مبيته في فراش رسول الله
وآثره بأعزّ شيء لدي کلّ ذي روح، وبما لم يؤثر به عظيم الملکين اللذين آخي الله بينهما للاخر، حتّي أمرهما الله أن يهبطا إلي الارض ليحفظاه من کيد الکائدين، وباهي به ملائکته الابرار. وذلک حين مبيته علي فراش النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة، وتغطيه بغطائه ينتظر بادرة الحتوف، وطروء ضربات السيوف، ثابتاً صابراً مهما تضوّر وتلوّي من الحجارة التي رمته بها أيدي الکفار، إذ ظنّوا أنـّه نبيّ الله، ولا يدرون أنّه خرج سالماً من مکرهم إلي الغار، وظلّ فيه آمناً مطمئنّ البال، قد أنزل الله عليه سکينته، کما روي ذلک جملة من أعيان المفسّرين في تفاسيرهم، وأهل الاخبار والسير في تواريخهم. منهم: القندوزي الحنفي في کتابه ينابيع المودّة [ص92] روي باسناده عن هالة ربيب النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) اُمّه خديجة أم المؤمنين، أنّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أوحي الله إلي جبريل وميکائيل: إنّي آخيت بينکما وجعلت عمر أحد کما أطول من عمر صاحبه فأيّکما يؤثر أخاه عمره، فکلاهما يکره الموت، فأوحي الله إليهما: إنّي آخيت بين علي وليّي وبين محمّد نبيّي، فآثر علي حياته لنبيّي، فرقد علي فراش النبيّ يقيه بمهجته، اهبطا إلي الارض، واحفظاه من عدوّه، فهبطا فجلس جبريل عند رأسه، وميکائيل عند رجليه، وجعل جبريل يقول: بخ بخ من مثلک يابن أبي طالب، والله يباهي بک الملائکة، فأنزل الله تعالي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الاية [البقرة: 207]. والحاکم في المستدرک [3: 4] روي مسنداً عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: قال: شري علي نفسه، ولبس ثوب النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ نام مکانه، وکان المشرکون يرمون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد کان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ألبسه بردة، وکانت قريش تريد أن تقتل النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فجعلوا يرمون عليّاً ويرونه النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد لبس بردة، وجعل علي (رضي الله عنه) يتضوّر فاذا هو علي، فقالوا: إنّک للئيم إنّک تتضوّر، وکان صاحبک لا يتضوّر، ولقد استنکرناه منک. وقد ذکره أيضاً الذهبي في تلخيص المستدرک بذيل الکتاب واعترف بصحّته. وروي الحاکم مسنداً عن علي بن الحسين قال: إنّ أوّل من شري نفسه ابتغاء رضوان الله، علي بن أبي طالب، وقال علي عند مبيته علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا رسول إله خاف أن يمکروا به وبات رسول الله في البيت آمنا وبتّ اُراعيهم ولم يتهمونني وروي أيضاً في [3: 133] بالاسناد عن ابن عبّاس، ولفظه: وشري علي نفسه ولبس ثوب النبيّ، ثمّ نام مکانه. قال ابن عبّاس: وکان المشرکون يرمون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فجاء أبو بکر وعلي نائم، قال: أبو بکر يحسب أنّه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: فقال يا نبيّ الله، فقال له علي: إنّ نبيّ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرکه، قال: فانطلق أبو بکر فدخل معه الغار، قال: وجعل علي (رضي الله عنه) يرمي بالحجارة کما يرمي نبي الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو يتضوّر وقد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتّي أصبح، ثمّ کشف عن رأسه، فقالوا: إنّک للئيم، وکان صاحبک لا يتضوّر ونحن نرميه وأنت تتضوّر، وقد استنکرنا ذلک. وذکره ابن أبي الحديد في شرح النهج [3: 269] وقال: إنـّه لما استقرّ الخبر عند