حديث السفينة











حديث السفينة



والنبيّ صلي الله عليه و آله يعيش بين الاُمّة کان يُمسک بجميع الاُمور، ويُشرف علي الشؤون کافّة، ولم يکن المجتمع الإسلامي علي عهد النبيّ قد اتّسع بعدُ، بيد أنّ هذا المجتمع الفتيّ کان يواجه مصاعب کثيرة علي الصعيدين الداخلي والخارجي، ويعاني عدداً من الانحرافات؛ فتيّار النفاق- مثلاً- کانت بذوره الاُولي قد نشأت في تضاعيف ذلک المجتمع، وهکذا لاحت أيضاً إرهاصات ارتداد البعض انطلاقاً من المجتمع ذاته.

لقد کان الرسول القائد ينظر ليوم تغيب فيه هذه الشعلة المتوهّجة، ويفقد المجتمع وجود النبيّ، فيما ينبغي للاُمّة أن تشقّ طريقها من بعده، وتواصل الدرب. إنّ کلّ ما توفّرنا علي ذکره يُشير إلي التخطيط لمستقبل الاُمّة وتدبير غدها الآتي؛ هذا الغد الذي سينشقّ عن أجواء تتفجّر جوانبها بالفتنة، وتضطرم بالعواصف العاتية وأمواج الضلال.

علي ضوء هذه الخلفيّة انطلقت کلمات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله تُدلّ الاُمّة علي الملاذ الآمِن الذي تعتصم به من الفتن والضلال فيما اشتهر ب «حديث السفينة»، الذي جاء في أحد نصوصه: «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيکم مثل سفينة نوح؛ من رکبها نجا، ومن تخلّف عنها هلک». ما أروعه من تشبيه دالّ وموقظ، يبعث علي التيقّظ والحذر!

فرسول اللَّه صلي الله عليه و آله يتطلّع صوب المستقبل من وراء حُجب الغيب، فيبصره مليئاً بالفتن والضلالات التي يشبّهها بالأمواج المتلاطمة العاتية، أمواج مهولة تُغرق

[صفحه 55]

مَن يعرض لها، وتدفعه نحو قاعٍ سحيق، وما أکثر من يتسلّق الأوهام حذر هذه الأمواج، بيد أنّها سرعان ما تفترسه وتأتي عليه في ملاذه الواهن، فيُدرکه الغرق ويصير هباءً ضائعاً.

فإذاً ينبغي أن تکون الاُمّة علي حذر، وأن تُدرک أنّ طريق النجاة الوحيد يکمن في رکوب «السفينة»، واللوذ بأهل البيت عليهم السلام، والاعتصام بحجزتهم، والتمسّک بتعاليمهم وسنّتهم.

ليس هناک شکّ في دلالة الحديث علي وجوب إطاعة أهل البيت عليهم السلام وإلّا هل لعاقل تأخذه أمواج عاتية، فيُشرف حتماً علي الغرق والضياع، ثمّ يتردّد في النجاة، ولا يرکب سفينةالإنقاذ!

من جهة اُخري إنّ التطلّع صوب هذه السفينة يستتبع الهداية بالضرورة والنجاة من أمواج الفتن والضلالات، فالسفينة منجية، وإذاً فهؤلاء الکرام معصومون منزّهون عن الزلل والخطأ.[1] .

[صفحه 56]



صفحه 55، 56.





  1. لمزيد الاطّلاع علي متن حديث السفينة وسنده وطرقه وما يتّصل به من بحوث راجع: نفحات الأزهار: الجزء الرابع، وأهل البيت في الکتاب والسنّة: 95.