الجواب عن السؤال الثالث











الجواب عن السؤال الثالث



فاما الحجة علي ان المراد بلفظة «مولي» في خبر الغدير «الأولي» فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرحة و عطفوا عليها بکلام محتمل لما تقدم به التصريح و لغيره، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.

مثال ذلک: ان رجلا لو أقبل علي جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا: بلي، قال لهم عاطفا علي ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل، فأنه لا يجوز ان يريد بذلک ألا العبد الذي سماه و صرح بوصفه دون ما سواه، و يجري هذا مجري قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، و لو أراد غيره من عبيده لکان ملغزا غير مبين في کلامه.

و اذا کان الأمر کما وصفناه، و کان رسول الله صلي الله عليه و آله لم يزل مجتهدا في البيان، غيرمقصر فيه عن الإمکان، و کان قد أتي في أول کلامه يوم الغدير بأمر صرح به، و قرر أمته عليه، و هو أنه أولي بهم منهم بأنفسهم، علي المعني الذي قال الله تعالي في کتابه: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم)[1] ثم عطف علي ذلک بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله:«فمن کنت مولاه فعلي مولاه» و کانت «مولاه»[2] تحتمل ما صرح به في مقدمة کلامه و تحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في کلامه الذي قدمه، و أخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام «مولي»، و کان هذا قائما مقام قوله «فمن کنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه»، و حاشي لله أن لا يکون الرسول صلي الله عليه و آله أراد هذا بعينه.

[صفحه 50]


صفحه 50.








  1. الأحزاب 6:33.
  2. في نسخة «ه-»: مولي.