الفرضيّة الثالثة تحديد المستقبل والنصّ علي الخلافة











الفرضيّة الثالثة تحديد المستقبل والنصّ علي الخلافة



هي أن نؤمن بأن رسول اللَّه اتّخذ موقفاً إيجابيّاً من مستقبل الرسالة، وعاش قضيّة هذا المستقبل بمسؤوليّة کبيرة، بحيث اختار من يخلفه في القيمومة علي الرسالة وخلافة الاُمّة. وما واقعة الغدير وما جري فيها، ونصوص تلک الخطبة العصماء التي ألقاها بها النبيّ علي جموع المسلمين، إلّا تصريحاً وتأکيداً لما کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد أعلنه قبل ذلک مرّات من ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإمامة هذا المجاهد العظيم.[1] .

لقد اختاره النبيّ منذ أيّام حياته الاُولي، فنشأ في کنف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وتربّي في حجره وتحت رعايته دون أن يدنّس الشرکُ لحظةً من حياته الطاهرة. علي أنّه ليس أدلّ علي هذه النشأة النظيفة من کلام عليّ عليه السلام نفسه، وهو يقول:

«وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخَصِيصة.

[صفحه 21]

وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلي صدره، ويَکنُفني في فراشه، ويُمسِنّي جسده، ويُشِمّني عَرْفَه. وکان يمضغ الشي ء ثمّ يُلقمنيه، وما وجد لي کذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن اللَّه به صلي الله عليه و آله من لدن أن کان فطيماً أعظم ملک من ملائکته يسلُک به طريق المکارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.

ولقد کنت أتَّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمّه، يرفع لي في کلّ يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد کان يجاور في کلّ سنة بحِراءَ، فأراه ولا يراه غيري، ولم يَجْمَع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وخديجة وأنا ثالثهما؛ أري نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة.

ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه و آله، فقلت: يا رسول اللَّه! ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيِس من عبادته. إنّک تسمع ما أسمع، وتري ما أري، إلّا أنّک لست بنبيّ، ولکنّک لوزير، وإنّک لعلي خير».[2] .

إنّ الأحاديث النبويّة التي تصرّح بإمامة عليّ بن أبي طالب وولايته، هي من الشمول والکثرة بحيث لا تدع مجالاً للاسترابة والشکّ. فنبيّ اللَّه لم يصدع ب «حقّ الخلافة» للإمام ول «خلافة الحقّ» هذه مرّة واحدة أو مرّتين، بل فعل ذلک عشرات المرّات بالإشارة وبالصراحة، وحدّد مشروعاً واضحاً لمستقبل الاُمّة وغد الرسالة، علي مرأي من المسلمين جميعاً.

لقد امتدّت عمليّة إعلان هذا الحقّ العلويّ والإجهار به ونشره إلي أبعد مدي، لتستوعب من حياة النبيّ جميع سنّي عمره في تبليغ الرسالة، حتي بلغت في واقعة الغدير ذروتها القصوي، واستقرّت علي قمّتها الشاهقة.

[صفحه 22]

إنّ من يتأمّل هذه المواضع بأجمعها (ممّا سيأتي توثيقه في هذا الفصل کاملاً) لا يستريب لحظة في أنّ إمامة الاُمّة وقيادة المستقبل، لهي في طليعة شواغل النبيّ الأقدس صلي الله عليه و آله، وهي بنظره المهمّة الاُولي التي لا تتقدّمها مهمّة. لهذا ما وجد فرصة مواتية إلّا وأعلن فيها هذه الحقيقة، وما وجد موضعاً مناسباً إلّا وأفاد منه في إبلاغ هذا الأمر الإلهي.

لقد استندنا في هذا الفصل علي وثائق ومدوّنات ونصوص کثيرة تعود إلي کتب الفريقين في الحديث والتاريخ والتفسير. ثمّ سنبدأ البحث التحليلي في هذا المدخل منذ بدايات الرسالة، وأوائل أيّام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، حتي نبلغ به يوم الغدير کما سلفت الإشارة إلي ذلک.

وعند الغدير سنعيد عرض مکوّنات المشهد مجدّداً، ونمارس العرض والتحليل علي ضوء معطيات الرواية والدراية معاً.

هذه لمحة موجزة عن خطّة العمل، ودونکم التفاصيل في بيان أهمّ المساعي النبيّ لقيادة الإمام عليّ عليه السلام:

[صفحه 23]



صفحه 21، 22، 23.





  1. اقتبسنا أنوار هذا التحليل العقلي من الکتاب القيّم «نشأة التشيّع والشيعة»: 23 تا 56 للمفکّر الفقيه آية اللَّه العظمي الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، مع إيضاحات کثيرة منّا وعزو النقولات إلي مصادرها.
  2. راجع: القسم التاسع/ عليّ عن لسان عليّ/ المکانة عند رسول اللَّه/ القرابة القريبة.