بحث حول حديث المنزلة











بحث حول حديث المنزلة



إنّ حديث المنزلة الذي نقلناه بصور متنوّعة يمثّل فضيلة من الفضائل العلويّة الرفيعة، ومنقبة من مناقبها الکريمة. واستبان ممّا ورد أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله نطق بهذه الفضيلة في مواطن کثيرة؛ فما جري علي لسانه المطهّر في غزوة تبوک وإن کان أشهرها، ولکنّه لا يقتصر عليها. والأسانيد العديدة والمنقولات الجمّة لهذا الحديث لا تَدَع مجالاً للشکّ في صدوره القطعي، وقد أدّي سعة نقله وکثرة أسانيده إلي أن يصرّح علماء ومحدّثون سنّة کبار بتواتره وکثرة نقله من طرق ومصادر مختلفة، ويؤکّدون علي کونه الحديث الأکثر ثبتاً بين الآثار المنقولة عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، مبيّنين بذلک اتّفاق رواة الحديث وحفظة الآثار علي صحّته.

وکتب الحسکاني يقول عن أسانيده:

وهذا حديث المنزلة الذي کان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرّجته بخمسة آلاف إسناد!![1] .

[صفحه 164]

وفيه قال محمّد بن عبد البرّ:

روي قولَه صلي الله عليه و آله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» جماعةٌ من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها.

رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله سعد بن أبي وقّاص، وطرق حديث سعد فيه کثيرة جدّاً، قد ذکرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عبّاس، وأبو سعيد الخدري، واُمّ سلمة، وأسماء بنت عُميس، وجابر بن عبد اللَّه، وجماعة يطول ذکرهم.[2] .

وکتب محمّد بن يوسف الگنجي:

هذا حديث متّفق علي صحّته، رواه الأئمّة الحفّاظ کأبي عبد اللَّه البخاري في صحيحه، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي عيسي الترمذي في جامعه، وأبي عبد الرحمن النسائي في سننه، وابن ماجة القزويني في سننه، واتّفق الجميع علي صحّته حتي صار ذلک إجماعاً منهم. قال الحاکم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر.[3] .

وأورد السيوطي في کتابه الذي أفرده لنقل الأحاديث المتواترة وسمّاه ب- «الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» حديث المنزلة،[4] مصرّحاً عمليّاً بتواتره.

إنّ ما ورد أعلاه يعکس بعضاً من الآراء الواردة بشأن أسانيده. ولاريب أنّ التتبّع في المصادر الحديثيّة ينفي أيّة أوهام تشکّک في قطعيّة صدوره.

[صفحه 165]

ومن حيث المضمون نري أنّه جعل لعليّ عليه السلام جميع المناصب التي کانت لهارون عليه السلام في عصر موسي عليه السلام إلّا النبوّة، وذکر القرآن الکريم مناصب هارون بهذا النحو: «وَ اجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي × هَرُونَ أَخِي × اشْدُدْ بِهِ ي أَزْرِي × وَ أَشْرِکْهُ فِي أَمْرِي ».[5] .

وثبتت هذه المناصب لعليّ عليه السلام في الأحاديث النبويّة بصراحة.[6] .

وأورد القرآن الکريم قسماً آخر من مناصب هارون بالنحو الآتي: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ».[7] .

إنّ واقع حياة عليّ عليه السلام، ودفاعه الفذّ عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وشهوده الذي لا مثيل له في حروبه جميعها، کلّ اُولئک مَعْلَم علي أنّ اللَّه تعالي جعل لعليّ عليه السلام من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله منزلة هارون من موسي عليهاالسلام.

لقد مضي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في إبلاغ رسالته حسب المجريات الطبيعيّة للاُمور، وکان عليّ عليه السلام أفضل وأثبت نصير له في هذا السبيل. فمبيته في فراشه، واستبساله العجيب في معرکة بدر التي کانت أوّل اختبار للمسلمين، وکانت مصيريّة رهيبة، وحمايته العظيمة له صلي الله عليه و آله في اُحد وقد فرّ کثير من المدّعين، ومبارزته لعمرو بن عبد ودّ في معرکة الخندق بعد حصار المشرکين المخيف، وتجلّي قوّته في خيبر وقد ظلّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأصحابه خلف أسوارها، وغير ذلک کلّه آية علي أنّ دعمه لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان مصيريّاً.

[صفحه 166]

ونُضيف إلي ما ذکرناه أنّ هذه الأحاديث تدلّ علي أنّ عليّاً عليه السلام کان متميّزاً بين الصحابة، ولم يُقرَن به أحد منهم کما کان هارون في بني إسرائيل. انظر إلي الروايات الآتية:

- الإمام عليّ عليه السلام: إنّ اللَّه تبارک اسمه... شدّ بي أزر رسوله، وأکرمني بنصره، وشرّفني بعلمه، وحباني بأحکامه، واختصّني بوصيّته، واصطفاني بخلافته في اُمّته، فقال صلي الله عليه و آله- وقد حشده المهاجرون والأنصار، وانغصّت بهم المحافل-:

«أيّها الناس! إنّ عليّاً منّي کهارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».

فعقلَ المؤمنون عن اللَّه نطق الرسول؛ إذ عرفوني أنّي لستُ بأخيه لأبيه واُمّه کما کان هارون أخا موسي لأبيه واُمّه، ولا کنت نبيّاً فاقتضي نبوّة، ولکن کان ذلک منه استخلافاً لي کما استخلف موسي هارون عليهاالسلام حيث يقول: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ».[8] [9] .

- أبو خالد الکابلي: قيل لسيّد العابدين عليّ بن الحسين: إنّ الناس يقولون: إنّ خير الناس بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أبو بکر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ عليه السلام. قال: فما يصنعون بخبرٍ رواه سعيد بن المسيّب عن سعد بن أبي وقّاص عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال لعليّ عليه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»؟ فمن کان في زمن موسي مثل هارون؟[10] .

- أبو هارون العبدي: سألت جابر بن عبد اللَّه الأنصاري عن معني قول

[صفحه 167]

النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»، قال: استخلفَه بذلک- واللَّهِ- علي اُمّته في حياته وبعد وفاته، وفرض عليهم طاعته؛ فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين.[11] .

- سلم بن وضّاح: کنّا عند محمّد بن عبد اللَّه، فسأله معلّي بن سليمان عن قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» أيّ شي ء أراد به؟ قال: أراد به أن يطاع من بعده کما يطاع النبيّ في حياته.[12] .

راجع: أحاديث الخلافة

القسم التاسع: عليّ عن لسان النبيّ/ الاُسرة/ بمنزلة رأسي من بدني،

ومنزلته عندي کمنزلتي عند اللَّه.

عليّ عن لسان النبيّ/ المکانة السياسيّةوالاجتماعيّة/ وزيري.

عليّ عن لسان أصحاب النبيّ/ عمر، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس.

کتاب «تاريخ دمشق»: 142:42 تا 186.

[صفحه 169]



صفحه 164، 165، 166، 167، 169.





  1. شواهد التنزيل: 195:1.
  2. الاستيعاب: 1875:202:3.
  3. کفاية الطالب: 283.
  4. الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 103:76.
  5. طه: 29 تا 32.
  6. راجع: القسم التاسع/ عليّ عن لسان النبيّ/ المکانة السياسيّة والاجتماعيّة/ وزيري.
  7. الأعراف: 142.
  8. الأعراف: 142.
  9. راجع: الفصل العاشر/ احتجاجات عليّ.
  10. معاني الأخبار: 2:74.
  11. معاني الأخبار: 1:74.
  12. المناقب للکوفي: 429:510:1.