حديث الثقلين











حديث الثقلين



من بين الخطوات التي تدبّرها الرسول القائد لمستقبل الاُمّة، للحؤول دون تفشّي الضلالة، وشيوع الجهل في وسطها، وانحدارها إلي هوّة الحيرة والضياع، هي جهوده التي بذلها لتعيين المرجعيّة الفکريّة، وتحديد مسار ثابت للحرکة الفکريّة، وبيان کيفيّة تفسير القرآن والرسالة والمصدر الذي يستمدّ منه ذلک. هذه الحقيقة ربّما عبّرت عن نفسها بأنصع وجه في «حديث الثقلين».

لقد تضوّعت مواطن کثيرة بشذي الحديث؛ حيث صدع به النبيّ صلي الله عليه و آله مراراً بمحتويً واحد وصيغ بيانيّة متعدّدة، وفي مواضع مختلفة؛ في عرفة، ومسجد الخيف، وفي غدير خمّ، کما أتي علي ذکره في آخر کلام له وهو علي مشارف الرحيل وقد ثقل عليه المرض، في الحجرة الشريفة، وغير ذلک. وبالإضافة إلي أهل البيت عليهم السلام فقد روي الحديث عدد کبير من الصحابة، کما ذهب إلي صحّته کثير من التابعين والعلماء.[1] .

إنّ للحديث صيغاً متعدّدة، جاء في إحداها: «إنّي تارک فيکم ما إن تمسّکتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر؛ کتاب اللَّه حبلٌ ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتي يردا عليّ الحوض، فانظروا کيف تخلفوني فيهما».[2] .

[صفحه 57]

کلام عظيم، ومنقبة شاهقة، وفضيلة سامية لا نظير لها، وهداية تبعث علي السعادة، وتوجيه يعصم من الضلالة والردي.

النقطة الأهمّ التي يحويها هذا الکلام النبوي العظيم، والحقيقة العظمي التي يجهر بها دون لبس، هي مرجعيّة أهل البيت عليهم السلام، والحثّ علي وجوب اتّباعهم والائتمام بهم في الأقوال والأفعال، وقد صرّح بهذه الحقيقة الرفيعة عدد کبير من العلماء، منهم سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني؛ أحد کبار متکلّمي أهل السنّة، حين قال: «إنّه صلي الله عليه و آله قرنهم بکتاب اللَّه في کون التمسّک بهما منقذاً من الضلالة، ولا معني للتمسّک بالکتاب إلّا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فکذا في العترة».[3] .

علي صعيد آخر تتمثّل أهمّ مهامّ النبيّ صلي الله عليه و آله ومسؤوليّاته بالهداية وإزالة الضلالة. هذا من جهة، ومن جهة اُخري؛ فإنّ ما يأتي في طليعة واجبات الاُمّة وأکثرها بداهة، هو ضرورة تمسّکها بکلّ ما يبعث علي الهداية، ويعصم من الضلال. وهذا ما فعله رسول اللَّه صلي الله عليه و آله تماماً، وهو يضع المسلمين أمام هذا الواجب، في قوله: «ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا»؛ وعندئذٍ هل يسع إنسان أن يتردّد في وجوب اتّباع «العترة» الهادية، والتسليم إليها وهي العاصمة عن الضلال؟!

ممّا يدلّ عليه الحديث أيضاً أنّ التمسّک بهذين الثقلين الکريمين يکفي لبلاغ المقصد الأسني وتحصيل الهداية، وأن ليس وراءهما إلّا الضلال «فمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ

[صفحه 58]

إِلَّا الضَّلَلُ».[4] .

من جهة اُخري يسجّل حديث الثقلين «عصمة» العترة من دون لبس وغموض؛ فمن زاوية عدّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله التمسّک بها واجباً ضروريّاً من دون أيّ قيد أو شرط، فهل من المنطقيّ أو المعقول أن نتصوّر النبيّ يدفع الاُمّة إلي التمسَّک بمرجعيّة أشخاص، ويحثّها علي التمسّک بتعاليمها دون قيد أو شرط، وأشخاص هذه المرجعيّة يعيشون الضلال؟ ثمّ إنّ هذه العترة هي عدل قرآنٍ «لَّا يَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن م بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ ي»،[5] فهکذا العترة أيضاً.

وأخيراً دلّ الحديث علي أنّ التمسّک بالعترة هو سدّ يحول دون الضلالة، فإذا ما کان الضلال سائغاً بحقّ هذه المرجعيّة فهل يمکنها أن تکون عاصمة عن الضلال؟!

فالعترة إذاً معصومة جزماً بدلالات الحديث.

[صفحه 59]



صفحه 57، 58، 59.





  1. راجع: نفحات الأزهار: 90:2، وأهل البيت في الکتاب والسنّة: 135.
  2. سنن الترمذي: 3788:663:5.
  3. شرح المقاصد: 303:5. ولمزيد الاطّلاع علي آراء عدد من علماء أهل السنّة راجع: نفحات الأزهار: 248:2.
  4. يونس: 32.
  5. فصّلت: 42.