الجواب عن السؤال الثاني











الجواب عن السؤال الثاني



و امّا الحجة علي أن لفظة «مولي» تحتمل «أولي» و انها احد أقسامها، فليس يطالب بها أيضا منصف کان له أدني الاطلاع في اللغة، و بعض الاختلاط بأهلها، لأن ذلک مستفيض بينهم، غير مختلف عندهم، و جميعهم يطلقون القول فيمن کان أولي بشي ء أنه مولاه.

و انا أوضح لک أقسام «مولي» في اللسان لتعلمها علي بيان.

اعلم ان لفظة «مولي» في اللغة تحتمل عشرة أقسام:

اولها: «الاولي»، و هو الاصل الذي ترجع إليه جميع الأقسام،قال الله تعالي: (فاليوم لا يؤخذ منکم فدية و لا من الذين کفروا مأواکم النار هي مولاکم و بئس المصير)[1] .

يريد سبحانه هي أولي بکم علي ما جاء في التفسير[2] و ذکره أهل اللغة[3] .

و قد فسره علي هذا الوجه أبوعبيدة معمر بن المثني[4] )18.371:1( في کتابه المعروف

[صفحه 45]

بالمجاز في القرآن[5] ، و منزلته في العلم بالعربية معروفة، و قد استشهد علي صحة تأويله ببيت لبيد[6] .


فغدت کلا الفرجين تحسب أنه
مولي المخافة خلفها وامامها[7] .


يريد أولي المخافة، و لم ينکر علي أبي عبيدة أحد من أهل اللغة.

و ثانيها: مالک الرق، قال الله سبحانه: (ضرب الله مثلا عبدا مملوکا لا يقدر علي شي ء) (إلي قوله تعالي) (و هو کل علي مولاه)[8] يريد مالکه، و اشتهار هذا القسم يغني عن الإطالة فيه.

و ثالثها المعتق[9] .

و رابعها: المعتق[10] ، و ذلک أيضا مشهور معلوم.

و خامسها: ابن العم[11] قال الشاعر[12] .

[صفحه 46]

مهلا بني عمنا مهلا موالينا
(لا تنشروا بيننا)[13] ما کان مدفونا[14] .


و سادسها: الناصر، قال الله عزوجل (ذلک بأن الله مولي الذين آمنوا و أن الکافرين لا مولي لهم)[15] .

يريد لا ناصر لهم[16] .

و سابعها: المتولي لضمان الجريرة و من يحوز الميراث[17] .

قال الله عزوجل: (و لکل جعلنا موالي مما ترک الوالدان و الاقربون و الذين عقدت أيمانکم فآتوهم نصيبهم إن الله کان علي کل شي ء شهيدا)[18] .

و قد أجمع المفسرون علي أن المراد بالموالي ها هنا من کان أملک بالميراث، و أولي بحيازته[19] .

قال الأخطل:


فأصبحت مولاها من الناس بعده
وأحري قريش أن تهاب وتحمدا[20] .

[صفحه 47]

و ثامنها: الحليف[21] .

و تاسعها: الجار[22] .

و هذان القسمان أيضا معروفان.

و عاشرها: الإمام السيد المطاع[23] ، و سيأتي الدليل عليه في الجواب عن السؤال الرابع إن شاء الله تعالي.

فقد اتضح لک بهذا البيان ما تحتمله لفظة «مولي» من الأقسام، و أن «أولي» أحد محتملاتها في معاني الکلام، بل هي الأصل و إليها يرجع معني کل قسم، لأن مالک الرق لما کان أولي بتدبير عبده من غيره کان لذلک مولاه.

و المعتق لما کان أولي بميراث المعتق من غيره کان مولاه.

و المعتق لما کان أولي بمعتقه في تحمله لجريرته، و ألصق به من غيره کان مولاه.

و ابن العم لما کان اولي بالميراث ممن هو أبعد منه في نسبه، و أولي أيضا من الأجنبي بنصرة ابن عمه، کان مولي.

و الناصر لما اختص بالنصرة و صاربها أولي، کان لذلک مولي.

[صفحه 48]

و اذا تأملت بقية الأقسام وجدتها جارية هذا المجري، و عائدة بمعناها إلي «الأولي»، و هذا يشهد بفساد قول من زعم أنه متي اريد بمولي «أولي» کان ذلک مجازا، و کيف يکون مجازا و کل قسم من أقسام «مولي» عائد إلي معني الأولي ؟! و قد قال الفراء[24] . في کتاب «معاني القرآن» أن الولي والمولي في کلام العرب واحد[25] .

[صفحه 49]


صفحه 45، 46، 47، 48، 49.








  1. الحديد 15:57.
  2. تفسير الطبري: 131:27، الکشاف 64:4، زاد المسير الکبير للرازي 227:29.
  3. معاني القرآن للفراء 134:3، معاني القرآن- للزجاج- 125:5، الصحاح- ولي- 2528:6.
  4. معمر بن المثني التيمي، تيم قريش، أو تيم بني مرة علي خلاف بينهم، و هو علي القولين معا مولي لتيم، و قد اختلفوا في مولده، و لعل الأقرب إلي الصحة أنه ولد سنة 110ه-، و لم تذکر المراجع اين ولد، إلا أنها تصفه في عداد علماء البصرة، ارتحل إلي بغداد سنة ثمانية و ثمانين و مائة حيث جالس الفضل بن الربيع و جعفر ابن يحيي و سمعا منه، و تکاد تتفق کلمات أصحاب المراجع علي أنه کان من الخوارج، و أنه کان يکتم ذلک و لا يعلنه، و لکن يبدو أنهم اختلفوا في الفرقة التي ينتمي إليها، فمنهم من يقول: إنه کان صفريا، في حين يذهب الآخرون إلي أنه کان من الإ باظية.

    عاصر من علماء اللغة: الأ صمعي و أبا زيد، و له معهم مناظرات متعددة، کان يرجحه الباحثون في کثير منها عليهما.

    توفي نحو سنة 210 ه، و قيل: لم يحضر جنازته أحد لأنه کان شديد النقد لمعاصريه.

    انظر: فهرست النديم: 59، تأريخ بغداد 254:13، معجم الادباء 154:9 تذکرة الحفاظ

  5. مجاز القرآن 254:2.
  6. لبيد بن ربيعة العامري، من شعراء المعلقات، أدرک رسول الله صلي الله عليه و آله و أسلم و حسن إسلامه، يصفه المؤرخون بأنه ذو مروءة و کرم مشهود، عاش بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله حتي زمن عثمان بن عفان، يقال: إن عمر بن الخطاب کتب إلي و اليه في الکوفة المغيرة إن يستنشد من بالکوفة من الشعراء بعض ما قالوه في الاسلام، فلما سأل لبيدا قال له: إن شئت من أشهار الجاهلية، فقال: لا، فذهب فکتب سورة البقرة في صحيفة و قال: أبدلني الله هذه في الاسلام مکان الشعر.

    انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري.

  7. من معلقته التي يقال إنه انشدها النابعة فقال له: اذهب فأنت أشعر العرب، و مطلعها:


    عفت الديار محلها فمقامها
    بمني تابد غولاها فرجامها


    انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري 51:163.

  8. النحل 76 - 75:16.
  9. أحکام القرآن- للقرطبي- 166:5، الصحاح- ولي- 2529:6، و في الحديث: نهي عن بيع الولاء و عنه هبته.
  10. أحکام القرآن- للقرطبي- 166:5، الصحاح- ولي- 2529:6.
  11. مجاز القرآن 125:1، أحکام القران للجصاص- 184:2، تفسير الطبري 32:5.
  12. هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، و اسمه عبدالعزي بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، و کان أحد شعراء بني هاشم المذکورين و فصحائهم، و کان شديد الأدمة، و لذلک قال: و أنا الأخضر من يعرفني؛ کان معاصرا للخليفة الاموي عبدالملک بن مروان، و له أشهار متناثرة في بطون الکتب.

    انظر: الاغاني- لأبي الفرج- 175:16.

  13. في المصادر: لا تظهرن لنا.
  14. انظر: مجاز القرآن 125:1، أحکام القرآن- للجصاص- 184:2، تفسير الطبري 32:5.
  15. محمد(ص) 11:47.
  16. تفسير الطبري 30:25، زاد المسير 400:7، التفسير الکبير- للرازي- 50:28، أحکام القرآن- للقرطبي- 166:5.
  17. في نسخة «ه-»الميزان.
  18. النساء 33:4.
  19. معاني القرآن- للزجاج- 46:2، تفسير الطبري 32:5، مجاز القرآن 124:1، تفسير الرازي 84:10، أحکام القرآن- للقرطبي- 167:5، تفسير ابن جزي:118، زاد المسير 71:2.
  20. من قصيدة له في مدح عبدالملک بن مروان الاموي، يقول فيها:


    فما وجدت فيها قريش لأمرها
    أعف و اولي من ابيک و أمجدا!!


    واوري بزنديه و لو کان غيره
    غداة اختلاف الناس ألوي و أصلد!!


    و الأخطل هو: غياث بن غوث بن الصلت بن الطارقة، و يقال: ابن سيحان بن عمرو بن الفدوکس بن عمرو بن تغلب، و يکني أبا مالک، و الأخطل لقب غلب عليه، ذکر أن السبب فيه أنه هجا رجلا من قومه، فقال له: يا غلام أنک لأخطل ؛ و قيل: إن عتبة بن الزغل حمل حمالة فأتي قومه يسأل فيها، فجعل الأخطل يتکلم و هو يومئذ غلام، فقال عتبة: من الغلام الأخطل ، فلقب به ، و قيل غير ذلک.

    کان نصرانياً من أهل الجزيرة ، برع في الشعر حتي عدوه هو و جرير والفرزدق طبقة واحدة ، و هو کما يعدونه من شعراء بني امية.

    انظر: الأغاني 280:8.

  21. قال النابغة الجعدي:


    موالي حلف لا موالي قرابة
    و لکن قطينا يسألون الأتاويا


    يقول: هم حلفاء لا أبناء عم.

    و قول الفرزدق:


    فلو کان عبدالله مولي هجرته
    و لکن عبدالله مولي مواليا


    لأن عبدالله بن أبي إسحاق مولي الحضرميين، و هم حلفاء بني عبدشمس بن عبدمناف، و الحليف عند العرب مولي.

    انظر: الصحاح- ولي- 2529:6.

  22. الصحاح 2529:6.
  23. الصحاح 2530:6.
  24. يحيي بن زياد بن عبدالله الأسلمي الديلمي الکوفي، مولي بني أسد، المعروف بالفراء، أبو زکريا، أخذ عن أبي الحسن الکسائي، و کان فقيها عالما بالخلاف و بأيام العرب وأخبارها و أشعارها، عارفا بالطب و النجوم، متکلما يميل إلي الاعتزال، و کان يتفلسف في تصانيفه و يستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة، و قيل: إنه لقب بالفراء لأنه کان يفري الکلام، توفي في طريق مکة سنة سبع و مائتين، و قد بلغ ثلاثاً و ستين سنة، و قيل: مات ببغداد. من تصانيفه: کتاب اختلاف أهل الکوفة والبصرة والشام في المصاحف، معاني القرآن، المصادر في القرآن، اللغات، الوقف و الابتداء، و غيرها.

    انظر: معجم الادباء 2:9:20، الانساب 247:9، شذرات الذهب 19:2.

  25. معاني القرآن 59:3.