يوم عرفة











يوم عرفة



بإزاء النصوص التي سلفت إليها الإشارة هناک نصوص اُخري تُصرّح أنّ آية

[صفحه 287]

«إکمال الدين» نزلت في يوم عرفة بعرفات.

هذا القول هو الشائع بين أهل السنّة، وهو المعوّل عندهم، وقد روي عن عدد من الصحابة، بيد أنّ الأساس فيه هو کلام عمر آنف الذکر حين سأله الرجل اليهودي، وقد توافرت الکتب علي نقله من بينها صحيح البخاري، کما مرّت الإشارة إليه.

کما ذُکر القول نفسه في بعض کتب الشيعة وأحاديثها، ونذکر فيما يلي حديثين منها مرويّين عن الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق عليهاالسلام:

- الحديث الأوّل ذکره ثقة الإسلام الکليني في الکافي، وقد جاء فيه:

«عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فرض اللَّه عزّوجلّ علي العباد خمساً؛ أخذوا أربعاً، وترکوا واحداً.

قلت: أتُسميهنَّ لي جُعلت فداک؟

فقال: الصلاة، وکان الناس لايدرون کيف يصلّون، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، أخبِرهم بمواقيت الصلاة. ثمّ نزلت الزکاة، فقال: يا محمّد، أخبِرهم من زکاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم. ثمّ نزل الصوم، فکان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إذا کان يوم عاشوراء بعث إلي ما حوله من القري فصاموا ذلک اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال. ثمّ نزل الحجّ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: أخبِرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زکاتهم وصومهم.

ثم نزلت الولاية؛ وإنّما أتاه ذلک في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللَّه عزّوجلّ: «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي» وکان کمال الدين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال عند ذلک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: اُمّتي حديثو عهد بالجاهليّة، ومتي

[صفحه 288]

أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل، ويقول قائل- فقلت في نفسي مِن غير أن ينطق به لساني- فأتتني عزيمة مِن اللَّه عزوجلّ بتلة[1] أوعدَني إن لم اُبلّغ أن يعذّبني، فنزلت: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْکَفِرِينَ».[2] .

فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام فقال: أيّها الناس! إنّه لم يکن نبيّ من الأنبياء ممّن کان قبلي إلّا وقد عمّره اللَّه، ثم دعاه فأجابه، فاُوشِک أن اُدعي فاُجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: إنّک قد بلّغتَ ونصحت، وأدّيت ما عليک، فجزاک اللَّه أفضل جزاء المرسلين.

فقال: اللهم اشهد- ثلاث مرّات- ثم قال: يا معشر المسلمين! هذا وليّکم من بعدي، فليبلّغ الشاهد منکم الغائب»[3] .

- أمّا الحديث الثاني فقد رواه العياشي عن محمّد الخزاعي عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

لمّا نزل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عرفات يوم الجمعة، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمّد، إنّ اللَّه يُقرئک السلام ويقول لک: قل لاُمّتک: «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ» بولاية عليّ ابن أبي طالب «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا » ولستُ اُنزل عليکم بعد هذا، قد أنزلت عليکم الصلاة والزکاة والصوم والحجّ، وهي الخامسة،

[صفحه 289]

ولست أقبل هذه الأربعة إلّا بها».[4] .

والسؤال الآن: هل تتعارض هاتان المجموعتان من النصوص بحيث لا يمکن علاجها ممّا يتحتّم طرح إحداهما، أم أنّ الجمع بينهما ممکن؟

مقتضي التأمّل في هاتين المجموعتين من النصوص ودراستهما بدقّة لاتُفضي إلي عدم وجود تعارض أساسي بين الاثنين وحسب، بل العکس تُفيد أنّهما يؤيّد بعضهما بعضاً من حيث الأصل، وأنّ إحداهما مکمّلة للاُخري.

وبيان ذلک- کما ذهب إليه العلّامة الطباطبائي- هو: «أنّ التدبّر في الآيتين الکريمتين: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و...» علي ما سيجي ء مِن بيان معناه، وقوله «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ...» والأحاديث الواردة مِن طرق الفريقين فيهما، وروايات الغدير المتواترة، وکذا دراسة أوضاع المجتمع الإسلامي الداخليّة في أواخر عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، والبحث العميق فيها، يفيد القطع بأنّ أمر الولاية کان نازلاً قبل يوم الغدير بأيّام.

وکان النبيّ صلي الله عليه و آله يتّقي الناس في إظهاره، ويخاف أن لا يتلقّوه بالقبول أو يُسيؤوا القصد إليه؛ فيختلّ أمر الدعوة، فکان لا يزال يؤخّر تبليغه الناس من يوم إلي غد حتي نزل قوله: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...» فلم يُمهل في ذلک».[5] .

في الحقيقة أنّ هناک تسعة أيّام فصلت بين صدور الحکم الإلهي بنصب الإمام عليّ عليه السلام قائداً للاُمّة بعد النبيّ صلي الله عليه و آله وبين إبلاغ الحکم، فحکم ولاية الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام صدر في يوم عرفة بعرفات، بيد أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله أخّر إبلاغه إلي يوم

[صفحه 290]

غدير خمّ للبواعث التي أشرنا إليها آنفاً.

بهذا يتّضح أنّ النصوص التي لها دلالة علي نزول آية الإکمال في يوم عرفة ناظرة إلي تاريخ صدور الولاية، أمّا النصوص التي لها دلالة علي أنّ الآية قد نزلت في غدير خمّ، فهي ناظرة الي تاريخ إبلاغ حکم الولاية، و مِن ثَمّ فإنّ تعبير النزول يصحّ علي الطائفتين کليهما، بل هو أمر مألوف.



صفحه 287، 288، 289، 290.





  1. من البتل: القطع (النهاية: 94:1).
  2. المائدة: 67.
  3. الکافي: 6:290:1، تفسير العياشي: 154:333:1، شرح الأخبار: 582:273:2، دعائم الإسلام: 14:1 کلاهما نحوه.
  4. تفسير العيّاشي: 21:293:1.
  5. الميزان في تفسير القرآن: 196:5.