توقف لا بد منه











توقف لا بد منه



ربما يخفي علي البعض من القراء الکرام أن الباحث و المحقق قد تستوقفه في أحيان ما بعض المحطات و المفارقات الممجوجة و المثيرة للاستهجان و الاستغراب، و التي يقف أمامها حائرا متعجبا يحاول جاهدا أن يجد لها تبريرا تستکين اليه نفسه و تستقر من خلاله.

نعم، و لعل من تلک المفارقات الغريبة التي استوقفتني کثيرا في تحقيقي لهذا المبحث الهام ما کان متعلقا منه بترجمتي لحياة هذا العلم- المتسامي في سماء الطائفة- الاغفال الغريب لتأريخ و لادته و نشأته، بل و التضارب البين في تحديد مصدر نسبته التي طبق صيتها الآفاق، و اصبحت سمة لا يعرف عند الکثيرين الا بها.

و لا اريد هنا أن أجد تبريرا لعلة هذا الاخفاق و الاضطراب، قدر ما أردت الاشارة الي کونه قصورا بينا لا مناص لنا من التسليم به و الاقرار بحقيقته، و العمل علي تلافيه و ادراک ما سقط منه.

بلي، بيد أن ما يختص بالقسم الاول من ذلک القصور- أي ما يتعلق بتأريخ ولادته- فاستطيع الجزم بأنه لا ياتي الا احتمالا و اجمالا، حيث لم اجد ما بحثت اشارة و لو بعيدة اليها، فلم يبق الا استقراء الشواهد المختلفة المبثوثة في طيات الکتب وترتيبها وفق التسلسل المنطقي لواقع الحال و صولا الي أقرب النتائج الموافقة للحقيقة.

فعند استقرائي لبعض مؤلفات الشيخ الکراجکي- و بالتحديد في کتابه الذائع الصيت والموسوم بکنز الفوائد- وجدته مزدانا باشارات متکررة لتواريخ خاصة بروايته عن بعض شيوخه أو غيرهم، و أماکن تلک الروايات، و لما کان بحثنا يتعلق بالشطر الاول منها، فقد عمدت الي استقصاء موارد الروايات هذه

[صفحه 20]

و تواريخها، فوجدت أن اقدامها تأريخا کان في سنة تسع و تسعين و ثلاثمائة هجرية، عند روايته عن أبي الحسن علي بن أحمد اللغوي المعروف بابن زکار، و بالتحديد في مدينة ميا فارقين[1] .[2] .

و لعله من المعروف بين رواة الاخبار و المحدثين کون المرء عند تلقيه لرواية في سن تمکنه من ذلک التلقي و من التحدث به، و هذا الامر يکون مألوفا في سن العشرين علي أقل تقديرِ، اذ لم يتجاوزها.

فبافتراض کونه في العشرين من عمره آنذاک فإن سنه عند وفاته- و التي لم تختلف المصادر في أنها کانت عام )449 ه) کانت في حدود السبعين عاما، والله تعالي هو العالم بحقيقة الحال.

هذا ما کان متعلقا بالطرف الاول من الجهالة التي قصرت عن اثباتها کتب السير و التراجم فدفعتنا الي الافتراض الذي قد لا يغني عن حقيقة الحال شيئا، بيد أنه و کما قيل حيلة المضطر.

و أما ما هو متعلق بأصل نسبته بالکراجکي فقد تضاربت في تحديدها أقوال القوم، و ذهب کل فريق إلي مذهب، و وافقه علي ذلک من تبعه دون تفحص أو تدبر قدر ما أحال تحديد النسبة إلي من سبقه.

وعموما فالامر يدور بين شقين رئسيين اثنين ما زاد عليهما فهو اما مردود اليهما، أو تفرد أحد المترجمين به، والشقين الرئيسيين هما:

)1( الانتساب الي قرية علي باب واسط في العراق.

)2( الانتساب الي مهنة صناعة الخيم.

فالطائفة الاولي تذهب الي أن أصل نسبته يعود الي قرية صغيرة غير مشهورة علي باب واسط تدعي کراجک(بضم الجيم)، و من القائلين بذلک:

[صفحه 21]

أ- الشيخ عباس القمي في الکني والالقاب[3] .

