واقعة الغدير











واقعة الغدير



«يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْکَفِرِينَ».[1] .

765- الغدير: أجمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الخروج إلي الحجّ في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في الناس بذلک، فقدِم المدينة خلق کثير؛ يأتمّون به في حجّته تلک التي يقال عليها: حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الکمال، وحجّة التمام ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلي أن توفّاه اللَّه.

فخرج صلي الله عليه و آله من المدينة مغتسلاً متدهّناً مترجّلاً[2] متجرّدا في ثوبين

[صفحه 252]

صُحاريّين؛[3] إزار ورداء، وذلک يوم السبت لخمس ليالٍ أو ستّ بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه کلّهنّ في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامّة المهاجرين والأنصار، ومن شاء اللَّه من قبائل العرب وأفناء الناس.

وعند خروجه صلي الله عليه و آله أصاب الناس بالمدينة جُدَري- بضم الجيم وفتح الدال، وبفتحهما- أو حصبة[4] منعت کثيراً من الناس من الحجّ معه صلي الله عليه و آله، ومع ذلک کان معه جموع لا يعلمها إلّا اللَّه تعالي، وقد يقال: خرج معه تسعون ألفاً، ويقال: مائة ألفٍ وأربعةَ عشرَ ألفاً، وقيل: مائة ألفٍ وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفاً، ويقال: أکثر من ذلک، وهذه عدّة من خرج معه.

وأمّا الذين حجّوا معه فأکثر من ذلک؛ کالمقيمين بمکّة، والذين أتوا من اليمن مع عليّ أميرالمؤمنين وأبي موسي.

أصبح صلي الله عليه و آله يوم الأحد بمَلَل،[5] ثمّ راح فتعشّي بشَرَف السيَالة،[6] وصلّي هناک المغرب والعشاء، ثمّ صلّي الصبح بعِرْق الظُّبْية، ثمّ نزل الرَّوْحاء،[7] ثمّ سار من

[صفحه 253]

الرَّوْحاء فصلّي العصر بالمُنْصَرَف،[8] وصلّي المغرب والعشاء بالمتعشّي، وتعشّي به، وصلّي الصبح بالأثاية، وأصبح يوم الثلاثاء بالعَرْج،[9] واحتجم بلَحْي جمل؛ وهو عقبة الجحفة، ونزل السُّقيا[10] يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء،[11] وصلّي هناک، ثمّ راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة،[12] ومنها إلي قُدَيد،[13] وسَبَتَ فيه، وکان يوم الأحد بعُسفان،[14] ثمّ سار، فلمّا کان بالغَميم[15] اعترض المشاة فصفّوا صفوفاً فشکوا إليه المشي، فقال: استعينوا بالنسلان؛ مشي سريع دون العَدْو، ففعلوا، فوجدوا لذلک راحة.

وکان يوم الاثنين بمرّ الظهران،[16] فلم يبرح حتي أمسي، وغربت له الشمس بسَرف،[17] فلم يُصلِّ المغرب حتي دخل مکّة. ولمّا انتهي إلي الثنيّتين بات بينهما،

[صفحه 254]

فدخل مکّة نهار الثلاثاء.

فلمّا قضي مناسکه، وانصرف راجعاً إلي المدينة- ومعه من کان من الجموع المذکورات- ووصل إلي غدير خمّ[18] من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلک يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة-، نزل إليه جبرئيل الأمين عن اللَّه بقوله: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ» الآية، وأمره أن يقيم عليّاً عَلماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة علي کلّ أحد.

وکان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول اللَّه أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلک المکان، ونهي عن سَمُرات[19] خمسٍ متقارباتٍ دوحاتٍ عِظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتي إذا أخذ القوم منازلهم فقُمّ[20] ما تحتهنّ، حتي إذا نودي بالصلاة- صلاة الظهر- عمد إليهنّ، فصلّي بالناس تحتهنّ، وکان يوماً هاجراً؛[21] يضع الرجل بعض ردائه علي رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء.