المشرکين أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مجمع علي الخروج من بينهم للهجرة إلي غيرهم. قصدوا إلي معالجته، وتعاقدوا علي أن يبيّتوه في فراشه، وأنّ يضربوه باسياف کثيرة، بيد صاحب کلّ قبيلة من قريش سيف منها، ليضيع دمه بين الشعوب، ويتفرّق بين القبائل، ولا يطلب بنو هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش، وتحالفوا علي تلک الليلة، واجتمعوا عليها. فلمّا علم رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذلک من أمرهم دعا أوثق الناس عنده، وأمثلهم في نفسه، وأبذلهم في ذات الاله لمهجته، وأسرعهم إجابة إلي طاعته، فقال له: إنّ قريشاً قد تحالفت علي أن تبيّتني هذه الليلة، فامض في فراشي ونم في مضجعي، والتفّ في بردي الحضرمي ليروا أنـّي لم أخرج ـ الي ان قال ـ: فاجاب إلي ذلک سامعاً مطيعاً طيبة بها نفسه، ونام علي فراشه صابراً محتسباً، مقبلاً بمهجته ينتظر القتل إلي ان قال أخيرا علي ما في [ص270]: قد ثبت حديث الفراش، ولا يجحده إلاّ مجنون، أو غير مخالط لاهل الملّة. وروي الثعلبي في تفسيره علي ما في الغدير [2: 48] أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا أراد الهجرة إلي المدينة، خلّف عليّ بن أبي طالب بمکّة، لقضاء ديونه، وأداء الودايع التي کانت عنده، وأمر ليلة خرج إلي الغار، وقد أحاط المشرکون بالدار، أن ينام علي فراشه، وقال له: إتّشح ببردي الحضرمي الاخضر، ونم علي فراشي، فإنّه لايصل منهم اليک مکروه إن شاء الله تعالي، ففعل ذلک علي (عليه السلام) فأوحي الله تعالي الي جبريل وميکائيل: إنّي آخيت بينکما، وجعلت عمر أحدکما أطول من الاخر... الي آخر الحديث. قال الاميني: وحديث الثعلبي هذا رواه بطوله: الغزالي في الاحياء [3: 238]والکنجي الشافعي في کفاية الطالب [ص114] والصفوري في نزهة المجالس [2: 209] ورواه ابن الصبّاغ المالکي في الفصول المهمة [ص33] وسبط ابن الجوزي في تذکرة الخواصّ [ص21] والشبلنجي في نور الابصار [ص86]والطبري في تاريخه [2: 99] وابن سعد في الطبقات [1: 212] واليعقوبي في تاريخه [2: 29]وابن هشام في السيرة [2: 291] وابن عبد البرّ في العقد الفريد [3: 290]والخطيب البغدادي في تاريخه [13: 191] والخوارزمي في مناقبه [ص75] وابن الاثير في التاريخ [2: 42] وأبو الفداء في تاريخه [1: 126] والمقريزي في الامتاع [ص39]وابن کثير في تاريخه [7: 338] والحلبي في السيرة الحلبيّة [2: 29]. وذکر في [ص47] شعر حسّان في أمير المؤمنين نقلاً عن سبط ابن الجوزي في تذکرته [ص10]: من ذا بخاتمه تصدّق راکعاً من کان بات علي فراش محمّد من کان في القرآن سمّي مؤمناً وفي رواية الامام أحمد بن حنبل في مسنده [1: 348] مسنداً عن ابن عبّاس بلفظ: تشاورت قريش ليلة بمکّة، فقال بعضهم: إذا أصبح ـ يعني النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ فأثبتوه بالوثاق، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عزّوجلّ نبيّه علي ذلک، فبات علي علي فراش النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) تلک الليلة، وخرج النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي لحق بالغار، وبات المشرکون يحرسون عليّاً يحسبونه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فلمّا أصبحوا ثاروا عليه، فلما رأوا عليّاً ردّ الله مکرهم، فقالوا: أين صاحبک هذا؟ قال: لا أدري، فاقتصّوا أثره، فلمّا بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمرّوا بالغار، فرأوا علي بابه نسج العنکبوت، فقالوا: لو دخلها هنا لم يکن العنکبوت علي بابه، فمکث (صلي الله عليه وآله وسلم) فيه ثلاث ليال. وفي رواية الفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير قوله تعالي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) قال: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، بات علي فراش النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ليلة خروجه إلي الغار، قال: ويروي أنـّه لمّا نام علي فراشه، قام جبريل علي راسه، وميکائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ من مثلک يابن أبي طالب، يباهي الله بک الملائکة. ونزلت الاية، يعني (ومن الناس من يشري نفسه) الي آخر کلامه. وذکره الشبلنجي في نور الابصار [ص96 ط. دار الفکر] قال: فمن شجاعته ـ يعني عليّاً ـ نومه علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا أمره بذلک، وقد اجتمعت قريش في قتل النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يکترث علي (رضي الله عنه) بهم، قال بعض أصحاب الحديث: أوحي الله تعالي إلي جبريل وميکائيل (عليهما السلام): أن انزلا إلي علي واحرساه في هذه الليلة إلي الصباح، فنزلا إليه يقولون بخ بخ من مثلک يا علي باهي الله بک ملائکته. قال: وأورد الغزالي في کتابه احياء العلوم: إنّ ليلة بات علي (رضي الله عنه) علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أوحي الله إلي جبريل وميکائيل: أنـّي آخيت بينکما وجعلت عمر أحدکما أطول من عمر الاخر... الي آخره. وفي الدرّ المنثور للسيوطي في ذيل تفسير قوله تعالي (وإذ يمکر بک الذين کفروا ليثبتوک أو يقتلوک أو يخرجوک) [الانفال: 30] قال: أخرج عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، عن قتادة، قال: دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ وساق الحديث إلي أن قال ـ: وقام علي (عليه السلام) علي فراش النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وباتوا يحرسونه ـ يعني: عليّاً ـ يحسبون أنـّه النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فلمّا أصبحوا ثاروا عليه، فإذا بعلي (عليه السلام) ، فقالوا: أين صاحبک؟ قال: لا أدري، فاقتفوا أثره حتي بلغوا الغار، ثمّ رجعوا. وفي طبقات ابن سعد [8: 35 و162] روي بسنده عن اُمّ بکر بنت المسور، عن أبيها: إنّ رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف ـ وهي اُمّ مخرمة بن نوفل ـ حذرت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقالت: إنّ قريشاً قد اجتمعت تريد بياتک الليلة، قال المسور: فتحوّل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن فراشه، وبات عليه علي (عليه السلام). وفي اُسد الغابة لابن الاثير [4:18] علي ما في الفضائل [2: 313] روي بسنده عن ابن اسحاق، قال: وأقام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ـ يعني: بعد أن هاجر أصحابه إلي المدينة ـ ينتظر مجيء جبرئيل (عليه السلام) ، وأمره له أن يخرج من مکّة باذن الله له بالهجرة إلي المدينة، حتّي إذا اجتمعت قريش، فمکرت بالنبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، وأرادوا برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مأ أرادوا، أتاه جبريل (عليه السلام) وأمره أن لا يبيت في مکانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب، فأمره أن يبيت علي فراشه، ويتسجّي ببرُد له أخضر، ففعل، ثمّ خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي القوم وهم علي بابه. قال ابن اسحاق: وتتابع الناس في الهجرة، وکان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتتن في دينه علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وذلک أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أخّره بمکّة وأمره أن ينام علي