ب- الآقا بزرک في أعلام الشيعة[4] .

ج- المامقاني في تنقيح المقال[5] .

بيد أن تتبعي في المصادر المختلفة لم يرشدني الي وجود قرية بهذا الاسم علي باب واسط، عدا ما ذکره السمعاني في أنسابه من نسبة الکراجکة الي هذه القرية المجهولة بالنسبة اليه و التي حدثه عنها استاذه ابوالقاسم أسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ بإصبهان لما سأله عنها، علي حد قوله[6] .

و لم يتحدث عنها الحموي في معجم بلدانه الاباعتماد رواية السمعاني هذه عن استاذه فحسب دون زيادة أو نقصان[7] .

ثم إن السمعاني لم يقطع بوجود مثل هذه القرية، أو بمعرفته بها، و ان کان أورد اسمان لراويان تتطابق نسبتهما مع نسبة مترجمنا، ذکر أنهما يعودان بنسبهما الي تلک القرية، و هما: أحمد بن عيسي الکراجکي، و اخوه علي بن عيسي الکراجکي، الا انه ضبط النسبة بفتح الجيم لا بضمها کما ضبطها الآخرون[8] .

کما انه لا عبرة باعتماد روايته عن أبي عبدالله الحسين بن عبيدالله بن علي الواسطي[9] کدليل علي ذلک، لانه- و کما ذکر ذلک بعض مترجميه کان سائحا في البلاد، و غالبا في طلب الفقه و الحديث و الادب و غير هما، فلا غرابة أن يروي عن هذا و ذاک في أمصار و مدن مختلفة، و هذا بين لمن طالع کتبه، و بالاخص منها

[صفحه 22]

کنز الفوائد.

و أما الطائفة الثانية فقد ذهبت الي ان مصدر النسبة هي عمل الخيم، و ان اکتفي البعض منهم بکلمة الخيمي فحسب دون الکراجکي، غير أن وجود القاسم المشترک بينهم دفعنا لتصنيفهم ضمن الطائفة الثانية. و من القائلين بالتفسير الثاني:

أ- السيد الامين في أعيان الشيعة[10] .

ب- ابن حجر في لسان الميزان[11] .

ج- الذهبي في العبر[12] .

د- اليافعي في مرآة الجنان[13] .

ه- ابن العماد في شذرات الذهب[14] .

و- کحالة في معجم المؤلفين[15] .

و يبدو أن هذه النسبة- عند افتراضنا صحة ما فسره هؤلاء الاعلام من اعتبار کلمة کراجک هي عمل الخيم- هي الأقرب الي الصواب، و لعلها قد لحقتة نتيجة عمله بها أو عمل أحد آبائه، فعرفوا بها.

بيد أن عدم صواب هذا التفسير- الذي لم أجد له مرجحا في کتب اللغة- يعني تجزئة الخيمي عن الکراجکي، و لحاق الاولي به من أحد المدن التي کان يجوب فيها في البلاد المصرية، و بقاء الثانية بحاجة الي تفسير.

[صفحه 23]


صفحه 20، 21، 22، 23.








  1. قال الحموي في معجم بلدانه )235:5(: ميا فارقين أشهر مدينة بديار بکر، قالوا سميت بميا بنت لأنها أول من بناها، و فارقين هو الخلاف بالفارسية.
  2. انظر النسخة المطبوعة من الکتاب 1: 333.
  3. الکني والالقاب 88:3.
  4. النابس في القرن الخامس ِِ/ طبقات أعلام الشيعة: 177.
  5. تنقيح المقال 159:3.
  6. الانساب: 3414:58:11.
  7. معجم البلدان 443:4.
  8. الانساب 3414:58:11.
  9. انظر کنز الفوائد 184:1.
  10. أعيان الشيعة 400:9.
  11. لسان الميزان 1016:300:5 و قد تصفحت هذه الکلمة في النسخة المطبوعة الي الجسم بدل الخيم.
  12. العبر 294:2.
  13. مرآة الجنان 70:2.
  14. شذرات الذهب 283:3.
  15. معجم المؤلفين 27:11.