وظُلّل لرسول اللَّه بثوب علي شجرة سَمُرة من الشمس. فلمّا انصرف صلي الله عليه و آله من صلاته قام خطيباً وسط القوم، علي أقتاب الإبل، وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته،

[صفحه 255]

فقال: الحمد للَّه، ونستعينه ونؤمن به، ونتوکّل عليه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن ضلّ، ولا مضلّ لمن هدي، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

أمّا بعد: أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي اُوشک أن اُدعي فأجيب،[22] وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّک قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاک اللَّه خيراً. قال: ألستُم تشهدون أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور!! قالوا: بلي نشهد بذلک. قال: اللهمّ اشهد.

ثمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعون! قالوا: نعم. قال: فإنّي فَرَط[23] علي الحوض، وأنتم واردون علَيّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء[24] وبُصري،[25] فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا کيف تخلفوني في الثَّقَلين!! فنادي منادٍ: وما الثَّقَلان يا رسول اللَّه؟ قال: الثَّقَل الأکبر: کتاب اللَّه، طرف بيد اللَّه عزّ وجلّ، وطرف بأيديکم؛ فتمسّکوا به لا تضلّوا. والآخر الأصغر: عترتي. وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتي يردا علَيّ الحوض، فسألت ذلک لهما ربّي، فلا تَقدَّموهما؛ فتَهلکوا، ولا تُقصّروا عنهما؛ فتَهلکوا.

[صفحه 256]

ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها- حتي رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون- فقال: أيّها الناس، من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم! قال: إنّ اللَّه مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم؛ فمن کنت مولاه فعليّ مولاه- يقولها ثلاث مرّات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات- ثمّ قال: اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدِر الحقّ معه حيث دار. ألا فليُبلِّغ الشاهد الغايب.

ثمّ لم يتفرّقوا حتي نزل أمين وحي اللَّه بقوله: «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي»[26] الآية، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: اللَّه أکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي. ثمّ طفِق القوم يهنّئون أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بکر وعمر، کلٌّ يقول: بَخٍ بَخٍ لک يابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولاي ومولي کلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس: وجبت واللَّه في أعناق القوم.

فقال حسّان: إيذن لي يا رسول اللَّه أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ. فقال: قل علي برکة اللَّه. فقام حسّان فقال: يا معشر مَشيخة قريش! أتبعها قولي بشهادة من رسول اللَّه في الولاية ماضية، ثمّ قال:


يُناديهمُ يومَ الغدير نبيُّهم
بِخُمٍّ فأسمِعْ بالرسولِ مُناديا


هذا مجمل القول في واقعة الغدير، وسيوافيک تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الاُمّة علي هذا، وليست في العالم کلّه- وعلي مستوي البسيط- واقعة إسلاميّة

[صفحه 257]

غديرية غيرها، ولو اُطلق يومه فلا ينصرف إلّا إليه، وإن قيل محلّه، فهو هذا المحلّ المعروف علي أمَم[27] من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحّاثة والمنقّبين سواه.[28] .

766- تاريخ دمشق عن أبي سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ» علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم غدير خُمّ في عليّ بن أبي طالب.[29] .

767- الإمام الحسين عليه السلام: لمّا انصرف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من حجّة الوداع، نزل أرضاً يقال لها: ضوجان،[30] فنزلت هذه الآية: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ».

فلمّا نزلت عصمته من الناس نادي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه، وقال عليه السلام: من أولي منکم بأنفسکم؟ فضجّوا بأجمعهم وقالوا: اللَّه ورسوله. فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه،

[صفحه 258]

وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله؛ فإنّه منّي، وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

وکانت آخر فريضة فرضها اللَّه تعالي علي اُمّة محمّد صلي الله عليه و آله، ثمّ أنزل اللَّه تعالي علي نبيّه: «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا».[31] .

768- الإمام الباقر عليه السلام- في قوله تعالي: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و»-: هي الولاية.[32] .

769- عنه عليه السلام: حجّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من المدينة- وقد بلّغ جميعَ الشرائع قومَه، غير الحجّ والولاية- فأتاه جبرئيل عليه السلام، فقال له: يا محمّد، إنّ اللَّه جلّ اسمه يُقرئُک السلام، ويقول لک: إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلّا بعد إکمال ديني، وتأکيد حجّتي، وقد بقي عليک من ذاک فريضتان ممّا تحتاج أن تبلّغهما قومک: فريضة الحجّ، وفريضة الولاية والخلافة من بعدک؛ فإنّي لم اُخلِ أرضي من حجّة، ولن اُخليها أبداً. فإنّ اللَّه- جلّ ثناؤه- يأمرک أن تبلّغ قومک الحجّ، وتحجّ، ويحجّ معک من استطاع إليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب، وتعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزکاتهم وصيامهم، وتوقفهم من ذلک علي مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع.

