السلبيّة إزاء المستقبل











السلبيّة إزاء المستقبل



العنصر الثاني الذي يمکن أن يوجّه الفرضيّة الاُولي ويقدّم لها تفسيراً منطقياً، هي أن نفترض أنّ النبيّ القائد يدرک الأخطار التي تحفّ دعوته، ويتطلّع إلي أهميّة المستقبل بنحو جيّد، لکنّه مع ذلک لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ تلک الأخطار، لأنّه يري أنّ رسالته تنتهي بحياته، وهو يتحمّل مسؤوليّتها مادام حيّاً، فإذا لم يعُد بين الناس، ولم يکن ثمّ خطر يتهدّد حياته، وإنّ ما يمکن أن تتعرّض له الدعوة من بعده لا يتعارض مع مصالحه الشخصيّة- وحاشاه- فلماذا يُبادر لحمايتها وتأمين مستقبلها؟ بل لِيدعها والاُمّة التي ترتبط بها بانتظار المصير

[صفحه 15]

المجهول!

أيليق هذا التصوّر بقائد واقعي، وسياسي فطن ورسالي مثابر؟! فکيف يصدق هذا علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ونفسُه الطهور لا تعرف الراحة في سبيل إعلاء کلمة اللَّه، حتي تسلّيه السماء، ويأتيه النداء الربّاني يدعوه إلي الهدوء: «طه × مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْکَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَي ».[1] .

وکيف يصدق ذلک علي نبيّ اللَّه، وهذه السماء تجسّم معاناته وما يبذله في سبيل هداية الناس: «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْکُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».[2] .

أوَيجوز أن يخامرنا مثل هذا التصوّر الذي يفترض السلبيّة واللامبالاة، وقد بلغ من تفاني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وتضحيته من أجل الرسالة أنّه لم يترک تدبير أمرها إلي آخر لحظة من حياته، حيث کان ينادي بتجهيز جيش اُسامة ويحثّ عليه وهو علي فراش الموت وقد ثقل عليه المرض؟!

أوَلا تکفينا رزيّة «يوم الخميس» وقد طلب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في آخر لحظات حياته أن يأتوه بدواة وقلم کي يکتب للاُمّة کتاباً لن تضلّ بعده أبداً، لنکفّ عن هذا التصوّر الواهي، ونعدّ ما يُزعم من سکوته عن مستقبل الاُمّة جرأة علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ودعوي واهية لا تليق بمقام هذا العظيم، وحريّ بنا أن ننزّه ساحته عنها وعن أمثالها؟!

علي ضوء ذلک کلّه، ليس من الممکن افتراض الموقف السلبي بحال من الأحوال. وهکذا تسقط الفرضيّة الاُولي.

[صفحه 16]



صفحه 15، 16.





  1. طه: 1 و 2.
  2. التوبة: 128.