فراشه، وأجّله ثلاثاً، وأمره أن يؤدّي إلي کلّ ذي حقّ حقّه، ففعل، ثمّ لحق برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وروي حسام الدين المتّقي في کنز العمّال [3: 155] علي ما في فضائل الخمسة [2: 315] روي عن أبي طفيل عامر بن واثلة، قال: کنت علي الباب يوم الشوري، فارتفعت الاصوات بينهم، فسمعت عليّاً (عليه السلام) يقول: بايع الناس لابي بکر وأنا والله أولي بالامر منه، وأحقّ به منه ـ إلي أن قال: إنّ عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، کلّنا في شرع سواء، وايم الله لو أشاء أن أتکلم ثمّ لا يستطيع عربيّهم ولا عجميّهم، ولا المعاهد منهم، ولا المشرک ردّ خصلة منها لفعلت ـ إلي أن قال: أفيکم أحد کان أعظم غنيً عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين اضطجعت علي فراشه بنفسي وبذلت له مهجة دمي؟ قالوا: اللهّم لا. قال الحميري، کما في المناقب لابن شهرآشوب [2: 60 ط. ايران]: ومن ذا الذي قد بات فوق فراشه وخمّر منه وجهه بلحافه فلمّا بدا صبح يلوح تکشّفت ودارت به أحراسهم يطلبونه أتوا طاهراً والطيّب الطهر قد مضي فهمّوا به أن يقتلوه وقد سطوا وله أيضاً: باتوا وبات علي الفراش ملفّقا حتّي إذا طلع الشَميط کأنّه ثاروا لاحداج الفراش فصادفت فوقاه بادرة الحتوف بنفسه حتّي تغيّب عنهم في مدخل وله أيضاً: وسري النبيّ وخاف أن يسطي به وأتي النبيّ وبات فوق فراشه وذکت عيون المشرکين ونطّقوا حتّي إذا ما الصبح لاح کأنّه ثاروا وظنّوا أنّهم ظفروابه فوقاه بادرة الحتوف بنفسه وله أيضاً: وبات علي فراش أخيه فرداً وقد کمنت رجال من قريش فلمّا أن أضاء الصبح جاءت فلمّا أبصروه تجنّبوه وقال ابن طوطي: ولما سري الهادي النبيّ مهاجراً ونام علي في الفراش بنفسه فوافوا بيانا والدجي متقوّض فألفوا أبا شبلين شاکي سلاحه فصال علي بالحسام عليهم فولّوا سراعاً نافرين کأنّما فکان مکان المکر حيدرة الرضا وقال الزاهي: بات علي فرش النبي آمنا حتّي إذا ما هجم القوم علي ثار إليهم فتولّوا مزقا وقال ابن دريد الاسدي: أو لم يبت عنه أبو حسن متلفّقاً ليرد کيدهم فوفي النبيّ ببذل مهجته وقال دعبل: وهو المقيم علي فراش محمّد وهو المقدم عند حومات الندي وقال مهيار: وأحقّ بالتمييز عند محمّد من بات عنه موقياً حوباءه وقال العبدي: ما لعلي سوي أخيه فداه إذ أقبلت قريش وافاه بخمّ وارتضاه وقال الاجلّ المرتضي: وهو الذي ما کان دين ظاهر وهو الذي لا يقتضي في موقف ووقي الرسول علي الفراش بنفسه ثانيه في کلّ الاُمور وحصنه لله درّ بلائه ودفاعه وکأنّما أجم العوالي غيله طلبوا مداه ففاتهم سبقاً إلي وقال العوني: أبن لي من کان المقدّم في الوغي أبن لي من في القوم جدل مرحباً ومن باع منهم نفسه واقياً بها وقد وقفوا طرّاً بجنب مبيته ومولاي يقظان يري کلّ فعلهم وقال آخر:وليلتـه في الفـرش إذ صمـدت لهعصـائب لا نالـوا عليـه انهجامهـافلمّـا تراءوا ذا الفقـار بکفّهأطار بها خـوف الـردي أوهامهـاوکم کربة عن وجه أحمد لم يزليفرّجها قدماً وينفي اهتمامهاقال الحافظ الشهير ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 339 ط. النجف و2: 64 ط. ايران]: کلّما کانت المحنة أغلظ، کان الاجر أعظم، وأدلّ علي شدّة الاخلاص وقوّة البصيرة، والفارس يمکنه الکرّ والفرّ والروغان والحولان، والراجل قد ارتبط روحه، وأوثق نفسه، وألحج بدنه صابراً محتسباً علي مکروه الجراح، وفراق المحبوب، فکيف النائم علي الفراش بين الثياب والرياش.نزل قوله تعالي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) في علي (عليه السلام) حين بات علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، رواه إبراهيم الثقفي، والفلکي الطوسي بالاسناد عن الحکم، عن السدي، وأبي مالک، عن ابن عبّاس، ورواه أبو الفضل الشيباني باسناده عن زين العابدين (عليه السلام) ، وعن الحسن، عن أنس وعن أبي زيد الانصاري، عن أبي عمرو بن العلاء، ورواه الثعلبي عن ابن عبّاس، والسدي، ومعبد، أنّها نزلت في علي بين مکّة والمدينة لمّا بات علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). وفي فضائل الصحابة عن عبد الملک العکبري، وعن أبي المظفّر السمعاني باسنادهما عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ، قال: أوّل من شري نفسه لله علي بن أبي طالب، کان المشرکون يطلبون رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بکر، واضطجع علي علي فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فجاء المشرکون فوجدوا عليّاً ولم يجدوا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). قال ابن حماد:باهي به الرحمن أملاک العليلمّا انثني من فرش أحمد يهجعيا جبرئيل وميکائيل فانّنيآخيت بينکما وفضلي أوسعأفإن بدا في واحد أمري فمنيفدي أخاه من المنون ويقنعفتوثّقا کلّ يضنّ بنفسهقال الاله أنا الاعزّ الارفعانّ الوصي فدي أخاه بنفسهولفعله زلفي لديّ وموضعفلتهبطا ولتمنعا من رامهأم من له بمکيدة يتسرّعوقال خطيب خوارزم:علي في مهاد الموت عاروأحمد مکنس غار اغتراب يقول الروح بخ بخ يا عليفقد عرّضت روحک لانتهاب
ما ورد فيمن کانت حمايته للنبيّ صلوات الله عيله وآله قد فاقت حماية کلّ شجاع، ووقايته ومکافحته أجلّ من مکافحة کلّ مقاتل في الميدان، صاحب النجدة العظمي، التي صغرت بجنبها نجدة جهابذة الفرسان، لما لهم في هول الهيجاء، مهما عظمت نيرانها سبيل للکرّ والفرّ، لا کمن باع نفسه لله عزّوجلّ لاعلاء کلمته العليا، وبذل کريم مهجته لافضل مرسل وأجل الانبياء.
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
فنجاه ذو الطول الاله من المکر
موقّيً وفي حفظ الاله وفي ستر
وقد وطنت نفسي علي القتل والاسر
وأسرّها في نفسه اسرارا
ومحمّد أسري يؤمّ الغارا
في تسع آيات تُلين غِزارا
وأدني وساد المصطفي فتوسّدا
ليدفع عنه کيد من کان أکيدا
له قطع من حالک اللون أسودا
وبالامس ما سبّ النبي وأوعدا
إلي الغار يخشي فيه أن يتورّدا
بأيديهم ضرباً مقيماً ومقعدا
فيرون أنّ محمّداً لم يذهب
في الليل صفحة خدِّادهم معرب
غير الذي طلبت أکفّ الخيَّب
حذراً عليه من العدوّ المجلب
صلّي الاله عليه من متغيّب
عند انقطاع مواثق ومعاهد
متدثّراً بدثاره کالراقد
أبيات آل محمّد بمراصد
سيف تخرّق عنه غمد الغامد
فتعاوروه وخاب کيد الکائد
ولقد تنوّل رأسه بجلامد
يقيه من العتاة الظالمينا
بأسياف يلحن إذ انتضينا
عداتهم جميعاً مخلفينا
وما زالوا له متجنّبينا
وقد مکر الاعداء والله أمکر
وبات ربيط الجاش ما کان يذعر[1] .
وقد لاح معروف من الصبح أشقر
له ظفر من صائک الدم أحمر
کما صال في العريس ليث غضنفر
هم حمر من قسور الغاب تنفر
من الله لمّا کان بالقوم يمکر
والليل قد طافت به أحراسه
مستيقظ ينصله أشماسه
يمنعهم عن قربه حماسه
والمشرکون هناک ترصده
ومهاد خير الناس ممهده
وبأعين الکفّار منجده
حتّي وقاه کايداً ومکيدا
ما ليس ينکر طارفا وتليدا
من کان منهم منکبيه راقيا
حذر العدا فوق الفراش وفاديا
محمّد في الوري نظير
عليه في فرشه الامير
خليفة بعده ووزير
في الناس لو لا رمحه وحسامه
إقدامه نکص به إقدامه
لمّا أراد حمامه أقوامه
في البائنات ورکنه ودعامه
فاليوم يغشي الدالعين قتامه
وکأنّما هو بينه ضرغامه
أمد يشقّ علي الرجال مرامه
بمهجته عن وجه أحمد دافعا
وکان لباب الحصن بالکفّ قالعا
نبيّ الهدي في الفرش أفداه يافعا
قريش تهزّ المرهفات القواطعا
فما کان مجزاعاً من القوم فازعا