الجواب عن السؤال الثالث
مثال ذلک: ان رجلا لو أقبل علي جماعة فقال: الستم تعرفون عبدي فلانا الحبشي؟ ثم وصف لهم أحد عبيده وميزه عنهم بنعت يخصه صرح به، فإذا قالوا: بلي، قال لهم عاطفا علي ما تقدم: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله عزوجل، فأنه لا يجوز ان يريد بذلک ألا العبد الذي سماه و صرح بوصفه دون ما سواه، و يجري هذا مجري قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر، و لو أراد غيره من عبيده لکان ملغزا غير مبين في کلامه. و اذا کان الأمر کما وصفناه، و کان رسول الله صلي الله عليه و آله لم يزل مجتهدا في البيان، غيرمقصر فيه عن الإمکان، و کان قد أتي في أول کلامه يوم الغدير بأمر صرح به، و قرر أمته عليه، و هو أنه أولي بهم منهم بأنفسهم، علي المعني الذي قال الله تعالي في کتابه: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم)[1] ثم عطف علي ذلک بعد ما ظهر من اعترافهم بقوله:«فمن کنت مولاه فعلي مولاه» و کانت «مولاه»[2] تحتمل ما صرح به في مقدمة کلامه و تحتمل غيره، لم يجز أن يريد إلا ما صرح به في کلامه الذي قدمه، و أخذ إقرار أمته به دون سائر أقسام «مولي»، و کان هذا قائما مقام قوله «فمن کنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه»، و حاشي لله أن لا يکون الرسول صلي الله عليه و آله أراد هذا بعينه. [صفحه 50]
فاما الحجة علي ان المراد بلفظة «مولي» في خبر الغدير «الأولي» فهي أن من عادة أهل اللسان في خطابهم، إذا أوردوا جملة مصرحة و عطفوا عليها بکلام محتمل لما تقدم به التصريح و لغيره، فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.
صفحه 50.