قول النبيّ علي وليّكم من بعدي











قول النبيّ علي وليّکم من بعدي



ما جاء في سريّة من إحدي سرايا النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وما جري فيها، ما جري من أمر الذين تعاقدوا وتواطؤوا علي هتک حرمة من هو من رسول الله، ورسول الله منه، وأولي من يقوم مقامه ويلي اُمور المسلمين من بعده، مع أنـّه (صلي الله عليه وآله وسلم) کما هو مشهور ولا تخلو الکتب والمصنّفات منه، کان کثيراً ما يحثهم ويؤکد عليهم بمحبّته وولايته في عدّه مواطن، وينهاهم من بغضه نهياً بليغاً من شدّة حرصه (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهم، ولکن ما عسي أن يقال إلاّ کما قيل:


وکان ما کان ممّا لست أذکره
فظنّ خيراً ولا تسأل عن الخبر


فکان جزاء عملهم وعاقبة أمرهم أن غضب النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) عليهم غضباً شديدًا، حتّي احمرّ وتغيّر وجهه الشريف، کما روي ذلک جمع کثير من رواة الاخبار والاثار. منهم:

إمام الحنابلة في المسند [5: 356] روي باسناده عن بريدة، قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعثين إلي اليمن، علي أحدهما علي بن أبي طالب، وعلي الاخر خالد بن الوليد، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): إذا التقيتم فعلي علي الناس، وإن افترقتما فکلّ واحد منکما علي جنده، فاقتتلنا، فظهر المسلمون علي المشرکين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرّيّة، فاصطفي علي إمرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فکتب معي خالد إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يخبره بذلک، فلمّا أتيت النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، دفعت الکتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله هذا مکان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن اُطيعه، ففعلت ما اُرسلت به، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّکم بعدي.

وروي حسام الدين المتّقي في منتخب الکنز بهامش مسند الامام أحمد [5: 52] عن عمران بن حصين، بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سريّة واستعمل عليها عليّاً، فغنموا فصنع علي شيئاً أنکروه ـ وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جارية ـ فتعاقدوا أربعة من الجيش إذ أقدموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يعلموه، وکانوا إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثمّ ينصرفون إلي رحالهم، فلمّا قدمت السريّة سلّموا علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقام أحد الاربعة، فقال: يا رسول الله، ألم ترأنّ عليّاً أخذ من الغنيمة جارية، فأعرض عنه، ثمّ قام الثاني، فقال مثل ذلک، فأعرض عنه، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلک، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع، فأقبل عليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي وأنا من علي، وعلي ولي کلّ مؤمن بعدي. وروي نحوه في [ص30].

وذکر العسقلاني في الاصابة [2: 509] عن الترمذي مختصراً قال: وأخرج الترمذي باسناد قويّ عن عمران بن حصين في قصّة قال فيها: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا من علي، وهو وليّ کلّ مؤمن بعدي.

وذکر ابن عبد البرّ حافظ المغرب في کتابه الاستيعاب في معرفة الاصحاب [3: 29 بهامش الاصابة] مختصراً جدّاً عن ابن عبّاس، أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي بن أبي طالب: أنت وليّ کلّ مؤمن بعدي.

وأخرج الحاکم في المستدرک [3: 110] عن أبي بريدة الاسلمي، بلفظ: غزوت مع علي إلي اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فذکرت عليّاً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يتغيّر، فقال: يا بريدة، ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلي يا رسول الله، فقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه.

قال الحاکم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وذکره الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرک، وذکر الحاکم أيضاً قصّة بعث النبيّ سريّة إلي اليمن، عن عمران بن حصين، کما قد مرّ في رواية صاحب منتخب کنز العمّال لحسام الدين المتّقي الهندي.

وأخرج الحاکم أيضاً في [3: 132] عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوک وخرج الناس معه، قال: فقال له علي: أخرج معک، قال: فقال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): لا، فبکي علي، فقال له: أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنـّه ليس بعدي نبي، انّه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي، قال ابن عبّاس: وقال له رسول الله: أنت وليّ کلّ مؤمن بعدي ومؤمنة.

ونقل ابن حجر في الصواعق [ص122] عن الترمذي، والحاکم، واقتصر علي ذکر ذيل الحديث، وذلک في الحديث الخامس والعشرين، عن عمران بن حصين، أنّ سول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ کلّ مؤمن بعدي.

وذکر الاميني في الغدير [3: 215] بإسناده من طريق عبد الرزّاق، عن عمران بن حصين، ولفظه: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) سريّة وأمرّ عليها علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمّد أن يذکروا أمره إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، قال عمران: وکنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فقام رجل منهم، فقال: يا رسول الله إنّ عليّاً فعل کذا وکذا، فأعرض عنه، ثمّ قام الثاني، فقال: يا رسول الله إنّ عليّاً فعل کذا وکذا، فأعرض عنه، فقام الثالث، فقال: يا رسول الله إنّ عليّاً فعل کذا وکذا، ثمّ قام الرابع، فقال: يا رسول الله إنّ عليّاً فعل کذا وکذا، قال: فأقبل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) علي الرابع وقد تغيّر وجهه، وقال: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ کلّ مؤمن بعدي.

قال الاميني: وأخرجه الحافظ أبو يعلي الموصلي عن عبد الله بن عمر القواريري، والحسن بن عمر الحموي، والمعلّي بن مهدي، کلّهم عن جعفر بن سليمان.

وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير الطبري، وأبو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء [6: 294] والطبري في الرياض النضرة [2: 171] والبغوي في المصابيح [2: 275] ولم يذکر صدره، وابن کثير في البداية والنهاية [7: 344] والسيوطي والمتّقي في کنز العمّال [6: 154 و300] وصحّحه والبدخشي في نزل الابرار [ص22].

وذکر ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص224 برقم: 270] باسناده عن عمران بن حصين مختصراً، أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، قال: ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إنّ عليّاً مني وأنا منه، وهو وليّ کلّ مؤمن بعدي.

وأمّا ما رواه الترمذي في صحيحه [2: 297] فعن عمران بن حصين کذلک، نحو ما رواه المتّقي في کنزه فيما سبق، غير أنّ في قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) «ما تريدون من علي» ثلاثاً.

وقال ابن شهرآشوب في مناقبه [2: 25 ط النجف و3: 51 ط ايران]: قال الله تعالي (هنالک الولاية لله الحقّ) [الکهف: 44] فلاحظّ فيها لاحد إلاّ من ولاّه سبحانه، کما قال تعالي (إنّما وليّکم الله ورسوله والذين آمنوا) الاية [المائدة: 55]وقال (فإنّ الله هو مولاه) الاية [التحريم: 4] وقال: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [الاحزاب: 6] وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): من کنت مولاه فعليّ مولاه، والمولي بمعني: الاولي، بدليل قوله تعالي (مأواکم النار هي مولاکم) [الحديد: 15].

روي أبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الانصاري، وبريدة الاسلمي، وعمر بن علي، قال النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): علي منّي وأنا منه، وهو وليّکم بعدي.

وأورد عن الثعلبي باسناده عن عطاء، عن ابن عبّاس، قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): الله ربّي ولا إمارة لي معه، وعلي وليّ من کنت وليّه، ولا إمارة لي معه.

