تحديد الموقع جغرافياً











تحديد الموقع جغرافياً



نصَّ غير واحد من اللغويّين والجغرافيّين والمؤرّخين علي أنّ موقع غدير خُمّ بين مکّة والمدينة.

ففي لسان العرب- مادّة خمم: «وخُمّ: غدير معروف بين مکّة والمدينة».[1] .

وفي النهاية، لابن الأثير- مادّة: خمم: «غدير خُمّ: موضع بين مکّة والمدينة».[2] .

وفي معجم البلدان: «وقال الحازمي: خُمّ: وادٍ بين مکّة والمدينة».[3] .

وفي المصدر نفسه: «قال الزمخشري: خُمّ: اسم رجل صبّاغ، اُضيف إليه

[صفحه 371]

الغدير الذي هو بين مکّة والمدينة».

ويبدو أنّه لا خلاف بينهم في أنّ موضع غدير خُمّ بين مکّة والمدينة، وإنّما وقع شي ء قليل من الخلاف بينهم في تعيين مکانه بين مکّة والمدينة، فذهب الأکثر إلي أنّه في «الجحفة»، ويعنون بقولهم: «في الجحفة» أو «بالجحفة» وادي الجحفة- کما سيأتي-.

من هؤلاء:

ابن منظور في لسان العرب- مادّة: خمم، قال: «وخَمّ: غدير معروف بين مکّة والمدينة بالجحفة، وهو غدير خَمّ».[4] .

والفيروزآبادي في القاموس المحيط- مادّة: خَمَّ، قال: «وغدير خُمّ: موضع علي ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين».[5] .

والزمخشري في نصّه المتقدّم الذي نقله عنه الحموي في معجم البلدان. القائل فيه: «خُمّ: اسم رجل صبّاغ، اُضيف إليه الغدير الذي بين مکّة والمدينة بالجحفة».

وفي حديث السيرة لابن کثير- المتقدّم-: «قال المطّلب بن زياد، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عقيل، سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: کنّا بالجحفة بغدير خُمّ...».

وکما قلتُ، يريدون من «الجحفة» في هذا السياق: الوادي لا القرية التي هي الميقات، وذلک بقرينة ما يأتي من ذکرهم تحديد المسافة بين غدير خُمّ والجحفة، الذي يعني أنّ غدير خُمّ غير الجحفة (القرية)، ولأنّ وادي الجحفة يبدأ

[صفحه 372]

من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر، فيکون الغدير جزءاً منه، وعليه لا معني لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه.

وتفرّد الحميري في الروض المعطار فحدّد موضعه بين الجحفة وعسفان، قال: «وبين الجحفة وعسفان غدير خُمّ».[6] .

وهو- من غير ريب- وَهْمٌ منه، وبخاصّة أنّه حدّد الموضع بأنّه علي ثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق، حيث لا يوجد عند هذه المسافة بين الجحفة وعسفان موضع يُعرف بهذا الاسم.

والظاهر أنّه نقل العبارة التي تحدّد المسافة بثلاثة أميال من الجحفة يسرة الطريق من «معجم ما استعجم»، ولم يلتفت إلي أنّ البکري يريد بيسرة الطريق الميسرة للقادم من المدينة إلي مکّة، وليس العکس، فوقع في هذا التوهّم.

قال البکري في معجمه: «وغدير خُمّ علي ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق»-[7] وکما قلت- يريد بالميسرة جهة اليسار بالنسبة إلي القادم من المدينة إلي مکّة بقرينة ما ذکره في بيان مراحل الطريق بين الحرمين ومسافاتها عند حديثه عن العقيق حيث بدأ بالمدينة، قال: «والطريق إلي مکّة من المدينة علي العقيق: من المدينة إلي ذي الحليفة...».[8] .

ونخلص من هذا إلي أنّ غدير خُمّ يقع في وادي الجحفة علي يسرة طريق الحاجّ من المدينة إلي مکّة، عند مبتدأ وادي الجحفة حيث منتهي وادي الخرّار.

[صفحه 373]

ومن هنا کان أنْ أسماه بعضهم بالخرّار- کما تقدّم-.

