تبليغه البراءة











تبليغه البراءة



ما جاء في عظيم عناية الله في أمر تبليغ ما أوحاه إلي أکرم مصطفاه ليؤدّيه إلي عباده، وما دلّ أيضاً علي أنّه لا يجوز له (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يستنيب عنه أحداً من الخلق حتّي في تبليغ عدّة آيات إلي أهل مکّة إلاّ من کان منه، ونفسه کنفسه (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فيکون صالحاً أن ينوب عنه، کما کان لهارون من موسي (عليهما السلام).

ومن عظيم أمر التبليغ أيضاً وعزيز منزلة النيابة عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أن نزل جبريل (عليه السلام) من أجل من يؤدّي عشر آيات فقط ولم يکن من أهلها، وأمر بأخذهنّ منه لمن هو للنيابة عنه أهل.

فياليت شعري فهل يکون ذلک لاحد سوي أخيه المرتضي هارون اُمّة محمّد (صلي الله عليه وآله وسلم) ، الذي بلغ منزلة النبوّة غير أنّه ليس بنبيّ؟ فاذا علمت ذلک أيّها القارئ الکريم، والعالم المنصف المستقيم، فما عسي أن لو قام مقامه (صلي الله عليه وآله وسلم) وناب عنه من بعده غيره؟ وما معني هذا الحديث الذي بين يديک فيما رواه جمع من الحفّاظ وعقدوا له في صحاحهم ومسانيدهم؟ فمنهم:

الترمذي في صحيحه [2: 183] روي بسنده عن أنس بن مالک، قال: بعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): ببراءة مع أبي بکر ثمّ دعاه فقال: لا ينبغي لاحد أن يبلغ هذا إلاّ رجل من أهلي، فدعا عليّاً (عليه السلام) فأعطاه ايّاه.

وفيه أيضاً روي بسنده عن ابن عبّاس بلفظ: بعث النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بکر وأمره أن ينادي بهذه الکلمات، ثمّ أتبعه عليّاً (عليه السلام) ، فبينا أبو بکر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) القصواء، فخرج أبو بکر فزعاً، فظن أنّه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فإذا هو علي، فدفع إليه کتاب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمر عليّاً أن ينادي بهذه الکلمات. الحديث.

ثمّ روي عن زيد بن يثيع، قال: سألنا عليّاً (عليه السلام) بأيّ شيء بعثت في الحجّة؟ قال: بعثت بأربع: ان لا يطوف بالبيت عريان، ومن کان بينه وبين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عهد فهو إلي مدّته، ومن لم يکن له عهد فأجله أربعة أشهر، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة، ولا يجتمع المشرکون والمسلمون بعد عامهم هذا.

وفي خصائص النسائي [ص20] روي بسنده عن زيد بن يثيع، عن علي (عليه السلام): أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث ببراءة مع أبي بکر، ثمّ أتبعه بعلي (عليه السلام) فقال له: خذ الکتاب فامض به إلي مکّة، قال: فلحقه فأخذ الکتاب منه، فانصرف أبو بکر وهو کئيب، فقال لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): أنزل فيّ شيء؟ قال (صلي الله عليه وآله وسلم): لا إلاّ انّي أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي.

وفيه أيضاً روي بسنده عن سعد، قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بکر ببراءة، حتي إذا کان ببعض الطريق أرسل عليّاً فأخذها منه ثمّ سار بها، فوجد أبو بکر في نفسه، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي.

وذکره السيوطي في الدرّ المنثور في ذيل تفسير قوله تعالي (برَاءةٌ من الله ورَسُولهِ) باختلاف يسير في اللفظ، وقال: أخرجه ابن مردويه عن سعد بن أبي وقّاص.

وفي تفسير ابن جرير الطبري [10: 46] روي بسنده عن زيد بن يثيع قال: نزلت براءة، فبعث بها رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بکر، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه، فلمّا رجع أبو بکر قال: هل نزل فيّ شيء؟ قال: لا ولکنّي أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي.

وفيه أيضاً روي بسنده عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بکر ببراءة، ثمّ أتبعه عليّاً (عليه السلام) فأخذها منه، فقال أبو بکر: يا رسول الله، حدث فيّ شيء؟ قال: لا. الحديث.

وفيه أيضاً [10: 47] روي بسنده عن السدّي، قال: لما نزلت هذه الاية الي رأس أربعين آية، بعث بهنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مع أبي بکر وأمره علي الحج، فلمّا سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة، أتبعه بعلي (عليه السلام) فأخذها منه، فرجع أبو بکر الي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) ، فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي أنزل في شأني شيء؟ قال: لا، ولکن لا يبلغ عنّي غيري أو رجل منّي.

وفي المستدرک للحاکم [3: 51] روي بسنده عن جميع بن عمير الليثي، قال: أتيت عبد الله بن عمر... فسألته عن علي (رضي الله عنه) فانتهرني، ثمّ قال: ألا أحدّثک عن علي؟ هذا بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في المسجد، وهذا بيت علي (رضي الله عنه) إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بکر وعمر ببراءة إلي مکّة، فانطلقا فإذا هما براکب، فقالا: من هذا؟ قال: أنا علي يا أبا بکر، هات الکتاب الذي معک، قال: ومالي؟ قال: والله ما علمت إلاّ خيراً، فأخذ علي (عليه السلام) الکتاب فذهب به، ورجع أبو بکر وعمر إلي المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟ قال: مالکما إلاّ خير، ولکن قيل لي: إنّه لا يبلغ عنک إلاّ أنت أو رجل منک.

