علي يقاتل علي تأويل القرآن











علي يقاتل علي تأويل القرآن



فيما أخبر النبيّ صلوات الله عليه وعلي آله قوماً من الصحابة بأنّ من بينهم رجلاً يقاتل المنافقين من بعده، کمقاتلته المشرکين في حياته، غير أنّه (صلي الله عليه وآله وسلم) يقاتل علي تنزيله ـ أي: للاقرار بأنّه منزل من عند الله ـ ويقاتل الرجل علي تأويله.

فمن عظيم فضل هذه المنقبة المنيفة، والمکانة العزيزة الشريفة، تطاولت إليها الاعناق، واستشرفت لها النفوس، فکلّ يظهر للنبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وجهه، وينصب له صدره، راجياً أن يقال له: أنت يا هذا، فلم يملک شيخ المهاجرين أبو بکر نفسه، فانطلق لسانه قائلاً: أنا يا رسول الله؟ فقال له: لا ولم ينثن قرينه عمر عمّا يطمع فيه، وإن رأي ما رأي ما بصاحبه من الخيبة، فقام قائلاً: أنا يا رسول الله؟ فقال: لا، فلمّا رأي القوم عدم استحقاق من کان مثل الشيخين، وعادا خائبين، انقطع طمع الطامعين منهم في ذلک، ولم ينطق أحد منهم ببنت شفة، فسرعان ما صرّح النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) بقوله: بل خاصف النعل.

ويفيد مفهوم هذا الحديث أنـّه (صلي الله عليه وآله وسلم) قد استناب الرجل الخاصف نعله في أداء ما افترض الله عليه، بقوله عزّوجلّ (يا أيّها النبيّ جاهد الکفّار والمنافقين) الاية [التوبة: 73] فقام (صلي الله عليه وآله وسلم) بمجاهدة الکفّار ومقاتلتهم في حياته، وتوفي قبل أن يقضي علي المنافقين، فقام الرجل العظيم الفاضل علي غيره، خاصف نعل خير من وطئ الثري، بالنيابة عنه بعد وفاته في أداء ذلک الامر العظيم، فقضي علي المنافقين، فظهر مصداق قول النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) من هذا الحديث الشريف الذي قد رواه جملة کبيرة من الحفّاظ في کتب السنن والمسانيد، وغيرها من المصنّفات القيّمة، منهم:

العسقلاني في کتابه الاصابة [2: 392] روي مسنداً عن عبد الرحمن بن بشير، قال: کنّا جلوساً مع النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ قال: ليضربنّکم رجل علي تأويل القرآن، کما ضربتکم علي تنزيله، فقال أبو بکر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولکن خاصف النعل، فانطلقنا فإذا علي يخصف نعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في حجرة عائشة، فبشّرناه.

الامام أحمد في [3: 31] من مسنده مختصراً عن أبي سعيد الخدري، قال: کنّا عند رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقال: فيکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما اُقاتل علي تنزيله.

وروي أيضاً في [3: 82] عن إسماعيل بن الرجاء الزبيدي، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: کنّا جلوسا ننتظر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، فقال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلّف عليها علي يخصفها، فمضي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ومضينا معه، ثمّ قام ينتظره وقمنا معه، فقال: إنّ منکم من يقاتل علي تأويل هذا القرآن کما قاتلت علي تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بکر وعمر، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا ولکنّه خاصف النعل، قال: فجئنا فبشّرناه، قال: وکأنّه قد سمعه.

وروي أيضاً في [3: 33] بلفظ: إنّ منکم من يقاتل علي تأويله کما قاتلت علي تنزيله، قال: فقام أبو بکر وعمر، فقال: لا، ولکن خاصف النعل.

وروي حسام الدين المشهور بالمتّقي في کتابه منتخب کنز العمّال بهامش مسند الامام أحمد بن حنبل [5: 26] عن أبي ذرّ، قال: کنت مع رسول الله ببقيع الغرقد، فقال: والذي نفسي بيده، انّ فيکم رجلاً يقاتل الناس من بعدي علي تأويل القرآن، کما قاتلت المشرکين علي تنزيله، وهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله، فيکبر قتلهم حتّي يطعنوا علي ولي الله ويسخطوا عمله، کما سخط موسي أمر السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، والله رضي وسخط ذلک موسي.