ولعلّ علّة ما استظهره السمهودي في کتابه وفاء الوفا، من أنّ الخرّار بالجحفة؛[9] هو ما أوضحته من أنّ غدير خُمّ مبتدأ وادي الجحفة، وعنده منتهي وادي الخرّار.

ويؤيّد هذا الذي ذکرته قول الزبير- الذي نقلته آنفاً عن معجم ما استعجم من أنّ الخرّار وادٍ بالحجاز يصبّ علي الجحفة.

وقد يشير إلي هذا قول الحموي في معجم البلدان: «الخرّار... وهو موضع بالحجاز، يقال: هو قرب الجحفة».[10] .

وعبارة عرّام التالية تؤکّد لنا أنّ الغدير من الجحفة، قال- کما نقله عنه الحموي في معجم البلدان-: «ودون الجحفة علي ميل غدير خُمّ، وواديه يصبّ في البحر»،[11] حيث يعني بواديه وادي الجحفة؛ لأنّه هو الذي يصبّ في البحر حيث ينتهي عنده.

أمّا المسافة بين موضع غدير خُمّ والجحفة (القرية = الميقات) فَحُدّدت- فيما لديَّ من مراجع- بالتالي:-

حدّدها البکري في معجم ما استعجم بثلاثة أميال، ونقل عن الزمخشري أنّ المسافة بينهما ميلان ناسباً ذلک إلي (القيل) إشعاراً بضعفه.[12] .

[صفحه 374]

وإلي القول بأنّ المسافة بينهما ميلان ذهب الحموي في معجمه قال: «وغدير خُمّ بين مکّة والمدينة، بينه وبين الجحفة ميلان».[13] .

وقدّر الفيروز آبادي المسافة بثلاثة أميال، قال في القاموس- مادّة: خَمَّ: «وغدير خُمّ: موضع علي ثلاثة أميال بالجحفة[14] بين الحرمين».[15] .

وقدّرها بميل کلّ من نصر وعرّام،[16] ففي تاج العروس-[17] مادّة: خَمّ: «وقال نصر: دون الجحفة علي ميل بين الحرمين الشريفين».

وفي معجم البلدان: «وقال عرّام: ودون الجحفة علي ميلٍ غديرُ خُمّ...».[18] .

وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلي الاثنين إلي الثلاثة أمر طبيعي؛ لأنّه يأتي- عادة- من اختلاف الطريق التي تسلک، وبخاصّة أنّ وادي الجحفة يتّسع بعد الغدير، ويأخذ بالاتّساع أکثر حتي قرية الجحفة ومن بعدها أکثر حتي البحر، فربّما سلک أحدهم حافّة الجبال فتکون المسافة ميلاً، وقد يسلک أحدهم وسط الوادي فتکون المسافة ميلين، ويسلک الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتکون المسافة ثلاثة أميال.

[صفحه 375]



صفحه 371، 372، 373، 374، 375.





  1. لسان العرب: 191:12.
  2. النهاية: 81:2.
  3. معجم البلدان: 389:2.
  4. لسان العرب: 191:12.
  5. القاموس المحيط: 109:4.
  6. الروض المعطار: 156.
  7. معجم ما استعجم: 368:2.
  8. معجم ما استعجم: 954:3.
  9. وفاءالوفا: 1200:4.
  10. معجم البلدان: 350:2.
  11. معجم البلدان: 389:2.
  12. معجم ما استعجم: 368:2.
  13. معجم البلدان: 188:4.
  14. هکذا في المصدر والصواب: «دون الجحفة».
  15. القاموس المحيط: 109:4.
  16. هما: نصر بن عبد الرحمن الإسکندري، المتوّفي (561 ه ) له کتاب: «الأمکنة والمياه والجبال والآثار ونحوها». وعرّام بن الأصبغ السلمي، المتوفّي نحو (275 ه)، صاحب کتاب «أسماء جبال تهامة وسکّانها وما فيها من القري وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه». (الأعلام للزرکلي: 24:8 و ج 223:4).
  17. تاج العروس: 226:16.
  18. معجم البلدان: 389:2.