موقف النبيّ من مستقبل الرسالة











موقف النبيّ من مستقبل الرسالة



الدين الإسلامي خاتم الأديان، ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله خاتم النبيّين، والقرآن هو الحلقة الأخيرة في کتب السماء، وبهذا فالإسلام شامل لکلّ زمان ومکان.

لقد نهض النبيّ صلي الله عليه و آله بحمل راية دين اکتسي لون الأبديّة، لا يتخطّاه الزمان، ولن يقوي علي طيّ سجلّ حياته وتَجاوُزه. هذا من ناحية.

ومن ناحية اُخري يُعلمنا قانون الوجود وناموس الخليقة أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إنسان کبقيّة الناس، له حياة ظاهريّة محدودة، وهذا القرآن يُعلن صراحة أنّ الموت يُدرکه کما يُدرک الآخرين: «إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ».[1] .

وهو صلي الله عليه و آله يضطلع برسالة إبلاغ تعاليم الدين وهدي السماء، کما يتبوّأ أيضاً مسؤوليّة قيادة المجتمع وزعامته. ومن ثمّ فهو يجمع بين المرجعيّة الفکريّة للاُمّة وبين القيادة السياسيّة.

[صفحه 8]

وعلي هذا سنکون أمام سؤال جادّ وخطير لا يمکن تخطّيه بسهولة، بالأخصّ بعد أن تحوّل إلي هاجس يُثير اهتمام أعلام المسلمين ومفکّريهم علي مرّ التاريخ؛ والسؤال هو: مادامت الحياة ستنتهي بهذا القائد الربّاني الفذّ بعد سنوات الدعوة والجهاد إلي الموت، ومادام النبيّ سيرحل صوب الرفيق الأعلي ملبّياً نداء ربّه، فما الذي دبّره لمستقبل هذا الدين الباقي علي مدي الزمان؟ وماذا فعل لتأمين مستقبل دعوته وضمان ديمومة رسالته؟ هل حدّد خياراً خاصّاً للمستقبل أم إنّه لم يفکّر بذلک قط، وترک الأمر برمّته إلي الاُمّة؟

کثرت کتابات المسلمين علماء ومحدّثين ومتکلّمين عن هذا الموضوع، وانتهوا إلي نظريّات متعدّدة.[2] وما يُلحظ أنّ هذا الاتّجاه التنظيري سعي إلي تثبيت وقائع التاريخ الإسلامي وتحويلها إلي معيار أشادوا علي أساسه اُصولاً ومرتکزات.

لکن أين تکمن الحقيقة؟! يقضي التدبّر العميق في الموضوع، ودراسة حياة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بشمول، إلي أنّ الموقف النبوي من مستقبل الرسالة لا يخرج عن أحد احتمالات ثلاث، هي:

1- إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أغضي عن مستقبل الدعوة، وأهمل الأمر تماماً من دون أن

[صفحه 9]

ينطق بشي ء للاُمّة.

2- إنّه صلي الله عليه و آله عهد بمستقبل الرسالة إلي الاُمّة، وأمر جيل الصحابة أن ينهض بمهمّة تدبير أمر الدعوة من بعده.

3- إنّه صلي الله عليه و آله ارتکز إلي مبدأ النصّ الصريح في تدبير المستقبل، والتخطيط لشؤون الرسالة، ومن ثمّ أعلن صراحة عن الشخص الذي يتبوّأ مسؤوليّة هداية الاُمّة من بعده، ويضطلع بدور قيادة المجتمع الإسلامي.

لندرس الآن هذه الفرضيّات الثلاث ونتناولها من خلال البحث والتحليل:

[صفحه 10]



صفحه 8، 9، 10.





  1. الزمر: 30.
  2. أفرز الجهد التنظيري لمتکلّمي المسلمين ومفکّريهم- وما يزال- عدداً من النظريّات حيال موضوع الإمامة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؛ مثل «الإجماع» و «البيعة» و «الاختيار وانتخاب الاُمّة» و «الغلبة والشوکة» و «تعيين أهل الحلّ والعقد» و «نظرية النصّ» ممّا سنأتي علي استعراضه ودراسته ونقده في مدخل «الإمامة الخاصّة» من موسوعة «ميزان الحکمة».

    لمزيد الاطّلاع علي النظريّات المذکورة راجع: الأحکام السلطانيّة للماوردي: 15، والأحکام السلطانيّة للفرّاء: 440، ونظام الحکم في الشريعة والتاريخ الإسلامي: 121، والنظام السياسي في الإسلام، رأي الشيعة، رأي السنّة، حکم الشرع: 23، والإمامة وأهل البيت: 50:1.