جوابه عن مسائل ملك الروم











جوابه عن مسائل ملک الروم



وقد عقد العاصمي أيضاً في کتابه المذکور، وسبط إبن الجوزي في کتابه تذکرة خواصّ الاُمّةص87 ما أخرجه إمام الحنابلة في الفضائل، کما ذکره الاميني في غديره 6: 247.

قال: حدّثنا عبد الله القواريري، حدّثنا مؤمّل، عن يحيي بن سعيد، عن ابن المسيّب، قال: کان عمر بن الخطّاب يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن قال إبن المسيّب: ولهذا القول سبب، وهو: أنّ ملک الروم کتب إلي عمر يسأله عن مسائل، فعرضها علي الصحابة، فلم يجد عندهم جواباً، فعرضها علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأجابها في أسرع وقت بأحسن جواب.

قال ابن المسيّب: کتب ملک الروم إلي عمر(رضي الله عنه) عنه: من قيصر ملک بني الاصفر إلي عمر خليفة المؤمنين ـ المسلمين ـ أمّا بعد، فإنّي سائلک عن مسائل فأخبرني عنها: ما شيء لم يخلقه الله؟ وما شيء لم يعلمه الله؟ وما شيء ليس عند الله؟ وما شيء کلّه فم؟ وما شيء کلّه رجل؟ وما شيء کلّه عين؟ وما شيء کلّه جناح؟ وعن رجل لا عشيرة له؟ وعن أربعة لم تحمل بهم رحم؟ وعن شيء يتنفّس وليس فيه روح؟ وعن صوت الناقوس ماذا يقول؟ وعن ظاعن ظعن مرّة واحدة؟ وعن شجرة يسير الراکب في ظلّها مئه عام لا يقطعها، ما مثلها في الدنيا؟ وعن مکان لم تطلع فيه الشمس الاّ مرّة واحدة؟ وعن شجرة نبتت من غير ماء؟ وعن أهل الجنّة فإنّهم يأکلون ويشربون ولا يتغوّطون ولا يبولون، ما مثلهم في الدنيا؟ وعن موائد الجنّة، فإنّ عليها القصاع في کلّ قصعة ألوان لا يخلط بعضها ببعض، ما مثلها في الدنيا؟ وعن جارية تخرج من تفّاحة في الجنّة ولا ينقص منها شيء؟ وعن جارية تکون في الدنيا لرجلين وهي في الاخرة لواحد؟ وعن مفاتيح الجنّة ما هي؟

فقرأ علي(عليه السلام) الکتاب، وکتب في الحال خلفه: بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد فقد وقفت علي کتابک أيّها الملک، وأنا اُجيبک بعون الله وقوّته وبرکته، وبرکة نبيّنا محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم).

أمّا الشيء الذي لم يخلقه الله تعالي، فالقرآن لانـّه کلامه وصفته، وکذا کتب الله المنزلة، والحقّ سبحانه قديم وکذا صفاته. وأمّا الذي لا يعلمه الله فقولکم: له ولد وصاحبة وشريک، ما اتخذ الله من ولد وما کان معه من إله، لم يلد ولم يولد. وأمّا الذي ليس عند الله، فالظلم، وما الله بظلاّم للعبيد. وأمّا الذي کلّه فم، فالنار تأکل ما يلقي فيها. وأمّا الذي کلّه رجل، فالماء. وأمّا الذي کلّه عين فالشمس. وأمّا الذي کلّه جناح، فالريح. وأمّا الذي لا عشيرة له، فآدم(عليه السلام). وأمّا الذين لم يحمل بهم رحم، فعصا موسي، وکبش ابراهيم، وآدم وحوّاء. وأمّا الذي تنفّس من غير روح، فالصبح إذا تنفّس.

وأمّا الناقوس، فإنّه يقول: طقّاً طقّاً حقاً حقاً مهلاً مهلاً عدلاً عدلاً صدقاً صدقاً، إنّ الدنيا قد غرّتنا واستهوتنا، تمضي الدنيا قرناً قرناً، ما من يوم يمضي عنّا إلاّ أوهي منّا رکناً، إنّ الموت قد أخبرنا أنـّا نرحل فاستوطنا. اما الظاعن، فطور سيناء، لمّا عصت بنو اسرائيل وکان بينه وبين الارض المقدّسة أيّام، فقلع الله منه قطعة، وجعل لها جناحين من نور، فنتقه عليهم، فذلک قوله (وإذ نتقنا الجبل فوقهم کأنـّه ظلّة وظنّوا أنـّه واقع بهم)الاعراف: 171 وقال لبني إسرائيل: إن لم تؤمنوا وإلاّ أوقعته عليکم، فلمّا تابوا ردّه إلي مکانه.

وأمّا الشجرة التي يسير الراکب في ظلّها مئة عام، فشجرة طوبي وهي سدرة المنتهي في السماء السابعة، إليها تنتهي أعمال بني آدم، وهي من أشجار الجنّة ليس في الجنّة قصر ولا بيت إلاّ وفيه غصن من أغصانها، ومثلها في الدنيا الشمس أصلها واحد، وضوءها في کلّ مکان. وأمّا الشجرة التي تنبت بغير ماء، فشجرة يونس وکان ذلک معجزة له لقوله تعالي (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)الصافّات: 146.

وأمّا غذاء أهل الجنّة، فمثلهم في الدنيا الجنين في بطن اُمّه، فإنّه يتغذّي من سرته ولا يبول ولا يتغوّط. وأمّا الالوان في القصعة الواحدة، فمثله في الدنيا: البيضة فيها لونان، بين أبيض وأصفر لا يختلطان. وأمّا الجارية التي تخرج من تفّاحة فمثلها في الدنيا الدودة. تخرج من التفّاحة ولا تتغيّر، وأمّا الجارية بين اثنين: فالنخلة التي تکون في الدنيا لمؤمن مثلي، ولکافر مثلک، وهي لي في الاخرة دونک، لانّها في الجنّة وأنت لا تدخلها، وأمّا مفاتيح الجنّة: فلا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله.

قال ابن المسيّب: فلمّا قرأ قيصر الکتاب، قال: ما خرج هذا الکلام إلاّ من أهل بيت النبوّة، ثمّ سأل عن المجيب، فقيل له: هذا جواب ابن عمّ محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)، فکتب إليه:

سلام عليک، أمّا بعد: فقد وقفت علي جوابک، وعلمت أنّک من أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، وأنت موصوف بالشجاعة والعلم، واُوثر أن تکشف لي عن مذهبکم والروح التي ذکرها الله في کتابکم في قوله تعالي (ويسألونک عن الروح قل الروح من أمر ربي)الاسراء: 85.

فکتب إليه أمير المؤمنين: أمّا بعد، فالروح نکته لطيفة، ولمعة شريفة، من صنعة باريها، وقدرة منشأها، أخرجها من خزائن ملکه، وأسکنها في ملکه، فهي عنده لک سبب، وله عندک وديعة، فإذا أخذت مالک عنده أخذ ماله عندک، والسلام.

فهذا ممّا وفّقنا إلي تسجيله، وممّا منّ به عَلينَا بفَضلِه وإفضاله،

فهوَ وليّ التوفيق والهداية،

ومنتهي الامال والغاية،

وله جزيل الحمد.