وفي مسند الامام أحمد بن حنبل [1: 3] روي بسنده عن زيد بن يثيع، عن أبي بکر أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعثه ببراءة لاهل مکّة، لا يحجّ بعد العام مشرک، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة، ومن کان بينه وبين رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مدّة فأجله إلي مدّته، والله بريء من المشرکين ورسولُه، قال: فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال لعلي: الحقه فردّ عليّ أبا بکر وبلّغها أنت، قال: ففعل، قال: فلمّا قدم علي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أبو بکر بکي، وقال: يا رسول الله، حدث فيّ شيء؟ قال: ما حدث فيک إلاّ خير، ولکن اُمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل منّي.

وفيه أيضاً [1: 151] روي بسنده عن حنش، عن علي (عليه السلام) ، قال: لمّا نزلت عشر آيات من براءة علي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) دعا النبيّ أبا بکر، فبعثه بها يستقرئها علي أهل مکّة، ثمّ دعاني النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال لي: أدرک أبا بکر فحيثما لحقته فخذ الکتاب منه، فاذهب به إلي أهل مکّة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الکتاب منه، فرجع أبو بکر إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال: لا ولکن جبرئيل جاءني، فقال: لن يؤدّي عنک إلاّ أنت أو رجل منک.

وفيه أيضاً [1: 330] روي بسنده عن عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس إلي ابن عبّاس، إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عبّاس، إمّا أن تقوم معنا، وإمّا أن تخلونا هؤلاء، فقال ابن عبّاس: بل أقوم معکم، قال: فجاء ينفث ثوبه، ويقول: أفّ وتفّ، وقعوا في رجل له عشر وساق الحديث إلي أن قال: ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة، فبعث عليّاً (عليه السلام) خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه.

قال السيّد مرتضي الحسيني في فضائل الخمسة [2: 346]: وذکره المحبّ الطبري في الرياض النضرة [2: 203] والهيثمي في مجمع الزوائد [9: 119] وقال: رواه أحمد، والطبراني في الکبير والاوسط باختصار.

وقال الحافظ الشهير ابن شهرآشوب في مناقبه [1: 391 ط النجف و2: 126 ط. ايران]: ولاّه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يعني عليّاً (عليه السلام) في أداء سورة البراءه، وعزل به أبا بکر باجماع المفسّرين ونقلة الاخبار، رواه: الطبري، والبلاذري، والترمذي، والواقدي، والشعبي، والسدّي، والثعلبي، والواحدي، والقرطبي، والقشيري، والسمعاني، وأحمد بن حنبل، وابن بطّة، ومحمّد بن اسحاق، وأبو يعلي الموصلي، والاعمش، وسماک بن حرب في کتبهم، عن عروة بن الزبير، وأبي هريرة، وأنس، وأبي رافع، وزيد بن نقيع، وابن عمر، وابن عبّاس.

واللفظ له: إنّه لمّا نزلت (بَراءةٌ من الله وَرسُولهِ) إلي تسع آيات، أنفذ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بکر إلي مکّة لادائها، فنزل جبرئيل، فقال: إنّه لا يؤدّيها إلاّ أنت أو رجل منک، فقال النبيّ لامير المؤمنين (عليه السلام): اِرکب ناقتي العضباء، والحق أبا بکر وخذ براءة من يده، قال: ولمّا رجع أبو بکر إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) جزع، وقال: يا رسول الله، إنّک أهّلتني لامر طالت الاعناق فيه، فلمّا توجّهت له رددتني عنه، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): الامين هبط إليّ عن الله تعالي، إنّه لا يؤدّي عنک إلاّ أنت أو رجل منک، وعليّ منّي ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي.

وذکر فيه أيضاً عدّة روايات في الباب، منها: ما رواه النسابة ابن الصوفي، أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قال في خبر طويل: إن أخي موسي ناجي ربّه علي جبل طور سيناء، فقال في آخر کلامه: إمض إلي فرعون وقومه القبط وأنا معک لا تخف، وکان جوابه: (إنّي قَتلْتُ مِنهُمْ نَفساً فأخافُ أن يَقتلُونِ) وهذا علي قد أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها علي أهل مکّة، وقد قتل منهم خلقاً عظيماً، فما خاف ولا توقّف، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

وقال فيه أيضاً: وفي رواية فکان أهل الموسم يتلهّفون عليه ـ يعني: علي علي (عليه السلام) ـ وما فيهم إلاّ من قتل أباه أو أخاه أو حميمه، فصدّهم الله عنه، وعاد إلي المدينه سالماً، وکان أنفذه أوّل يوم من ذي الحجّة سنة تسع من الهجرة، وأدّاها إلي الناس يوم عرفة ويوم النحر.

وفيه ذکر ما قاله ابن حماد:


بعث النبيّ براءة مع غيره
فأتاه جبريل يحثّ ويوضع


قال ارتجعها واعطها أولي الوري
بأدائها وهو البطين الانزع


فانظر إلي ذي النصّ من ربّ العلي
يختصّ ربّي من يشاء ويرفع


وقال ابن ابي الحديد:


ولا کان يوم الغار يهفو جنانه
حذاراً ولا يوم العريش تستّرا


ولا کان معزولاً غداة براءة
ولا عن صلاة أمّ فيها مؤخّرا


ولا کان في بعث ابن زيد مؤمّراً
عليه فأضحي لابن زيد مؤمّرا


وقال أيضاً:


اُذکــرا أمــر بــراءه
واصـدقـانـي مـن تـلاهـا


واذکـرا مـن زوّج
الـزهـراء کـي مـا يتنـاهـي


وقال آخر:


وأعلم أصحاب النبيّ محمّد
وأقضاهم من بعد علم وخبرة


براءة أدّاها إلي أهل مکّة
بأمر الذي أعلي السماء بقدرة