فنادي منادي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في الناس: ألا إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يريد الحجّ، وأن

[صفحه 259]

يعلّمکم من ذلک مثل الذي علّمکم من شرائع دينکم، ويوقفکم من ذلک علي ما أوقفکم عليه من غيره.

فخرج صلي الله عليه و آله، وخرج معه الناس، وأصغوا إليه؛ لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله.

فحجّ بهم، وبلغ مَن حجّ مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب- سبعين ألف إنسان، أو يزيدون، علي نحو عدد أصحاب موسي السبعين ألفاً...

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن اللَّه عزّوجلّ، فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه عزّوجلّ يُقرئُک السلام ويقول لک: إنّه قد دنا أجلُک ومدّتک، وأنا مستقدمک علي ما لابدّ منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدک، وقدّم وصيّتک، واعمد إلي ما عندک؛ من العلم، وميراث علوم الأنبياء من قبلک، والسلاح، والتابوت، وجميع ما عندک من آيات الأنبياء، فسلِّمه إلي وصيّک وخليفتک من بعدک؛ حجّتي البالغة علي خلقي؛ عليّ بن أبي طالب، فأقمه للناس علماً، وجدّد عهده وميثاقه وبيعته، وذکِّرهم ما أخذتَ عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتَهم به، وعهدي الذي عهدتَ إليهم؛ من ولاية وليّي ومولاهم ومولي کلّ مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب؛ فإنّي لم أقبض نبيّاً من الأنبياء إلّا من بعد إکمال ديني وحجّتي، وإتمام نعمتي؛ بولاية أوليائي، ومعاداة أعدائي، وذلک کمال توحيدي وديني.

وإتمام نعمتي علي خلقي باتّباع وليّي وطاعته؛ وذلک أنّي لا أترک أرضي بغير وليّ ولا قيّم؛ ليکون حجّةً لي علي خلقي ف«الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا» بولاية وليّي ومولي کلّ مؤمن ومؤمنة؛ عليّ عبدي، ووصيّ نبيّي، والخليفة من بعده، وحجّتي البالغة علي خلقي، مقرونةٌ طاعته بطاعة محمّد نبيّي، ومقرونة طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي، من

[صفحه 260]

أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علماً بيني وبين خلقي.... فلمّا بلغ غدير خمّ- قبل الجحفة بثلاثة أميال- أتاه جبرئيل عليه السلام- علي خمس ساعات مضت من النهار- بالزجر والانتهار، والعصمة من الناس! فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه عزّوجلّ يُقرئُک السلام، ويقول لک: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ» في عليّ، «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ». وکان أوائلهم قريباً من الجحفة، فأمره بأن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم، في ذلک المکان؛ ليقيم عليّاً للناس علماً، ويبلّغهم ما أنزل اللَّه تعالي في عليّ عليه السلام، وأخبره بأنّ اللَّه عزّوجلّ قد عصمه من الناس.[33] .

770- عنه عليه السلام: لمّا أنزل اللَّه علي نبيّه: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْکَفِرِينَ»،- قال-: فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بيد عليّ فقال: يا أيّها الناس، إنّه لم يکن نبيّ من الأنبياء ممّن کان قبلي إلّا وقد عُمّر ثمّ دعاه اللَّه فأجابه، واُوشک أن اُدعي فاُجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فما أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنّک قد بلّغت، ونصحت، وأدّيت ما عليک؛ فجزاک اللَّه أفضل ما جزي المرسلين. فقال: اللهمّ اشهد.

ثمّ قال: يا معشر المسلمين، ليبلغ الشاهد الغايب: اُوصي من آمن بي وصدّقني بولاية عليّ، ألا إنّ ولاية عليّ ولايتي وولايتي، ولاية ربّي، ولا

[صفحه 261]

يدري[34] عهداً عهده إليّ ربّي وأمرني أن اُبلّغکموه.

ثمّ قال: هل سمعتم- ثلاث مرّات يقولها-؟ فقال قائل: قد سمعنا يا رسول اللَّه.[35] .

771- شواهد التنزيل عن زياد بن المنذر: کنت عند أبي جعفر محمّد بن عليّ وهو يحدّث الناس، إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الأعشي- کان يروي عن الحسن البصري- فقال له: يابن رسول اللَّه، جعلني اللَّه فداک، إنّ الحسن يخبرنا أنّ هذه الآية نزلت بسبب رجل، ولا يخبرنا من الرجل: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ»!!

فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به، ولکنّه يخاف. إنّ جبرئيل هبط علي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال له: إنّ اللَّه يأمرک أن تدلّ اُمّتک علي صلاتهم، فدلّهم عليها. ثمّ هبط فقال: إنّ اللَّه يأمرک أن تدلّ اُمّتک علي زکاتهم، فدلّهم عليها. ثمّ هبط فقال: إنّ اللَّه يأمرک أن تدلّ اُمّتک علي صيامهم، فدلّهم. ثمّ هبط فقال: إنّ اللَّه يأمرک أن تدلّ اُمّتک علي حجّهم، ففعل.

ثمّ هبط فقال: إنّ اللَّه يأمرک أن تدلّ اُمّتک علي وليّهم- علي مثل ما دللتَهم عليه؛ من صلاتهم، وزکاتهم، وصيامهم، وحجّهم- ليُلزمهم الحجّة في جميع ذلک. فقال رسول اللَّه: يا ربّ، إنّ قومي قريبو عهد بالجاهليّة، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلّا وقد وتره وليّهم، وإنّي أخاف!! فأنزل اللَّه تعالي: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و»؛ يريد فما بلّغتها

[صفحه 262]

تامّة، «وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ». فلمّا ضمن اللَّه له بالعصمة[36] وخوّفه أخذ بيد عليّ بن أبي طالب، ثمّ قال: يا أيّها الناس، من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه.

قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت إلي بلدي بشي ء أحبّ إليَّ من هذا الحديث.[37] .

772- الإمام الباقر عليه السلام: لمّا نزل جبرئيل عليه السلام علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في حجّة الوداع بإعلان أمر عليّ بن أبي طالب عليه السلام: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ» إلي آخر الآية- قال:- فمکث النبيّ صلي الله عليه و آله ثلاثاً حتي أتي الجحفة، فلم يأخذ بيده؛ فرَقاً[38] من الناس.

فلمّا نزل الجحفة يوم الغدير في مکان يقال له: مَهْيَعة، فنادي:[39] الصلاة جامعة، فاجتمع الناس. فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: من أولي بکم من أنفسکم؟ قال: فجهروا فقالوا: اللَّه ورسوله. ثمّ قال لهم الثانية، فقالوا: اللَّه ورسوله. ثمّ قال لهم الثالثة، فقالوا: اللَّه ورسوله.

فأخذ بيد عليّ عليه السلام، فقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله؛ فإنّه منّي، وأنا منه، وهو

[صفحه 263]

منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.[40] .

773- مشکل الآثار عن عمر بن عليّ عن الإمام عليّ عليه السلام: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله حضر الشجرة بخمّ، فخرج آخذاً بيد عليّ، فقال: يا أيّها الناس، أ لستم تشهدون أنّ اللَّه ربّکم؟! قالوا: بلي. قال: ألستم تشهدون أنّ اللَّه ورسوله أولي بکم من أنفسکم، وأنّ اللَّه ورسوله مولاکم؟!! قالوا: بلي. قال: من کنت مولاه فعليّ مولاه. إنّي قد ترکت فيکم ما إن أخذتم لن تضلّوا بعدي؛ کتاب اللَّه بأيديکم، وأهل بيتي.[41] .

774- إثبات الوصيّة: لمّا صار [صلي الله عليه و آله] بوادي خُمّ نزل عليه الوحي في أميرالمؤمنين عليه السلام آية العصمة من الناس، وقد کان الأمر قبل ذلک يأتيه فيتوقّف؛ انتظاراً لقول اللَّه عزّوجلّ: «وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ».

