تتويج عليّ يوم الغدير











تتويج عليّ يوم الغدير



هو ذا نبيّ اللَّه يضع عمامته علي رأس عليّ ليزداد المشهد اُبّهةً وجلالاً، فهو بحقّ: نور علي نور.

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يهبط من المکان الذي وُضع له لحظة أن صدع بأخطر بلاغات

[صفحه 79]

السماء، تتهادي إلي نفسه المقدّسة عذوبة شفيفة، تسکن روحه طمأنينة باذخة، ورضي أحسّ به بعد أن انتهي من إبلاغ الاُمّة أمر ربّه. الناس يتجمهرون حول النبيّ حلقاً حلقاً. لا ريب أنّ القلوب تموج بمشاعر مختلفة لما حصل.

ما الخبر؟ عليّ أصبح خليفة النبيّ؟ لم يکن قلّة اُولئک الذين تجاهلوا کلّ جهود النبيّ صلي الله عليه و آله وما بذله في سبيل هذا الأمر منذ أوّل أيّام البعثة حتي هذه اللحظة، وما کان اصرارهم علي العناد قليلاً، لذلک شعر النبيّ أنّ مهمّته لم تکتمل بعد، فلابدّ من المزيد إمکاناً في ترسيخ الأمر، وإبلاغاً في الحجّة.

نادي علي عليّ عليه السلام، وتوّج رأسه بعمامته «السحاب». لقد ألفت أعراف ذلک العصر تتويج من يتسنّم زمام الحکم، وعلي هذا جري الملوک والاُمراء، والآن هو ذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقد نصب عليّاً للحکم، يضع علي رأسه العمامة؛ لأنّ «العمائم تيجان العرب».[1] .

کما حدّثوا عن ثقافة ذلک العصر أنّ العرب عندما کانوا يَنتخِبون شخصاً للإمارة ويسوّدونه عليهم، کانوا يضعون علي رأسه «عمامة» في سلوک کان يدلّ علي تثبيت الحاکميّة والولاية.[2] .

لقد تحدّث عليّ بن أبي طالب عليه السلام عن هذه المکرمة النبويّة العظيمة، بقوله: «عمّمني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم غدير خُمّ بعمامة».

کما وثّق المحدّثون والمؤرّخون مراسم هذا التتويج المهيب الذي ينبئ عن العظمة والجلال، فکان ممّا کتبوه: «أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله دعا عليّ بن أبي طالب يوم غدير

[صفحه 80]

خمّ، فعمّمه وأرخي عذبة العمامة من خلفه».

وکتبوا أيضاً:[3] «إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عمّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام عمامته السحابة».[4] .

لقد دلّل النبيّ صلي الله عليه و آله بتتويج عليّ عليه السلام بعمامته «السحاب» علي هذه الهيئة الخاصّة، وفي ذلک المشهد وبعد البلاغ، علي أنّه لم يکن يقصد من وراء خطبته وکلماته السامية، غير نصب عليّ للولاية، ولم يکن له غرض يصبو إليه من جميع ذلک، إلّا أن يعلن إمامة أميرالمؤمنين وزعامته للاُمّة.[5] .



صفحه 79، 80.





  1. مسند الشهاب: 47:75:1، النهاية في غريب الحديث: 199:1.
  2. تاج العروس: 506:17.
  3. فرائدالسمطين: 42:76:1.
  4. نظم درر السمطين: 112.
  5. ذکرت بعض المصادر أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وضع العمامة علي رأس عليّ في البداية، ثمّ قال: «من کنت مولاه فعليّ مولاه» ويمکن أن يکون ذلک قد حصل تکراراً، وليس للمرّة الاُولي. راجع: التتويج يوم الغدير.