الامام يقود المعارك











الامام يقود المعارک



في صفّين تجلَّي علي بشجاعته وبطولاته وصدق مواقفه، لقد ذرَّف الآن علي الستين، ولقد تواردت عليه مصائب لو نزل بعضها علي الجبال لانهدَّت، ولکنه سيد المتقين الذي يتعالي علي قمم الجبال. مواقفه في صفّين تعکس جانباً من تلک الروح العظيمة، وذلک الإيمان الصادق. لقد أرسل الإمام (ع) إلي معاوية أنِ ابْرُزْ إِلَيَّ واعفُ الفريقين من القتال، فأيُّنا قتلَ صاحبه کان الأمر له. فانظروا إلي هذه البطولة.. إنه يستعد لافتداء المسلمين بنفسه. ولکن معاوية قال في الجواب بالحرف الواحد: إني أکره أن أبارز الأهوج الشجاع، ثم نظر إلي عمرو بن العاص الذي شجعه علي قبول تحدي الإمام (ع) قائلاً: لقد انصفک الرجل، نظر إليه وقال: لعلک طمعت فيها يا عمرو!

أما عمرو بن العاص الذي کان يعتبر من دهاة العرب، ومن القيادات العربية العريقة في الجاهلية، فقد أراد أن يأخذ الإمام (ع) علي غرة، فحمل عليه الإمام، فلما کاد يخالطه رمي بنفسه عن فرسه ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته، فصرف عليٌّ (ع) وجهه عنه، وقام معفراً بالتراب هارباً علي رجليه معتصماً بصفوفه فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين.. قال: وهل تدرون من هو؟. قالوا: لا، قال: إنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه.[1] .

وفي موقعة أخري برز عروة بن داود الدمشقي إلي الإمام (ع) فضربه ضربة علوية فقدَّه نصفين وقع نصفه يمنة ونصفه يسرة، فارتج العسکر، وخاطبه الإمام (ع) بعد مقتله قائلا: «يا عروة اذهب فأخبر قومک. أَمَا والذي بعث محمداً بالحق لقد عاينتَ النار وأصبحتَ من النادمين».[2] .

فبرز إليه ابن عمه فألحقه الإمام (ع) بصاحبه. ومعاوية واقف علي تل يبصر ويشاهد فقال: تبّاً لهذه الرجال وقبحاً. أَمَا فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق وثوران النقع. فقال الوليد بن عقبة: ابرز إليه أنت، فإنک أولي الناس بمبارزته. فقال: والله لقد دعاني إلي البراز حتي استحيت من قريش. والله إني لا أبرز إليه.[3] .

وذات مرة قال معاوية لجلسائه وهو يذکر نکوله عن مبارزة علي وکشف صاحبه عمرو عن سوأته للفرار عنه: «إن الجبن والفرار من عليٍّ لا عار علي أحد فيهما».[4] .

هکذا تجلي الإمام ببطولاته- التي صنعها في حروب الإسلام الأولي ضد قريش وبني أمية بالذات- تجلي في الوقت الذي کان أميراً للمؤمنين، والقائد العام للجيش الإسلامي.. وإننا لو أطَّلعنا علي ساحة المعرکة في صفّين، ورأينا أصحاب محمد (ص) يلتفون حول قائدهم الإمام علي (ع)، وقد تراوحت أعمارهم بين الخمسين والتسعين عاماً، وهم الرواد الأوائل، وطلائع الرسالة، وحملة راية التوحيد في الأرض، وهم قادة الأمة بلا منازع، لاستبدَّ بنا العجب!. سبحان الله، ما أروع هذا المشهد!. ماالذي جعل هؤلاء الشيوخ يشکلون کتيبة خاصة بهم باسم الکتيبة الخضراء؟ وماالذي جعلهم يرخصون أنفسهم؟ وما الذي أخرجهم إلي الحرب وهم کرام سواء خاضوا حرباً أم استقروا في بيوتهم؟!.

إنه الإسلام، وهم الجيل القرآني، والقرآن يصوغ شخصية الإنسان بحيث تتحدي حاجز السنين، وتتعالي علي الماديات. لقد أحس القوم بالردة الجاهلية التي يقودها بنو أمية، فلم يألوا جهداً في مقاومتها، وأقروا عين حبيبهم ومربيهم وقائدهم، النبي محمد (ص) بفعلهم.









  1. المصدر: (ص 168).
  2. المصدر: (ص 170).
  3. المصدر.
  4. المصدر: (ص 173).