مسائل الاحبار واليهود عن أميرالمؤمنين علي











مسائل الاحبار واليهود عن أميرالمؤمنين علي



فهذا ما رواه الثعلبي في کتابه العرائس، فلنستأنف السير نحو هذا الموضوع إلي ما رواه الحافظ العاصمي في کتابه زين الفتي في شرح سورة هل أتي کما في نفس المصدر 6: 242:

قدم اُسقف نجران علي أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب في صدر خلافته، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ أرضنا باردة شديدة المؤونة لا يحتمل الجيش، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله اليک في کلّ عام کملاً، قال: فضمّنه إيّاه، فکان يحمل المال ويقدم في کلّ سنة، ويکتب له عمر بالبراءة بذلک.

فقدم الاُسقف ذات مرّة ومعه جماعة، وکان شيخاً جميلاً مهيباً، فدعاه عمر إلي الله وإلي رسوله وکتابه، وذکر له أشياء من فضل الاسلام وما تصير إليه المسلمون من النعيم والکرامة.

فقال له الاسقف: يا عمر! أتقرؤون في کتابکم (وجنّة عرضها کعرض السماء والارض) فأين تکون النار؟ فسکت عمر وقال لعلي: أجبه أنت. فقال له علي: أنا اُجيبک يا أسقف، أرأيت إذا جاء الليل أين يکون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يکون الليل؟ فقال الاسقف: ما کنت أري أن أحداً يجيبني عن هذه المسألة، من هذا الفتي يا عمر؟ فقال: علي بن أبي طالب ختن رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وابن عمّه، وهو أبو الحسن والحسين.

فقال الاسقف: فأخبرني يا عمر عن بقعة من الارض طلع فيها الشمس مرّة واحدة، ثمّ لم تطلع قبلها ولا بعدها؟ فقال عمر: سل الفتي، فسأله، فقال: أنا اُجيبک، هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل، ووقعت فيه الشمس مرّة واحدة، لم تقع قبلها ولا بعدها.

فقال الاُسقف: أخبرني عن شيء في أيدي الناس شبه ثمار الجنّة؟ قال عمر: سل الفتي، فسأله، فقال علي: أنا اُجيبک، هو القرآن، يجتمع عليه أهل الدنيا، فيأخذون منه حاجاتهم، فلا ينقص منه شيء، فکذلک ثمار الجنّة، فقال الاُسقف: صدقت، وقال: أخبرني هل للسماوات من قفل؟ فقال علي: قفل السماوات الشرک بالله، فقال الاُسقف: وما مفتاح ذلک القفل؟ قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، لا يحجبها شيء دون العرش، فقال: صدقت.

قال: فأخبرني عن أوّل دم وقع علي وجه الارض؟ فقال علي: أمّا نحن فلا نقول کما يقولون دم الخشّاف، ولکن أوّل دم وقع علي وجه الارض مشيمة حوّاء حيث ولدت هابيل بن آدم، قال: صدقت.

وبقيت مسألة واحدة، أخبرني أين الله؟ فغضب عمر، فقال علي: أنا اُجيبک وسل عمّا شئت، کنّا عند رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) إذا أتاه ملک فسلّم، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)من أين اُرسلت؟ فقال: من السماء السابعة من عند ربّي، ثمّ أتاه آخر فسلّم، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): من أين اُرسلت؟ فقال: اُرسلت من الارض السابعة من عند ربّي، فجاء ثالث من الشرق، ورابع من الغرب، فسألهما رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) فأجابا کذلک، فالله هاهنا وهاهنا، في السماء إله وفي الارض إله.

وأخرج الحافظ العاصمي أيضاً في کتابه المذکور علي ما ذکره الاميني في غديره 6: 268 عن أبي طفيل، قال: شهدت الصلاة علي أبي بکر الصدّيق، ثمّ اجتمعنا إلي عمر فبايعناه، وأقمنا أيّاماً نختلف إلي المسجد إليه، حتّي أسموه أمير المؤمنين، فبينما نحن عنده جلوس إذ أتاه يهوديّ من يهود المدينة، وهم يزعمون أنـّه من ولد هارون أخي موسي بن عمران(عليهما السلام)، حتّي وقف علي عمر، فقال له: يا عمر أيّکم أعلم بنبيّکم وبکتاب نبيّکم حتّي أسأله عمّا اُريد، فأشار عمر إلي علي بن أبي طالب، فقال: هذا أعلم بنبيّنا وبکتاب نبيّنا.

قال اليهودي: أکذلک أنت يا علي؟ قال: سل عمّا تريد. فقال: إنّي سائلک عن ثلاث وثلاث وواحدة. فقال له علي: ولم لا تقول إنّي سائلک عن سبع؟ قال له اليهودي: أسالک عن ثلاث، فإن أصبت فيهنّ أسألک عن الواحدة، وإن أخطأت في الثلاث الاول لم اسألک عن شيء، فقال له علي: وما يدريک إذا سألتني فأجبتک أخطأت أم أصبت؟

قال: فضرب بيده علي کمّه فاستخرج کتاباً عتيقاً، فقال: هذا کتاب ورثته عن آبائي وأجدادي باملاء موسي وخطّ هارون، وفيه هذه الخصال التي اُريد أن أسالک عنها، فقال علي: والله عليک إن أجبتک فيهنّ بالصواب أن تسلم؟ قال له: والله لئن أجبتني فيهنّ بالصواب لاسلمنّ الساعة علي يديک، قال له علي: سل.

قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع علي وجه الارض. وأخبرني عن أوّل شجرة نبتت علي وجه الارض، وأخبرني عن أوّل عين نبعت علي وجه الارض. قال له علي: يا يهودي إنّ أوّل حجر وضع علي وجه الارض، فإنّ اليهود يزعمون انـّه صخرة بيت المقدس، کذبوا لکنّه الحجر الاسود نزل به آدم معه من الجنّة، فوضعه في رکن البيت، فالناس يمسحونه ويقبلونه ويجدّدون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله. قال اليهود: أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علي: وأمّا أوّل شجرة نبتت علي وجه الارض، فإنّ اليهود يزعمون أنـّها الزيتونة وکذبوا ولکنّها نخلة العجوة، نزل بها معه آدم من الجنّة، فأصل التمر کلّه من العجوة، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.

قال علي: وأمّا أوّل عين نبعت علي وجه الارض، فإنّ اليهود يزعمون أنـّها العين التي تحت صخرة بيت المقدس، وکذبوا ولکنّها عين الحياة، التي نسي عندها صاحب موسي السمکة المالحة، فلمّا اصابها ماء العين عاشت وسمرت، فأتبعها موسي وصاحبه فأتيا الخضر، فقال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علي: سل. قال: أخبرني عن منزل محمّد أين هو في الجنّة؟ قال علي: ومنزل محمّد من الجنّة، جنّة عدن في وسط الجنّة، أقربه من عرش الرحمن عزّوجلّ، وقال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.

قال له علي: سل، قال أخبرني عن وصيّ محمّد في أهله کم يعيش بعده، وهل يموت أو يقتل؟ قال علي: يا يهودي يعيش بعده ثلاثين سنة. ويخضب هذه من هذه، وأشار إلي رأسه، قال: فوثب اليهودي، وقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله.