احاديث الولاية











احاديث الولاية



من العناوين البارزة التي جاءت بها الروايات، وأکّدتها أيضاً آيات تفسّرها أحاديث حيال عليّ بن أبي طالب عليه السلام، هو عنوان «الوليّ».

لا جدال في أنّ استعمال مادة «و ل ي» بمعني القيّم، والقائد، والزعيم، والأولي بالتصرّف، والأحقّ بالقيمومة والأمر؛ هو أمر شائع الاستعمال في الأدب العربي، کما سنُشير إلي ذلک أثناء دراسة حديث الغدير وتحليله.

إنّ النصوص التي تضمّنت إطلاق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عنوان «الوليّ» و «الولاية» علي عليّ بن أبي طالب، لهي کثيرة في الحديث والأخبار النبويّة، فلطالما أشار النبيّ إلي عليّ بهذا الوصف الجليل في مواضع کثيرة، وما أکثر المواقع التي عرض بها هذا العنوان المثير للانتباه.

فخطاب النبيّ بهذه الصيغة: «يا عليّ، أنت وليّ الناس بعدي؛ فمن أطاعک فقد أطاعني، ومن عصاک فقد عصاني»[1] تردّد کثيراً بحيث امتلأت منه مصادر أهل السنّة ومدوّناتهم الحديثيّة، وقد أوردنا شطراً مهمّاً منها في ظلّ عنوان «أحاديث الولاية».[2] .

إنّ هذه الأحاديث- بالأخصّ حين تأتي بقيد «من بعدي»- لا تدع مجالاً للشکّ في أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد حدّد من خلال ذلک طبيعة المسار السياسي الذي يخلفه، وأومأ بوضوح إلي القيادة السياسيّة التي تتسنّم الاُمور من بعده.

[صفحه 36]

تجلّي الولاية في القرآن

لم يقتصر وصف «الوليّ» و «الولاية» لعليّ في الحديث النبوي وحده، بل امتدّ إلي آي القرآن الکريم، کما دلّلت علي ذلک روايات کثيرة، ومن بين هذه الآيات قوله سبحانه: «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ و وَالَّذِينَء َامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّکَوةَ وَهُمْ رَ کِعُونَ»[3] إذ ليس ثمّ شکّ في شأن نزول هذه الآية وانطباقها علي الإمام عليّ عليه السلام في إطار الواقعة المعروفة؛ حيث دخل سائلٌ المسجد، فأومأ إليه الإمام بإصبعه، فأقبل السائل حتي أخذ الخاتم من خنصره وانصرف.

لقد وثّق هذه الواقعة عدد کبير من المحدّثين والمفسّرين، وذکروا صراحة أنّ الآية نزلت بشأن عليّ عليه السلام.[4] لکن يبدو أنّ بعض المفسّرين لم يرُق لهم أن يُسفر الحقّ ويرمي بضيائه علي الاُفق، فلاذوا بشُبَهٍ راحوا يُثيرونها، وجنحوا إلي تسويفات واهية علّهم يقلبوا الحقيقة، ويکفئوا الحقّ علي وجهه؛ فقالوا- مثلاً-: إنّ «الَّذِينَ» جمع، فکيف ينطبق علي عليّ عليه السلام وهو واحد!

لقد نسوا- وربّما تناسوا- أنّ هذا مألوف، واستعماله شائع في الأدب العربي، کما کثُر في القرآن؛ إذ يجي ء الخطاب للجماعة مع أنّ المراد واحد بهدف التکريم أو أيّ باعث آخر، کمثل قوله سبحانه: «يَأَيُّهَا الَّذِينَء َامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ کَفَرُواْ بِمَا جَآءَکُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاکُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّکُمْ إِن کُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَدًا فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَ مَآ أَعْلَنتُمْ وَ مَن يَفْعَلْهُ مِنکُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ»؛[5] فلا جدال أنَّ الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة

[صفحه 37]

بعد ما بعث کتاباً إلي قريش، کما ذکر ذلک المفسّرون.[6] .

کذلک قوله سبحانه: «فَتَرَي الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَي أَن تُصِيبَنَا دَآئرَةٌ»،[7] حيث قصدت الآية عبد اللَّه بن اُبَيّ کما أجمع المفسّرون علي ذلک في شأن النزول.[8] .

علي هذا يتّضح أنّ إيرادات هذا البعض من المفسّرين لم تأتِ بباعث البحث الناشئ عن الشکّ في فضيلة عظيمة کهذه. علي أنّ أمثال هذه المواقف کثير وليس بعزيز.

ثمّ إنّ الآية تحصر «الولاية» من دون لبس ب «اللَّه»، و «الرسول» و «عليّ». ومن الجليّ أنّه لو کان معني الولاية في الآية هو «النصرة» أو «المحبّة» فلا معني للتخصيص، ولن يکون هناک ما يسوّغ الحصر.[9] .

لقد قصدنا في هذا المدخل أن نتابع تلک الجهود الحثيثة التي بذلها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لتعيين الإمامة من بعده، وتحديد الهادي الذي يأخذ بيد الاُمّة في المستقبل. کما جاءت الإشارة إلي هذه الآيات- کمثال- لتسلّط الضوء علي دور الوحي في هذه المهمّة التي بلغ فيها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الذروة لأجل تثبيت الولاية، من خلال ما نهض به عمليّاً من تفسير هذه الآيات وتبيينها.

[صفحه 38]



صفحه 36، 37، 38.





  1. الأمالي للمفيد: 5:113.
  2. راجع: أحاديث الولاية.
  3. المائدة: 55.
  4. راجع: أحاديث الولاية/ ولاية عليّ ولاية اللَّه والرسول.
  5. الممتحنة: 1.
  6. تفسير الطبري: 14 الجزء 58:28؛ تفسير التبيان: 575:9.
  7. المائدة: 52.
  8. تفسير الطبري: 4/ الجزء 278:6، الوسيط في تفسير القرآن المجيد: 197:2، زادالمسير: 289:2.
  9. راجع: أحاديث الولاية/ ولاية عليّ ولاية اللَّه والرسول. ولمزيد الاطّلاع علي تفسير الآية راجع: الميزان في تفسير القرآن: 8:6 والکشّاف: 347:1.