فلمّا نزلت قام خطيباً، فحمد اللَّه وأثني عليه کثيراً، ثمّ نصب أميرالمؤمنين عليه السلام علماً وقيّماً مقامه بعده. وکان من حديث غدير خُمّ ما رواه الناس، ثمّ انصرف في آخر ذي الحجّة.[42] .

775- بشارة المصطفي عن ابن عبّاس- في قوله عزّوجلّ: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْکَفِرِينَ»-: نزلت في عليّ عليه السلام؛ اُمر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يبلّغ فيه، فأخذ النبيّ صلي الله عليه و آله بيد عليّ عليه السلام، فقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من

[صفحه 264]

والاه، وعادِ من عاداه.[43] .

776- تفسير العيّاشي عن ابن عبّاس وجابر بن عبد اللَّه: أمر اللَّه تعالي نبيّه محمّداً صلي الله عليه و آله أن ينصب عليّاً عليه السلام علماً للناس؛ ليخبرهم بولايته. فتخوّف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يقولوا: حامي ابن عمّه، وأن يطغوا في ذلک عليه. فأوحي اللَّه إليه: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ»، فقام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بولايته يوم غدير خمّ.[44] .

777- تفسير الفخر الرازي- في ذيل قوله تعالي: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...»-: ذکر المفسّرون في سبب نزل الآية وجوهاً:... العاشر: نزلت الآية في فضل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ [صلي الله عليه و آله] بيده وقال: من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه. فلقيه عمر فقال: هنيئاً لک يابن أبي طالب؛ أصبحتَ مولاي ومولي کلّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عبّاس، والبراء بن عازب، ومحمّد بن عليّ.[45] .

[صفحه 265]



صفحه 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 262، 263، 264، 265.





