الايام الأخيرة لعهد الإمام











الايام الأخيرة لعهد الإمام



حين يمر شريط حياته سلام الله عليه أمام أعيننا تبدو نهاياتها أشد قتاماً حتي يکاد يتفطر القلب أسي. فهذا معاوية يقود رايات الجاهلية ضد رسالة الله!.

وهذا الأشعث وأهل الدنيا من قيادات الجيش الکوفي، يميلون إلي باطل معاوية،وتستهويهم وعوده الکاذبة أکثر من نصائح الإمام (ع).. وهؤلاء أصحابه الکرام يَلقون مناياهم ويُصرعون بالحرب حيناً، وبالغيلة أحياناً.. ولا يمر عليه يوم إلاّ وتتوارد عليه أنباء مؤسفة.. فالمتطرفون يخرجون عليه، ويزعجون جيشه، والجيش قد تعب من الحرب، ومعاوية يزداد قوة کل يوم، ويبعث بسرايا خفيفة تغير علي أطراف البلاد. يحيي بذلک سنن الجاهلية التي ينتمي إليها، ويشجع القبائل العربية والقيادات الجاهلية علي العودة إلي عاداتهم السابقة من سلب ونهب.. ثم يهاجم اليمن والحجاز بجيش يقوده بسر بن أرطأة، ويأمره بإثارة الفوضي وإرهاب الموالين للإمام (ع).. ويجهز جيشاً لمهاجمة مصر، بقيادة عمرو بن العاص الذي اتَّبعه طمعاً في ولاية مصر، فيعيث فساداً في مصر، ويقتل والي الإمام عليها (محمد بن أبي بکر) ويمثل به ويحرقه.. وحينما ندب الإمام لمصر السيف الصارم (مالک الأشتر)، دبّر معاوية خطة لاغتياله بالسم في بعض الطريق.. وکان نبأ شهادته علي الإمام عظيماً، إذ فقد بطلاً راسخ الإيمان شديد الوطأة علي أعداء الله. کل ذلک، وأهل الکوفة لايزالون مختلفين، إذ کانوا متأخرين قروناً عديدة عن أفق الإمام (ع)، حيث کان يستحثهم بکل ما أُوتي من بلاغة القول وحکمة الرأي وقوة الطرح، علي الجهاد في سبيل الله وعلي المحافظة علي کرامتهم ومکاسب ثورتهم، فلم يکن يستجيب له إلاّ طليعة القوم. ولعل الهدف الأسمي للإمام (ع) کان ترسيخ أسس الإيمان عند هؤلاء الطليعة الذين هم شيعته المخلصون، ليمتد الخط الرسالي حاملاً مشعل التوحيد، عبر الأجيال. وکان يؤلمه حقّاً تفرقُ أهل الکوفة عن حقهم، واجتماع أهل الشام علي باطلهم، وکان يتمني أن لَو بادَلَه معاويةُ بأصحابه علي أن يدفع منهم عشرة ويأخذ واحداً من أصحاب معاوية، وأخيراً رمي بآخر سهم من کنانته فقال: أَمَا إني قد سئمت من عتابکم وخطابکم، فبيّنوا لي ما أنتم فاعلون، فإن کنتم شاخصين معي إلي عدوي فهو ما أطلب وما أحب، وان کنتم غير فاعلين فاکشفوا لي عن أمرکم. فوالله لئن لم تخرجوا معي بأجمعکم إلي عدوکم فتقاتلوه حتي يحکم الله بيننا وبينه وهو خير الحاکمين. لأدعون الله عليکم ولأسيرن إلي عدوکم. ولو لم يکن معي إلاّ عشرة. واضاف قائلاً: «أجلاف أهل الشام أصبرُ علي نُصرة الضلال، وأشدُّ إجماعاً علي الباطل منکم علي هداکم وحقکم. ما بالکم وما دواؤکم؟. إن القوم أمثالکم لايُنشرون إن قتلوا إلي يوم القيامة».[1] .

فلما رأي أهل الکوفة منه العزم علي أن يزحف بمن بقي معه من أصحابه المخلصين استجابوا له، وتداعوا للجهاد وخرج المقاتلون إلي النخيلة حيث کان يعسکر فيه جيش الکوفة. ولبث الإمام (ع): هناک، ووجَّه واحداً من قادة جيشه (زياد بن حفصة) باتجاه الشام، يقود طلائع الجيش، بينما انتظر انسلاخ شهر رمضان ليزحف ببقية الجيش إلي الشام، لولا أن القدر کان في انتظاره في ليلة التاسع عشر من شهر الله المبارک..









  1. المصدر: (ص 499).