قول النبيّ علي أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي











قول النبيّ علي أخي و وصيّي و خليفتي من بعدي



لا يخفي أن النبيّ صلوات الله عليه وآله، کان منذ أوّل دعوته إلي الاسلام قد اتّخد له وزيراً ووصيّاً، ونصب لاُمّته خليفة من بعده ووليّاً، وذلک في بدء الدعوة التي اختصّها الله عزّوجلّ بالاقربين من أهل بيته، کما قال عزّ من قائل حکيم: (وأنذر عشيرتک الاقربين) [الشعراء: 214] فجمع (صلي الله عليه وآله وسلم) في بيت عمّه أبي طالب أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ـ وفي رواية: ثلاثين ـ کما رواه أصحاب السنن والسير، منهم:

حسام الدين المتقي في منتخب کنز العمّال بهامش مسند أحمد بن حنبل [5: 41] عن علي، قال: لمّا نزلت هذه الاية علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) (وأنذر عشيرتک الاقربين) دعاني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين، فضقت بذلک ذرعاً، وعرفت أنّي مهما اُناديهم بهذا الامر أري ما أکره، فصمتّ عليها حتّي جاءني جبريل، فقال: يا محمّد إنّک إن لم تفعل ما تؤمر به يعذّبک ربّک، فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عسّاً من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبد المطلّب، حتّي اُکلّمهم وأبلغ ما اُمرت به.

ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب، وحمزة، والعبّاس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته لهم، فجئت به. فلمّا وضعته تناول النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) حزبة من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة، ثمّ قال: کلوا بسم الله، فأکل القوم حتّي نهلوا عنه، ما نري إلاّ آثار أصابعهم، والله إن کان الرجل الواحد منهم ليأکل مثل ما قدّمت لجميعهم، ثمّ قال: اسق القوم يا علي، فجئتهم بذلک العسّ، فشربوا منه حتّي رووا جميعاً، وايم الله إن کان الرجل منهم ليشرب مثله.

فلمّا أراد النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يکلّمهم بدره أبو لهب إلي الکلام، فقال: لقد سحرکم صاحبکم، فتفرّق القوم، ولم يکلّمهم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم).

فلمّا کان الغد،، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): يا علي، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن اُکلّمهم، فعد لنا مثل ما صنعت بالامس من الطعام والشراب، ثمّ اجمعهم لي، ففعلت، ثمّ جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته، ففعل مثل ما فعل بالامس، فأکلوا وشربوا حتّي نهلوا.

ثمّ تکلّم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقال: بابني عبد المطلّب، انّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتکم به، إنّي قد جئتکم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله ان أدعوکم إليه، فأيّکم يوازرني علي أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقا: أنا يا نبيّ الله أکون وزيرک عليه، فأخذ برقبتي، وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيکم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحکون، ويقولون لابي طالب: قد أمرک أن تسمع وتطيع لعلي.

وروي إمام الحنابلة في مسنده [1: 159] مسنداً عن علي، ولفظه: قال: جمع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلّب فيهم رهط، کلّهم يأکل الجذعة ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مدّاً من طعام، فأکلوا حتّي شبعوا. قال: وبقي الطعام کما هو کأنّه لم يُمسّ، ثمّ دعا بغمر فشربوا حتّي رووا، وبقي الشراب کأنّه لم يمسّ أو لم يشرب، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): يا بني عبد المطلّب، إنّي بعثت لکم خاصّة، والي الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الاية ما رأيتم، فأيّکم يبايعني علي أن يکون أخي وصاحبي؟ فلم يقم إليه أحد، قال علي (عليه السلام): فقمت إليه وکنت أصغر القوم. قال: فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): اجلس، قال ثلاث مرّات، کلّ ذلک أقوم إليه، فيقول لي اجلس، حتّي کان في الثالثة ضرب بيده علي يدي.

