احاديث العلم











احاديث العلم



يتبوّأ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله المرجعيّة الفکريّة للاُمّة بالإضافة إلي الزعامة السياسيّة کما سلفت الإشارة لذلک، فالاُمّة تواجه في معترک حياتها عشرات المعضلات الفکريّة علي الصعيدين الفردي والاجتماعي؛ فمن الذي يتولّي تذليل هذه العقبات؟ ومن الذي يُميط اللثام عمّا يواجهه المجتمع من مشکلات معرفيّة، ويفسّر للناس آيات القرآن، ويعلّم الاُمّة أحکام دينها وکلّ ما يمتّ بصلة إلي المرجعيّة العلميّة والفکريّة؟ ومَن الذي أراد له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يتبوّأ هذا الموقع في المستقبل بحيث تلوذ به الاُمّة، وتلجأ إليه بعد رحيل النبيّ؟

لقد ضمّت المصادر القديمة نصوصاً نبويّة مکثّفة تدلّ بأجمعها علي أنّ النبيّ اختار عليّ بن أبي طالب للمرجعيّة العلميّة والفکريّة من بعده، منها الحديث النبوي الکريم: «أنا مدينة العلم، وعليّ بابها» فعلاوة علي شوق عليّ عليه السلام إلي العلم، وتطلّعاته الذاتيّة إلي المعرفة، وتوقه الشديد للتعلّم، واستعداده الخاصّ علي هذا الصعيد، کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لا يُخفي حرصه علي إعداد عليّ إعداداً علميّاً خاصّاً، وزقّهِ العلم زقّاً، وإشباع روحه بالمعرفة، والفيض عليه من الحقائق الربّانيّة العُليا.

لقد جاء الکلام النبوي الکريم: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها؛ فمن أراد المدينة فليأتِ الباب» ليدلّ دلالة قاطعة لا يشوبها أدني لبس، علي أنّ العلم الصحيح

[صفحه 44]

عند عليّ وحسب لا عند سواه.[1] لقد طلب النبيّ عليّ بن أبي طالب في اللحظات الأخيرة من حياته، وراح يسرّ له بينابيع المعرفة، فقال عليّ بعد ذلک واصفاً الحصيلة التي طلع بها من إسرار النبيّ له: «حدّثني ألف باب، يَفتح کلُّ باب ألفَ باب». وهذه هي الحقيقة، يدلّ عليها قول رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «أنا دار الحکمة، وعليّ بابها».

ثمّ هل انشقّت الحياة الإنسانيّة عن إنسان غير عليّ يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني»؟ وهل عرفت صفحات التاريخ من ينطق بهذا سوي أميرالمؤمنين؟ لقد أجمع الصحابة علي أعلميّة عليّ بن أبي طالب، وترکوا للتاريخ شهادة قاطعة تقول: أفضلنا عليّ. ولِمَ لا يکون کذلک والإمام أميرالمؤمنين نفسه يقول: «واللَّه ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيمَ نزلت، وأين نزلت، وعلي من نزلت؛ إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً ناطقاً».

وما أسمي کلمات الإمام الحسن عليه السلام وما أجلّ کلامه وهو يقول بعد شهادة أميرالمؤمنين: «لقد فارقکم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلم ولا يُدرکه الآخرون».

إنّ هذا وغيره- وهو کثير قد جاء في مواضع متعددة- ليشهد أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قصد من وراء الترکيز علي هذه النقطة- التي أقرّ بها الصحابة تبعاً للنبيّ- أن يعلن عمليّاً عن المرجع الفکري للاُمّة مستقبلاً، ويحدّد للاُمّة بوضوح الينبوع الثرّ الذي ينبغي أن تستمدّ منه علوم الدين.[2] .

[صفحه 45]



صفحه 44، 45.





  1. لمزيد الاطّلاع علي توثيق صيغ الحديث وضبط طرقه وأسانيده، وما يتّصل به من نقاط مهمّة راجع: نفحات الأزهار: ج 10 و 11 و 12.
  2. راجع: القسم الحادي عشر.