  1. المائدة: 67.
  2. الترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه (لسان العرب: 270:11).
  3. صُحار: قرية باليمن نسب الثوب إليها، وقيل: هو من الصُّحرة؛ وهي حمرة خفيّة کالغُبرة؛ يقال: ثوب أصحر وصُحاري (النهاية: 12:3).
  4. الجُدَري والحصْبة: هما بَثر يظهر في الجلد (النهاية: 394:1).
  5. في المصدر: «بيَلمْلَم» وهو خطأ، ونقل عن عائشة: أصبح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم الأحد بملل علي ليلة من المدينة، ثمّ راح فتعشّي بشرَف السيّالة وصلّي الصبح بعرق الظبية (معجم البلدان: 336:3، تاج العروس: 632:11).
  6. شَرَف السَيّالة: موضع بين ملل والروحاء (معجم البلدان: 336:3).
  7. الروحاء: موضع بين مکّة والمدينة علي ثلاثين أو أربعين ميلاً عن المدينة. وسمّيت الروحاء لانفتاحها ورواحها (راجع معجم البلدان: 76:3).
  8. المُنْصَرَف: موضع بين مکّة وبدر بينهما أربعة برد (معجم البلدان: 211:5).
  9. العَرْج: عقبة بين مکّة والمدينة علي جادّة الطريق (تقويم البلدان: 79).
  10. في المصدر: «السقياء» والتصحيح من معجم البلدان. وهي قرية جامعة من عمل الفُرع بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً (معجم البلدان: 228:3).
  11. الأَبْواء: قرية قرب المدينة في الشمال، عن الجحفة علي ثمان فراسخ، وقيل إنّ بها توفّي عبد اللَّه والد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله (راجع تقويم البلدان: 81).
  12. الجُحْفة: وهي ميقات المصريّين والشاميّين بالقرب من رابغ (تقويم البلدان: 80).
  13. راجع: أحاديث الوصاية/ وصايته من اللَّه.
  14. عُسْفان: هي منزلة للحجّاج علي مرحلة من خليص في الجنوب (تقويم البلدان: 82).
  15. وهو کُرَاع الغميم: واد أمام عُسفان بثمانية أميال (معجم البلدان: 443:4).
  16. الظَّهْران: وادٍ قرب مکّة، وعنده قرية يقال لها مرّ، تضاف إلي هذا الوادي فيقال: مرّ الظهران (معجم البلدان: 63:4).
  17. سَرِف: موضع علي ستّة اميال من مکّة، تزوّج به الرسول صلي الله عليه و آله ميمونة بنت الحارث، وهناک توفّيت (معجم البلدان: 212:3).
  18. غَدير خُمّ: خُمّ وادٍ بين مکّة والمدينة عند الجحفة به غدير، عنده خطب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله (معجم البلدان: 389:2).
  19. السَّمُرة: من شجر الطلح، والجمع سَمُرٌ وسَمُرات (لسان العرب: 379:4).
  20. قَمَّ الشي ء قمّاً: کنَسَه (لسان العرب: 493:12).
  21. الهَجير والهَجيرة والهَجْر والهاجرة: نصف النهار عند زوال الشمس إلي العصر، وقيل في کلّ ذلک: إنّه شدّة الحرّ (لسان العرب: 254:5).
  22. في الطبعة المعتمدة «فأجبت» والصحيح ما أثبتناه کما في طبعة مرکز الغدير.
  23. أنا فَرَطکم علي الحوض: أي متقدّمکم إليه (النهاية: 434:3).
  24. صنعاء: عاصمة اليمن، وتقع جنوب الحجاز، وشمال مدينة عدن. وکانت من أهمّ مدن اليمن والحجاز آنذاک.
  25. بُصري: مدينة تبعد عن دمشق تسعين کيلو متراً من الجنوب الشرقي. وکان لها أهمّية عظمي أيّام الروم. فتحت علي يد خالد بن الوليد في السنه (13 ه ).
  26. المائدة: 3.
  27. الأمَمُ: القرب (لسان العرب: 28:12).
  28. الغدير: 9:1.
  29. تاريخ دمشق: 237:42، أسباب نزول القرآن: 403:204 وليس فيه «علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله»، النور المشتعل: 16:86 وليس فيه «يوم غدير خمّ»، شواهد التنزيل: 244:250:1 وليس فيه «علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم غدير خمّ»، الدرّ المنثور: 117:3 نقلاً عن ابن مردويه عن ابن مسعود وفيه: «کنّا نقرأ علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْکَ مِن رَّبِّکَ» أنّ عليّاً مولي المؤمنين، «وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و وَاللَّهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ» »؛ المناقب لابن شهر آشوب: 21:3 عن ابن عبّاس وليس فيه «علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله».
  30. الظاهر تصحيف: «الضَّجَنان» أو «الضَّجْنان». قال الواقدي: بين ضجنان ومکّة خمسة وعشرون ميلاً. وعن البکري: بينه وبين قُدَيد ليلة (راجع معجم البلدان: 453:3 ومعجم ما استعجم: 856:3).
  31. البرهان في تفسير القرآن: 2909:226:2 عن محمّد بن إسحاق عن الإمام الباقر عن أبيه عليهاالسلام وراجع تفسير القمّي: 173:1.
  32. مختصر بصائر الدرجات: 64، بصائر الدرجات: 40:516 کلاهما عن الفضيل بن يسار.
  33. الاحتجاج: 32:133:1، اليقين: 127:343 کلاهما عن علقمة بن محمّد الحضرمي، روضة الواعظين: 100، بحارالأنوار: 86:201:37 وراجع الکافي: 3:293:1 وجامع الأخبار: 52:47.
  34. کذا في المصدر، والظاهر زيادة «ولا يدري» کما في بحارالأنوار.
  35. تفسير العيّاشي: 155:334:1 عن أبي الجارود، بحارالأنوار: 35:141:37.
  36. کذا، وفي نسخة اُخري: «ضمن اللَّه له العصمة».
  37. شواهد التنزيل: 248:254:1؛ تفسير العيّاشي: 154:333:1 نحوه.
  38. الفَرَق: الخوف (لسان العرب: 304:10).
  39. کذا، والظاهر أنّها «نادي».
  40. تفسير العيّاشي: 153:332:1 عن سدير، بحارالأنوار: 32:139:37.
  41. مشکل الآثار: 307:2، السنّة لابن أبي عاصم: 1361:591 وفيه إلي «فعليّ مولاه »، تاريخ دمشق: 8693:213:42 نحوه، کنز العمّال: 36441:140:13.
  42. إثبات الوصيّة: 132.
  43. بشارة المصطفي: 243، الأمالي للشجري: 145:1، المناقب لابن شهر آشوب: 21:3؛ شواهد التنزيل: 245:251:1.
  44. تفسير العيّاشي: 152:331:1.
  45. تفسير الفخر الرازي: 52:12.