وروي أيضاً في [1: 111] بالاسناد عن علي (عليه السلام) ، بلفظ: قال لمّا نزلت هذه الاية (وأنذر عشيرتک الاقربين) جمع النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأکلوا وشربوا، قال: فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي، ويکون في الجنّة، ويکون خليفتي في أهلي؟ فقال رجل لم يسمّه شريک: يا رسول الله أنت کنت بحراً، من يقوم بهذا؟ قال: ثمّ قال الاخر، قال: فعرض ذلک علي أهل بيته، فقال علي (عليه السلام): أنا.

وروي إمام المعتزلة إبن أبي الحديد في شرح النهج [3: 263] في ردّ أبي جعفر الاسکافي علي الجاحظ، قال: وروي في الخبر الصحيح أنّه کلّفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور الاسلام وانتشاره بمکّة، أن يصنع له طعاماً، وأن يدعو له بني عبد المطلب، فصنع له طعاماً ودعاهم له، فخرجوا ذلک اليوم، ولم ينذرهم النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) لکلمة قالها عمّه أبو لهب، فکلّفه اليوم الثاني أن يصنع مثل ذلک الطعام، وان يدعوهم ثانية، فصنعه ودعاهم، فأکلوا ثمّ کلّمهم (صلي الله عليه وآله وسلم) فدعاهم إلي الدين، ودعاه معهم لانّه من بني عبد المطلّب.

ثمّ ضمن لمن يوازر منهم وينصره علي قوله أن يجعله أخاه في الدين، ووصيّه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسکوا کلّهم، وأجابه هو ـ يعني عليّاً ـ وحده، وقال (عليه السلام): أنا أنصرک علي ما جئت به، واُوازرک واُبايعک، فقال لهم لمّا رأي منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصيه ومنه الطاعة، وعاين منهم الاباء ومنه الاجابة: هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي، فقاموا يسخرون ويضحکون، ويقولون لابي طالب: أطع ابنک وقد أمّره عليک.

وأورده الامام شرف الدين الموسوي في کتابه النفيس المراجعات [ص187 وفي طبعة ص123] في المراجعة العشرين برقم التاسع، وقال أخيراً: أخرجه بهذه الالفاظ من حفظة الاثار النبويّة، کابن اسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في سننه وفي دلائله، والثعلبي، والطبري في تفسير سورة الشعراء من تفسيريهما الکبيرين، وأخرجه الطبري أيضاً في تأريخه [2: 217]بطرق مختلفة، وأبو الفداء في تاريخه [1: 111] وابن الاثير في الکامل [2: 22]، والامام أبو جعفر الاسکافي في نقض العثمانية، والحلبي في سيرته [1: 381].

وأخرجه بهذا المعني مع تقارب الالفاظ غير واحد من أثبات السنّة وجهابذة الحديث، کالطحاوي، والضيائي المقدّسي في المختارة، وسعيد بن منصور في السنن، وحسبک ما أخرجه أحمد بن حنبل، والحاکم في المستدرک [3: 132]والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته، والمتقي في منتخب الکنز، وحسبنا هذا ونعم الدليل، والسلام.

وصرّح في المراجعة الثانية والعشرين في السبب الذي حمل البخاري ومسلماً ومن نحا نحوهما علي الاعراض عن الحديث المذکور، فقال: لانّهم رأوه يصادم رأيهم في الخلافة، وهذا هو السبب في إعراضهم عن کثير من النصوص الصحيحة، لخوفهم أن تکون سلاحاً للشيعة، فکتموها وهم يعلمون.

وإنّ کثيراً من شيوخ أهل السنّة ـ عفا الله عنهم ـ کانوا علي هذه الوتيرة، يکتمون کلّ ما کان من هذا القبيل، ولهم في کتمانه مذهب معروف، نقله عنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وعقد البخاري لهذا المعني باباً في أواخر کتاب العلم من الجزء الاول [ص25] فقال «باب من خصّ بالعلم قوماً دون قوم» ومن عرف سيرة البخاري تجاه أمير المؤمنين وأهل البيت.. . إلي أن قال: لا يستغرب إعراضه عن هذا الحديث.