قال الصاحب بن عباد:


إنّ المحبّة للوصيّ فريضة
أعني أمير المؤمنين عليّا


قد کلّف الله البرية کلّها
واختاره للمؤمنين وليّا


وله أيضاً:


علي وليّ المؤمنين لديکم
ومولاکم من بين کهل ومعظم


علي من الغصن الذي منه أحمد
ومن سائر الاشجار أولاد آدم


وقال الفضل بن عباس:


وکان وليّ الامر بعد محمّد
علي وفي کلّ المواطن صاحبه


وصيّ رسول الله حقّاً وصهره
وأوّل من صلّي وما ذُمّ جانبه


وأما ما رواه الطبراني علي ما في المراجعات [ص152 ط. المجمع العالمي لاهل البيت] للموسوي: إنّ بريدة لمّا قدم من اليمن ودخل المسجد وجد جماعة علي باب حجرة النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقاموا إليه يسلّمون عليه ويسألونه، فقالوا: ما وراءک؟ قال: خير فتح الله علي المسلمين، قالوا ما أقدمک؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس فجئت لاخبر النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بذلک، فقالوا: أخبرهُ أخبره، يسقط عليّاً من عينه، ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يسمعهم من وراء الباب، فخرج مغضباً، فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟ من أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن فارق عليّا فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خلق من طينتي وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرّيّة بعضها من بعض، والله سميع عليم. يابريدة، أما علمت أنّ لعلي أکثر من الجارية التي أخذ، وهو وليّکم بعدي.

قال الموسوي رحمه الله في ذيل الکتاب: إنّ ابن حجر روي هذا الحديث عن الطبراني في [ص103 وفي ط. القاهرة ص171] في المقصد الثاني من مقاصد الاية (14) من الايات، التي ذکرها في الباب (11) من الصواعق، لکنّه لمّا بلغ إلي قوله «أما علمت انّ لعلي أکثر من الجارية» وقف قلمه واستعصت عليه نفسه، فقال: إلي آخر الحديث، وليس هذا من أمثاله بعجيب، والحمد الله الذي عافانا.

وروي إمام المعتزلة ابن أبي الحديد في شرح النهج [2: 450] في الخبر الثالث عشر، ولفظه: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد في سريّة، وبعث عليّاً (عليه السلام) في سريّة اُخري، وکلاهما إلي اليمن، وقال: إن اجتمعتما فعلي علي الناس، وإن افترقتما فکلّ واحد منکما علي جنده، فاجتمعا وأغارا وسبيا نساءاً، وأخذا أموالاً، وقتلا اُناساً، وأخذ علي جارية واختصّها لنفسه، فقال خالد لاربعة من المسلمين منهم بريدة الاسلمي: اسبقوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) واذکروا له کذا کذا لاُمور عدّدها علي علي، فسبقوا إليه، فجاء واحد من جانبه، فقال: إنّ عليّاً فعل کذا، فأعرض عنه، فجاء الاخر من الجانب الاخر، فقال: إنّ عليّاً فعل کذا، فأعرض عنه، فجاء بريدة الاسلمي، فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل ذلک، فأخذ جارية لنفسه، فغضب (صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي أحمّر وجهه، وقال: دعوا عليّاً يکرّرها، إنّ عليّاً منّي وأنا من علي، وإنّ حظه في الخمس أکثر ممّا أخذ، وهو وليّ کلّ مؤمن بعدي.

قال ابن أبي الحديد: رواه أحمد في المسند غير مرّة، ورواه في کتاب فضائل علي، ورواه أکثر المحدّثين.

أقـول: ومن جملة من رواه الفاضل حسين الراضي فيما عقدة من کتابه سبيل النجاة في تتمّة المراجعات [ص113 و ص134 وفي طبعة ص382] سوي من ذکرناه في هذه العجالة: النسائي في الخصائص [ص97 ط الحيدرية، وفي ص38 ط. بيروت، وفي ص23 ط. مصر] والخوارزمي الحنفي في المناقب [ص92] وأبو نعيم في الحلية [6: 294] وابن الاثير في اُسد الغابة [4: 27] وابن عساکر في تاريخ دمشق [1: 381 و488] والبغوي في مصابيح السنّة [2: 275]والطبري في الرياض النضرة [2: 225]وابن الاثير في جامع الاُصول [9: 470]والقندوزي الحنفي في ينابيع الموّدة [ص53 ط. اسلامبول] وسبط ابن الجوزي الحنفي في تذکرة الخواص [ص36 ط. الحيدريّة] وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول [1: 48 ط. النجف].