ورواه أيضاً في کنز العمّال [13: 106 ط. مؤسسة الرسالة]بعين اللفظ والسند.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج [1: 205 طبع قديم]: وقد روي کثير من المحدّثين أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لاصحابه يوماً: إنّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله، فقال أبو بکر: أنا يا رسول الله؟ صلّي الله عليک وسلّم، قال: لا، فقال عمر: أنا يا رسول الله؟ فقال: لا، بل خاصف النعل، وأشار إلي علي (عليه السلام).

وروي العسقلاني أيضاً في کتابه الاصابة في تمييز الصحابة [1: 25] باسناده عن الاخضر بن أبي الاخضر، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: أنا اُقاتل علي تنزيل القرآن، وعلي يقاتل علي تأويله.

وروي عبد الوهّاب الکلابي في مسند دمشق الملحق بکتاب المناقب لابن المغازلي [ص440] باسناده عن ربعي، عن علي (عليه السلام) ، قال: لمّا فتح رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مکّة، قالت قريش: نحن بنو عمّک وقومک، وقد لحق بک أبناؤک ورفقاؤنا، وأبناؤنا ومن يعمل في أموالنا، لم تدعهم إلي ذلک رغبة في الاسلام. فقال (صلي الله عليه وآله وسلم) لابي بکر: ما تقول؟ قال: يا رسول الله صدقوا لو رددت عليهم. قال لعمر: ما تقول؟ قال: يا رسول الله صدقوا لو رددت عليهم، قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لتنتهنّ أو ليبعثنّ الله عليکم رجلاً يضرب رقابکم ويخمّس أموالکم، وهو خاصف النعل ـ قال علي ـ: وأنا أخصف نعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في الحجرة.

وروي ابن حجر في الصواعق [ص121] في الحديث التاسع عن أحمد والحاکم بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: انّک تقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله.

وروي الحاکم في المستدرک [3: 122] عن أبي سعيد، قال: کنّا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فانقطعت نعله، فتخلف علي (عليه السلام) يخصفها، فمشي قليلاً، ثم قال: إنّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بکر وعمر، قال أبو بکر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال:لا، ولکن خاصف النعل ـ يعني عليّاً ـ فأتيناه فبشّرناه، فلم يرفع راسه، کأنّه قد سمعه من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم). قال الحاکم: هذا حديث صحيح الاسناد علي شرط الشيخين.

وروي أبو نعيم في الحلية [1: 67] بسنده عن أبي سعيد أيضاً بلفظ: کنّا نمشي مع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فانقطع شسع نعله، فتناولها علي (عليه السلام) يصلحها، ثمّ مشي، فقال: يا أيّها الناس انّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله، قال أبو سعيد: فخرجت فبشّرته بما قال رسول الله، فلم يکترث به فرحاً کأنـّه قد سمعه.

وروي ابن الاثير في اُسد الغابة [3: 282] بالاسناد عن عبد الرحمن بن بشير، قال: کنّا جلوساً عند النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) إذ قال: ليضربنّکم رجل علي تأويل القرآن کما ضربتکم علي تنزيله: فقال أبو بکر: أنا هو؟ قال: لا، قال: عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولکن خاصف النعل، وکان علي (عليه السلام) يخصف نعل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).

وروي أيضاً في [4: 32] بسنده عن أبي سعيد الخدري کما قد مرّ.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد [5: 186] عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله، قال أبو بکر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولکنّه خاصف النعل، وکان أعطي عليّاً (عليه السلام) نعله يخصفها.

ورواه أيضاً القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة [ص59] في الباب الحادي عشر، عن أبي سعيد، وعن عبد الرحمن بن بشير کما في الاصابة.